دمشق °C

⁦00963 939 114 037⁩

جون هولواي: المقاربة التقليدية فخ هوياتي قد يضعف إبداع الكرد… و”التقديس” محرج لأوجلان

لطالما أخذ مشروع جون هولواي من ديناميكية الحركات الاجتماعية وأشكال النضال الجديدة ضد النظام القائم، فإنه تلمس في الحركة الكردية وأطروحات أوجلان فسحة الأمل وسط العنف والدمار في الشرق الأوسط. لا يحبذ هولواي التعبير عن تضامنه مع ثورة روج – آفا والنضال الكردي بالمعنى الرومانسي الحالم، وإنما يدرجه في سياق نقدي وجدلي مع الذات الثوري أولاً، ومن ثم كيفية تحدي الظروف المروعة التي تواكب ثورة روج آفا – شمال شرق سوريا ثانياً. فكيف  تعرف هولواي على نضال الحركة الكردية وأطروحات أوجلان؟ وهل يمكن أن يستمر نموذج روج آفا- شمال شرق سوريا دون الوقوف على تناقضاته ومناقشته بصورة دائمة؟ وما هو وجه التناقض بين الطبقة الطليعية والإدارة الاجتماعية الديمقراطية؟ هذه التساؤلات الملحة وغيرها ستكون محور حديثنا في الحلقة الثانية مع جون هولواي عبر نافذة المركز الكردي للدراسات.

فيما يلي نص الحوار:

أود الآن أن أنتقل إلى القضية الكردية. كيف تعرفت على النضال الكردي وثورة روج آفا التي تسمى الآن (الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا)؟

هولواي: كانت لـ عزيزة أصلان دوراً مهماً في إرشادي. بالطبع تعرفت على الحركة الكردية قبل ذلك من خلال قراءتي العامة ومن خلال بعض الأصدقاء. ثم دعيت إلى كونفراس في هامبورغ في عام 2015، الذي كان مثيراً للغاية بالنسبة لي. بعد ذلك قامت هيفين غونيسر (ناشطة في الحركة الكردية بأوروبا) بزيارة مدينة بويبلا المكسيكية عدة مرات للحديث عن الحركة. هذا ما اتاح لي متسع من الوقت لإجراء نقاشات طويلة معها والتعرف أكثر على الحركة، ثم أتت إلينا فيما بعد عزيزة أصلان لتحضير رسالة الدكتوراه وذلك قبل أربعة سنوات من الآن. لقد كانت تجربة رائعة للتعلم منها وعن التنظيم وتناقضاته.

برأيك، ما هي أهم الإنجازات التي حققتها ثورة روج أفا، وكذلك أبرز التحديات الرئيسية التي تواجهها؟

هولواي: إن الإنجاز الأكثر وضوحاً، على ما أعتقد، أن ثورة روج آفا قد غيَرت المنظور الفكر الثوري والتنظيمي المناهض للرأسمالية بشكل كلي، وقد أظهرت هذا ليس بالقول ” لا نريد أن نستولي على الدولة “ولكن أيضاً من خلال وضع تنظيماتها المناهضة للدولة موضع التنفيذ على نطاق واسع خلال السنوات التسع الماضية. هذه التنظيمات المناهضة للدولة هي شكل من أشكال التنظيم المجتمعي الكومينالي. إنها الثورة التي حققتها، وتحققها على صعيد مكانة المرأة، ودورها القيادي في التحول الاجتماعي. أن الأهمية التي يعلقونها على تحويل العلاقة بين البشر والطبيعة. وتأخذ حقاً التحدي المتمثل في تغيير العالم إلى أمكنة جديدة. إنها تفتح طريقة للتفكير في تغيير العالم والذي، بالطبع، مرتبط أيضاً بما تقوله زاباتيستا وتمارسها على مدار 28 عاماً في الفضاء العام. ولكن نضال روج آفا مختلف في نطاقه، فهو أكثر تحضراً من حيث البداية. الشيء الاستثنائي هو القدرة على الاستمرار في فعل ذلك، تزامناً مع الحالة الصعبة من العدوان العسكري. هذا الأمر يبدو حقاً مذهل.

أما ما هي التحديات؟ أولاً، الاستمرار في تلك الظروف المروعة بحد ذاته يشكل التحدي. والتحدي الآخر هو عدم الوقوع في قضايا التفكير الهوياتي وتأسيس التنظيم وفق ذلك. وهذا يعود بنا مرة أخرى إلى مناقشات أدورنو. فالتحدي الكبير هو عدم الوقوع في الدفاع عن الحركة بشكل هوياتي. بعبارة أخرى، عدم الوقوع في فخ الهوية القومية التقليدية. أفترض أن أحد الأشياء المهمة بالنسبة لي فيما يتعلق بالحركة الكردية هو أنها تجاوزت الهوية القومية التقليدية على الرغم إنها كانت أحد دوافعها الرئيسية في انطلاقتها، حيث ذهبت إلى أبعد من ذلك بكثير. لكن مع الهجمات العسكرية عليها، يكمن الخطر في دفعها مرة أخرى إلى الدفاع عن النفس من المنظور القومي الضيق، وهو أمر مفهوم بكل التأكيد، لكنه سيعني فقدان إبداعه المذهل.

على حد علمي أنكم ضد مفهوم الحزب أو الطبقة الطليعية في تنظيم شؤون الناس. في الواقع، لا تزال الحركة الكردية تحافظ على فكرة الكادر أو نظام القيادة لتنظيم الناس، وفي بعض الحالات، يحتلون مكانة فوق جسد المجتمع وإرادته (بسبب معرفتهم أو التزامهم بالقضية الثورية) التي تتناقض مع المثل العليا لفلسفة الحركة الكردية. كيف يمكن لهذه القيادة أن تنظم الناس دون إنتاج أشكال أخرى من التراتبية والهيمنة؟

هولواي: أعتقد أن أهم شيء هو الإشارة إلى المشاكل، والتعرف على التناقضات، والقول بالضبط ما كنت تقوله في سؤالك، أي: نحن في موقف متناقض، وكيف نتعامل معه؟ أسوأ شيء هو التظاهر بعدم وجود التناقض. نعم، نحن نعيش في عالم رأسمالي، وهذا يعني أيضاً وجود شتى أشكال التناقض فيما يخص التنظيم، وكيفية التفكير والتفاعل معه. أيضاَ عند حركة زاباتيستا كان التفكير يتمحور حول هذه المشاكل الدائمة. من الواضح أن قائدهم ماركوس، في السنوات الأولى، ظهر على أنه شخص عُرف باسم القائد وبدا أنه القائد، وقد حاولوا على مر السنين إيجاد طرق لتصدي ذلك؛ أولاً بالقول إنه ليس قائداً، بل قائد فرعي يأتمر من القيادة العامة، ومن ثم سحبه من فضاء الرأي العام، قائلاً:” إنه لن يظهر في المقابلات العامة بعد الآن”، وفي النهاية، تغيير اسمه، فماركوس قُتل مجازياً، وحل مكانه غاليانو. يُطلق على ماركوس الآن اسم غاليانو، ولم يعد المتحدث الرئيسي باسم حركة زاباتسيتا، فالمتحدث الرسمي الحالي هو ماسوس.

لكنهم قالوا في وقت مبكر جداً: “لدينا مشكلة لأننا منظمون كجيش هرمي بالضرورة. والمجتمع الذي نريد إنشاءه مناهض للهرمية. لذلك نحن كجيش نريد أن يكون حياتنا أفضل، وهذا هو هدفنا وهدف منظمتنا. فالهرمية موجودة ولكن كيف نتغلب على هذه التراتبية الهرمية؟ وهكذا ذهبوا لتعزيز قوة المنظمات المجتمعية المحلية. لكني أعتقد أن المشكلة لا زالت موجودة، وأعتقد أنه من المهم التعرف عليها والتفكير باستمرار في كيفية تقوية القاعدة المجتمعية ضد التراتبية الهرمية.

جهاد: إذن، نحن بحاجة إلى أن نكون هيغيليين ونحتفل بالتناقضات؟

هولواي: بالطبع .

بعد القتال ضد داعش دُمرت العديد من المدن. نتيجة لذلك، جاء العديد من المنظمات غير الحكومية لتقديم المساعدات الإنسانية. هل تعتقد أن المنظمات غير الحكومية يمكن أن تتحدى إمكانات الإدارة الذاتية الديمقراطية؟

هولواي: أعتقد أن المنظمات غير الحكومية تعد مشكلة كبيرة. مرة أخرى، عند التفكير في الزاباتيستا، نجد أنه وصل بهم الحال قبل أكثر من 10 أو 15 عاماً إلى طرد المنظمات غير الحكومية. قالوا “لا، لا نريد المنظمات غير الحكومية هنا بعد الآن، لأنهم يحطمون توازن وقوة المجتمعات المحلية”. لقد طردوا أيضاً طلاب الدكتوراه (يضحك) في نفس الوقت، وقالوا إننا لا نريد أن يأتي الناس لكتابة أطروحاتهم عنا، لأنهم سيقدمون معلومات لا نريد بالضرورة نشرها”.

المنظمات غير الحكومية تعتبر مشكلة كبيرة جداً. طبعاً هناك اختلاف كبير بين بعض من هذه المنظمات غير الحكومية نفسها.. فالبعض منها تتماشى بشكل واضح مع النظام الرأسمالي، والبعض الآخر تتكون بالفعل من أناس من اليسار يحاولون إيجاد طريقة للعيش وإحداث التغيير، وقد يكونون صادقين للغاية. لكن القضية المركزية ستظل دائماً هي إخضاع المنظمات غير الحكومية لسيطرة الإدارة المجتمعية.

من الصعب فعل ذلك.

هولواي: نعم، هذا صعب للغاية.

الآن سأنتقل إلى أوجلان. لقد كتبت مقدمة مرافعة أوجلان “سوسيولوجيا الحرية”. كيف شعرت حيال الأفكار الواردة في هذا الكتاب، وما هي أفكارك حول كتابات أوجلان الأخرى؟

هولواي: أول شيء شعرت به عندما دُعيت لكتابة المقدمة، هو أنه “يا له من شرف عظيم!” لقد كان حقاً شرف كبير! كنت وما زلت متأثراً جداً بذلك. الشيء الثاني الذي شعرت به هو: نعم، أود أن أفعل ذلك واكتب مقدمة كتابه، لكن لا يمكنني فعل ذلك بمجرد القول كم هو رائع، بالطبع إنه رائع، ولكن في نفس الوقت أفكر في الأمر بطريقة ما، كالمحاورة مع أفكاره. الأمر الثالث هو أن قراءة الكتاب كانت حقاً نوعاً من الاكتشاف بالنسبة لي، اكتشاف من حيث الانخراط في طريقة تفكير مختلفة تماماً وعالم مختلف من المعرفة. على سبيل المثال، يشير أوجلان كثيراً إلى الحضارة السومرية، اكتشفت مدى جهلي في هذه الناحية. كان هذا أمراً رائعاً أن يتم دفعك صوب عالم مختلف من المعرفة، وعالم مختلف من المعرفة والذي يعد أيضاً جزءاً من مكان وجوده جغرافياً وطريقة تفكير مختلفة. تدريجيًا، بينما كنت أواصل القراءة، ازداد احترامي له أكثر فأكثر. أنه مقنع ومتماسك وغني بشكل مثير للدهشة. ولكن أيضاً، أدركت بعض الاختلافات، حيث أود أن أقول له على شكل حوار “حسناً، لا أتفق تماماً مع هذا وذاك”. أدركت أن هناك نقطتين اختلف معه في ذلك. كانت أحداهما بشكل خاص حول مسألة النظام الأبوي. لقد كانت هذه قضية متنامية في السنوات الأخيرة – فكرة أن الرأسمالية هي شكل من أشكال النظام الأبوي. أفترض أنني أريد أن أقول، نعم، يجب أن نتخلص من النظام الأبوي، ولكن إذا أردنا أن نفهم ديناميكية الدمار الذي نعيش فيه، فعلينا التركيز على رأس المال، بدلاً من النظام الأبوي. يخبرنا النظام الأبوي عن شكل الهيمنة، لكنه لا يخبرنا، بالنسبة لي طبعاً، عن ديناميكية الهيمنة، وكذلك عن هشاشة الهيمنة.  لهذا السبب أميل إلى القول، نعم، كانت الرأسمالية ولا تزال أبوية دائمة، ولكن إذا أردنا التفكير في إمكانية تغيير المجتمع، فعلينا التركيز على رأس المال وديناميكيته وهشاشته وضعفه. المسألة الأخرى هي مسألة السوق. من الأمور المركزية في حجة ماركس أن مصدر التدمير الرأسمالي هو حقيقة أننا نتبادل السلع، أي أننا نتواصل مع بعضنا البعض من خلال تبادل السلع في السوق. بينما، كما أفهم، يؤيد أوجلان السوق، لكنه نوع من سوق محلي، سوق صغير، وليس تنظيم السوق للمجتمع. أعتقد أنه يتعين علينا تجاوز السوق. إذا كان لديك سوق، سيكون لديك مال، إذا كان لديك مال سيكون لديك رأس مال، وإذا كان لديك رأس مال، فعندئذ يكون لديك كارثة.

أعتقد فيما يتعلق بمسألة السوق أنه متأثر بالمؤرخ الفرنسي فرنان بروديل. وحدة التحليل لدى أوجلان هي وحدة احتكار. لذلك، فهو يرفض الاحتكار في السوق. أعتقد أنه حصل من بروديل على فكرة سوق بلا احتكار؟

هولواي: أعتقد أن هذا لن ينجح. بمجرد أن يكون لديك سوق، يصبح لديك المال، ثم يكون لديك تراكم للمال، ثم يكون لديك رأس مال.

على الرغم من وجود الأنظمة الفاشية والديكتاتورية والإسلاموية في الشرق الأوسط، هل تعتقد أن أفكار أوجلان يمكن أن تساعد الشعوب الشرق الأوسط على حل مشاكلها السياسية والاجتماعية؟

هولواي: بالتأكيد! نعم، أفترض أن العديد من الناس في الغرب، عندما يفكرون في الشرق الأوسط، فإنهم لا يريدون التفكير في الأمر أساساً. يبدو لي أن الشرق الأوسط يمر بدائرة من العنف والدمار. إذا كنت تفكر من منظور سياسة الدولة، فمن الصعب جداً أن ترى مخرجاً. حقاً أوجلان والحركة الكردية كسروا ذلك. يجب أن يكون المخرج هو إعادة التفكير الكامل في المجتمع، وإعادة التفكير بالكامل في التنظيم الاجتماعي، وذلك يبدو لي رسالة أمل ضخمة [يقدمها أوجلان والحركة الكردية] للعالم وخاصة للشرق الأوسط.

جهاد: في كتابك (We ARE The Crisis of Capital)، كتبت فصل بعنوان ” زاباتيستا والعلم الاجتماعي”، حيث تتحدث عن كيفية إمكانية تجربة حركة زاباتيستا في إغناء العلوم الاجتماعية، من حيث التغلب على وهم الدولة، والتغلب على ثنائية الذات والموضوع في البحث العلمي، وإعادة تعريف الثورة. هل تعتقد أيضاً أن العلوم الاجتماعية يمكن أن تتعلم شيئاً من تجربة روجآفا وأطروحات أوجلان أيضاً؟

هولواي: نعم! ينبغي أن تكون العلوم الاجتماعية علماً، أو تفكيراً، ضد المجتمع كما هو موجود. بعبارة أخرى، التفكير حقاً في المجتمع، هو التفكير في كيفية كسر ديناميكية التدمير، ومجموعة الأفكار والممارسات حول كيفية القيام بذلك. [بهذا المعنى] بالنسبة لي، يحتل أوجلان مكانة مهمة للغاية، وبالطبع ممارسات الحركة الكردية أيضاً. لذا نعم، قطعاً!

لو قابلت أوجلان شخصياً، ما هي الأسئلة التي ستطرح عليه؟

هولواي: (يضحك) سيكون ذلك مدهشاً. بالمناسبة انهيت مقدمتي لكتاب سوسيولوجيا الحرية بذات السؤال مع التمني تناول الشاي مع أوجلان. لكن بادئ ذي بدء، سأشعر بتوتر شديد، وسأخشى قليلاً من طرح الأسئلة عليه. ولكن أظن أن أحد الأسئلة التي سأطرحها عليه على الأرجح هو كيف يشعر بشأن علاقته تجاه الحركة، والتي من الواضح أنها مسألة معقد للغاية. عندما كنت في هامبورغ عام 2015، تم اصطحابنا إلى منزل كردي في اليوم الأول. كان الأمر جميلًا، ولكن مع صورة أوجلان على الحائط، أي أوجلان ذلك في صورة القائد الرمزي، وهذا يتعارض مع ما يقوله بوضوح. إذا كنت تتحدث عن شكل من أشكال التنظيم يقوم على المجتمع، فأنت لا تريد أي قديسين. سؤالي سيكون كيف يرى ذلك؟ كيف يرى ذلك في علاقته بالحركة؟ نحن (أو أنتم) لا نريد أي نوع من القديسين؛ لا أقصد على الإطلاق استبعاد أهميته وأهمية أفكاره التي من الواضح أنها مهمة وغنية للغاية. فهناك صدام أو تعارض بين قائد بعيد عن الأنظار ومحبوس في السجن، والحركة التي تنمو على أساس التنظيم المجتمعي.  ما أود معرفته هنا بماذا سيفكر أوجلان حيال ذلك؟

المصدر: المركز الكردي للدراسات