أوغاريت بوست (مركز الأخبار) – باتت الفصائل السورية في “الجيش الوطني” تشكل عبئاً على تركيا، من حيث موقفها من التقارب بين أنقرة ودمشق وتجييشهم للشارع، والانخراط في صفوف “هيئة تحرير الشام/جبهة النصرة” مع الانتهاكات التي تقوم بها وحالة الفلتان الأمني في مناطق سيطرتها، حتى وصل الحال بأنقرة للتفكير بالتخلص من هذه الفصائل، منهم يتم إرساله للقتال خارج سوري للصالح التركي، ومنهم من يتم تصفيته من قبل “جبهة النصرة”.
دعم “النصرة” يحتاج لإزالة صفة الإرهاب
ولا شك في أن تركيا منذ البداية تعتمد في تدخلها العسكري في سوريا من الناحية السياسية والعسكرية على “هيئة تحرير الشام/جبهة النصرة”، وليس على فصائل “الجيش الوطني” التي تتقاتل فيما بينها لأجل المسروقات ومناطق النفوذ وغيرها من الأسباب، لكن أنقرة لا تستطيع إظهار دعمها ومساندتها “للنصرة” في سوريا بشكل علني لطالما أن الأخيرة مصنفة على قوائم الإرهاب الدولية، وهذا بدوره سيجعل تركيا محل إدانة دولية كونها ترعى وتدعم “جهة إرهابية”.
ومن الملاحظ خلال السنوات الماضية عمل “هيئة تحرير الشام” على إبعاد صفة الإرهاب عنها ومحاولة إظهار نفسها “كفصيل معارض معتدل” وتقبلها من قبل المجتمع الدولي والدول المجاورة لسوريا، وطبعاً ذلك لن يحصل إلا بدعم تركي، وهذه المساعي سيتم تطبيقها عبر مراحل عدة لعل أولها “وضع سيطرة المناطق الشمالية السورية تحت سيطرة الهيئة”، وتقبل الشارع لأبو محمد الجولاني وفصيله، ونقل هذه المناطق للسيطرة الأمنية الكاملة “للنصرة” تمهيداً للبدء بالخطوات التالية.
“ترسيخ الأمن لإعادة اللاجئين”
نقل مناطق الريف الشمالي في حلب لسيطرة “النصرة” لتركيا أهداف منها، حيث ترغب بإنهاء حالة الفلتان الأمني وانتشار فوضى السلاح وإيقاف الانتهاكات في هذه المناطق، وبعدها الترويج على إنها مناطق آمنة لإعادة اللاجئين السوريين المقيمين في تركيا إليها، حيث أنه في ظل هذه الأوضاع الأمنية التي تعيشها مناطق سيطرة “الوطني السوري” لا يمكن إعادة السوريين، وأنقرة تعلم أنه في حال إعادتهم الآن ستواجه انتقادات دولية كثيرة كون الشمال السوري ليس آمناً بعد.
الصمت الدولي والعربي
تحرك “هيئة تحرير الشام/جبهة النصرة” في الشمال السوري وسيطرته على مناطق شمال حلب لا يختلف اثنان أنه جاء بموافقة تركية، بينما كان الموقف الدولي وخاصة الأمريكي والروسي والعربي أيضاً وشبه صمتهم على ذلك مريب للغاية، ومن المؤكد أن خطوط السيطرة العسكرية في سوريا لا تتغير إلا أن تكون موسكو وواشنطن موافقتان، وبذلك يمكن القول بحسب آراء الكثير من المحللين السياسيين أن سيطرة النصرة على ريف حلب الشمالي كان بموافقة أمريكية روسية ويمكن عربية حتى.
وكان الاستهداف الجوي الروسي وشنه لغارات جوية استهدفت مواقع “الجيش الوطني” في ريف عفرين فور التوصل لاتفاق ما بين الفيلق الثالث و “تحرير الشام” بمثابة رسالة روسية إلى هذه الفصائل أن ما تم الاتفاق عليه سيطبق، أو كإشارة إلى أن أي فصيل يرفض هذه التطورات الأخيرة فإنه سيجابه بالقوة العسكرية.
موسكو أحد الرابحين من سيطرة النصرة على شمال حلب
الموافقة الروسية على سيطرة “النصرة” على ما تبقى من مناطق المعارضة هو لمصلحة موسكو – بحسب ما يراه الكثيرون – لطالما أن ذلك لن يهدد مصالحها ومواقعها العسكرية في سوريا، كما يمكن اتخاذ تواجد “النصرة” في هذه المناطق كحجة لشن عمليات عسكرية لتوسيع رقعة سيطرة الدولة السورية.
ولن يكون مستغرباً أن تكون هذه الخطوة تمهيد لزج “تحرير الشام” في حرب مباشرة مع قوات سوريا الديمقراطية، حيث أن إضعاف هذه الجهة التي تعتبر من أقوى الجهات السياسية والعسكرية في سوريا الآن هو هدف مشترك تركي روسي ولدمشق أيضاً، حيث أن “النصرة” والفصائل الموالية لها بدأت فعلياً بالانتشار على خطوط التماس مع قسد في أرياف عفرين وعين العرب ومنبج وانتقلت إلى رأس العين وتل أبيض.
مراقبون سياسيون يستبعدون أي تصادم عسكري في المدى المنظور بين قسد والنصرة، لاحتمال دخول التحالف الدولي في المعركة لصالح قسد وعدم قدرة تركيا بدعم النصرة جواً كونها “إرهابية”، مشيرين إلى أن هدف تركيا والهيئة الآن “إزالة صفة الإرهاب والتقبل لدى المجتمع الدولي”.
الموقف الأمريكي – “إرضاء الجميع”
أما من ناحية الولايات المتحدة الأمريكية، فإن عدم تمدد سيطرة روسيا وقوات الحكومة السورية إلى الشمال أهم من الجهة التي تحكم وتتولى إدارة هذه المناطق، حتى لو كانت منظمة مصنفة على قوائم الإرهاب، لذلك كانت البيانات والمواقف الأمريكية خجولة بعض الشيء من سيطرة النصرة على الريف الشمالي لحلب، وكانت تدعو للحفاظ على حياة المدنيين، وضرورة إخراج “تحرير الشام”.
وزعمت بعض التقارير في وقت سابق أن الولايات المتحدة هددت تركيا بدخول قوات سوريا الديمقراطية إلى عفرين في حال عدم انسحاب “النصرة” منها، بينما لاتزال الهيئة متواجدة في عفرين ومناطق الريف الشمالي لحلب إما عبر عناصر جهازها الأمني أو الفصائل المتحالفة والموالية لها.
ولا تستبعد أوساط سياسية أن تكون هذه التحركات العسكرية على خطوط التماس بأنها ستكون بداية لحلول مرضية لجميع الأطراف وخفض التصعيد والتوتر في الشمال السوري، خاصة مع الحديث الأمريكي عن مساعي واشنطن “لتجميد الصراع في سوريا وفرض حلول تكون مرضية لجميع الأطراف”.
إعداد: ربى نجار