أوغاريت بوست (مركز الأخبار) – قال المعارض السوري جورج صبرا إن دمشق كانت بانتظار الربيع العربي، وهي أحق بالتغيير الديمقراطي لأن معاناة الشعب السوري كانت مريرة وأصعب عمقاً واتساعاً من معاناة الشعوب في بلاد العرب الأخرى، وأشار إلى أن جميع السوريين مؤمنون بالدولة المدنية الديمقراطية التعددية.
هذه التصريحات أدلى بها المعارض السوري جورج صبرا الرئيس السابق للمجلس الوطني السوري في حوار خاص مع شبكة أوغاريت بوست، وننشر اليوم الجزء الأول من الحوار على أن يتم نشر الجزء الثاني يوم غد الجمعة والجزء الثالث بعد غد السبت.
أوغاريت بوست: ما هي الظروف والعوامل التي هيأت لإطلاق الاحتجاجات والانتفاضة في سوريا ؟
جورج صبرا: عاشت سوريا لمدة نصف قرن في ظل سلطة قمعية تسلطية ارتكبت بحق الشعب في مختلف المناطق كل أنواع التعسف والنهب والتمييز، فقد كانت بجوهرها سلطة فئوية سياسياً وطائفياً ترتكب كل أنواع الموبقات والجرائم، حتى الخيانة تحت شعارات زائفة عن الوطنية والاشتراكية والعروبة.
ومنذ وصول آل الأسد إلى السلطة عام 1970، حدث تغير نوعي في بنية الدولة، وتخريب متعمد في البنى الاجتماعية، حيث تحولت الدولة إلى جمهورية وراثية، تعبث بأجهزتها ومؤسساتها الأجهزة الأمنية، بل تدار هذه الدولة بأوامر مباشرة منها. وفتحت أبواب السجون والمعتقلات للسوريين حتى تحولت سوريا إلى سجن كبير للنشطاء والأحرار ومملكة للصمت بالنسبة لباقي الشعب.
ما استكان السوريون إزاء هذه التحولات الكبرى في دولتهم ومجتمعهم، والتي رأوا فيها نشاذُ عن تاريخهم وتخريباً لحاضرهم ومستقبل أجيالهم، فتحركوا في مواجهة هذه السلطة مرات عديدة. لكن العنف الأعمى والمزيد من القتل والسجن والنفي كان الإجابة الوحيدة للنظام الذي كان يؤمن مصالح الخارج في الشرق والغرب، وينتهك حقوق شعبه وكرامته.
وكانت وقائع الثمانينات فرصة أظهر فيها النظام وحشيته وطائفيته حيث كشر عن أنيابه، ووضع نفسه في موقع العداء للشعب السوري عبر مجزرة تدمر عام 1980 وأحداث حماة والمجازر المتعددة فيها عام 1982، وسحق أي صوت معارض لدرجة امتلأت السجون بالمناضلين من مختلف الاتجاهات السياسية.
تصحرت البلاد من النشاط السياسي والحياة العامة، وعمل على تحويل المجتمع إلى ملحق بأجهزته الأمنية، وآلتها العمياء، مخترقاً كل البنى والمؤسسات الاجتماعية بما فيها المؤسسات الدينية لجميع الطوائف، واستتباع قادتها وتسخير سلوكها وخطابها لمصلحته وفتح أبواب البلد وثرواتها ومقدراتها لزبانيته وأتباعه في الداخل والخارج.
وعندما ورث بشار الأسد السلطة أمل السوريون بتحولات مهما كانت طفيفة تجري تغييراً سلمياً ومتدرجاً في البنى والعلاقات وتسمح بنشاط شعبي حر طالما أتقنه الأجداد وبرعوا فيه، فأنشأوا المنتديات الثقافية والاجتماعية وأصدروا البيانات وصنعوا حراكاً سياسياً راقياً، طالما اشتهاه السوريون لفض الاحتقان والحؤول دون المصير المظلم الذي ينتظر البلاد والعباد باستمرار الدولة الأمنية التي تديرها عصابة ولمصلحتها فقط، غير أن حلمهم تبدد سريعاً وعاد القمع والاعتقال ومحاكم أمن الدولة للعمل وعادت من جديد سوريا جمهورية للخوف.
وعندما انبلج صبح الربيع العربي في تونس وانتقل إلى مصر، كانت دمشق بانتظاره، وهي أحق بالتغيير الديمقراطي من جميع العواصم العربية، لأن معاناة الشعب السوري كانت مريرة وأصعب عمقاً واتساعاً من معاناة الشعوب في بلاد العرب الأخرى مرات ومرات. وطالما انكسر قيد الاستبداد العربي في مكان لا بد أن يتحطم في دمشق حيث المعاناة الكبرى والظلم المضاعف.
وعندما خرجت مظاهرة سوق الحميدية في 15 آذار عام 2011 بشكل تجريبي شجاع للشباب السوري يخترق الصمت ويقول علناً آن الأوان لتحرك السوريين بعد ثلاثة أيام فقط خرجت أول مظاهرة شعبية في درعا بعد أن دق أطفالها جرس الانذار وقالوا إجاك الدور يا دكتور وما هي إلا أيام قليلة حتى رددت صدى نداء درعا المدن السورية من دوما وداريا والمعضمية حتى بانياس وحمص واللاذقية واشتعلت الثورة.
هل يحق لأحد أن يسأل ما الذي يدفع السوريين إلى تحمل كل هذه التبعات من أجل انتصار الثورة ؟ أو يتساءل عن سر هذا التصميم الجارح على بذل التضحيات الجسام من أجل ذلك ؟
أوغاريت بوست: بعد ثمان سنوات، هل يمكن القول بأن السوريون حققوا ما كانوا يطمحون إليه ؟
جورج صبرا: ليس بعد، لكن عزم الثورة وطاقتها المتجددة وتضحيات السوريين التي تعز عن الوصف أنجزت الكثير، فأي أحمق يمكنه أن يتخيل أن سوريا يمكن أن تعود إلى ما قبل عام 2011، وما الذي تبقى من دولة العصابة التي يديرها آل الأسد، فقد فضحت الثورة الفئوية والطائفية، كائناً من كان معتنقها أو مطلقها، وحطمت عبادة الفرد والتبعية للحزب، وبددت الاستسلام للشعارات والإيديولوجيات العصبوية التي لا تحترم الآخر وتعترف بوجوده.
والشعب كسر حاجز الخوف، واستعذب عبير الحرية التي صنعها بجهوده، وها هو يثور على كل مستبد صغير هنا وهناك على الأرض وفي المؤسسات ويرفض من المتسلطين من الصغار أي سلوك أو إجراء يشبه تصرفات المتسلطين الكبار بعد أن أسقطت الثورة صوتهم وصورتهم وسطوتهم.
وما نشاط السوريين في حقل المجتمع المدني، وعودتهم إلى العمل العام رغم كل الصعوبات والتشوهات الموجودة إلا أحد منجزات الثورة. وإجماع السوريين اليوم في مختلف أماكن تواجدهم على تحقيق حلم الدولة المدنية الديمقراطية التعددية، دولة كل وطني تحترم الحريات وحقوق الانسان، ويسود فيها العدل والحق وتكافئ الفرص، هو من منتجات الحوارات الصعبة التي خاضها السوريون بكل الوسائل خلال مراحل الثورة المتعددة. وما انكشاف حجم جرائم الحرب وجرائم ضد الانسانية التي ارتكبها النظام وحلفائه إلا نتيجة معاناة السوريين في ثورتهم ضد الظلم.
وهل مواجهة العدوان والتآمر الدوليين، والمخططات الكبرى لدول نافذة في الإقليم والخذلان العربي المخزي وما واجهته الثورة من طعنات من القريب والبعيد بالشيء القليل. إن استمرار الثورة وصمودها هو أحد عوامل نجاحها وانجازاتها.
يتبع غداً …
حوار: بهاء عبد الرحمن