أوغاريت بوست (مركز الأخبار) – تواصل تركيا العمل على إعادة العلاقات مع الحكومة السورية على قدم وساق وبسرعة لم يكن أحداً يتخيلها، خاصة بعد العداء الكبير والقطيعة السياسية التي دامت لأكثر من 10 سنوات، وهذه المساعي تحصل وسط شبه صمت للحكومة السورية التي على ما يبدو تنتظر المواقف الأخيرة والحقيقية وتكتفي بالتنسيق الاستخباراتي وإرسال الوفود لوضع الشروط وماهية الرد التركي عليها.
منذ قمة “سوتشي”.. الغزل التركي مستمر
ومنذ انتهاء قمة “سوتشي” بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان، بداية الشهر الجاري، لم ينفك المسؤولين الأتراك عن الحديث على عودة العلاقات بين أنقرة ودمشق، وضرورة عقد صلح بين “النظام والمعارضة” ليكون هناك سلام دائم حسب رؤية تركيا، وهذه التصريحات تخرج من أعلى المستويات وليس من مسؤولين متدني الدرجة أو إعلاميين أو رؤساء أحزاب، بل من وزير خارجية ورئيس دولة ووزير داخلية.
آخر هذه التصريحات التي تغازل فيها تركيا دمشق، ما قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عند عودته من أوكرانيا، أنه على حكومة دمشق إدارك أن تركيا لا تطمع في أراضي سوريا وأن الشعب السوري “أشقاؤنا”، مؤكدا رغبة بلاده بخطوات مع الحكومة السورية لـ”إفساد المخططات”.
وأعرب عن أمله في صياغة دستور سوري جديد بأسرع وقت خلال الفترة المقبلة، والإقدام على خطوات في سبيل حل الأزمة السورية، ولفت إلى أن تركيا تتحمل العبء الأكبر في قضية اللاجئين وتحدث عن 4 ملايين لاجئ سوري، وقال إن الحوار السياسي أو الدبلوماسي لا يمكن التخلي عنهما تماما بين الدول.
وأكد الرئيس التركي أن “الولايات المتحدة وقوات التحالف هم المغذون للإرهاب في سوريا في المقام الأول” وتابع: “فعلوا ذلك دون هوادة ولا زالوا مستمرين”، وجدد أردوغان تأكيده على ضرورة التفاهم بين “النظام والمعارضة” في سوريا، وأن الحل في سوريا سياسي رغم رغبة النظام في الحل العسكري”.
“أردوغان هزم أمام الاسد”
سياسيون أتراك معارضون للتحالف الحاكم في تركيا، رأوا في تصريحات الرئيس التركي “هزيمة”، مشيرين إلى أن الرئيس التركي أدرك بعد 2017 أنه لن يستطيع إسقاط النظام في سوريا عسكرياً حتى مع كل الدعم العسكري الذي قدمته حكومة العدالة والتنمية للمعارضة، وزجها بما وصفوه “التنظيمات المتطرفة” في الحرب وفتح الحدود لهم.
وترى تلك الأطراف أن عدم حل مشكلة الشمال الشرقي من سوريا وعدم قبول الأطراف الدولية العملية العسكرية ضد قوات سوريا الديمقراطية، أدت بالرئيس التركي لإعادة العلاقات مع الأسد للتعاون في سبيل قتال هذه القوى التي تتشكل بتحالف بين قوات كردية وعربية وآشورية في شمال سوريا، إضافة لملف اللاجئين السوريين الذي بات يراه أردوغان عبئاً عليه واحتمال أن يتسبب في هزيمته أمام خصومه في الانتخابات القادمة.
“قتال الإرهاب في الشمال”.. من قصد أردوغان ؟
وكان حديث الرئيس التركي واضحاً، عندما قال “قتال الإرهاب في الشمال و شرق الفرات”، فمن المعلوم أن تركيا ترى في قوات سوريا الديمقراطية “إرهابية” على الرغم من أن قسد شريكة للتحالف ضد تنظيم داعش وتركيا بنفسها شريكة في هذا التحالف، بينما السؤال من هو الطرف الذي يقصده الرئيس التركي “بالإرهاب في الشمال” ؟.
محللون سياسيون أكدوا أن حديث الرئيس التركي قد يكون رداً مباشراً من أنقرة حول أحد مطالب الحكومة السورية، التي نقلها “الرئيس المشترك للجنة الدستورية السورية” من جانب الحكومة، أحمد الكزبري، خلال زيارته لأنقرة قبل أيام، وهو مطلب “تفكيك الميليشيات المسلحة الإرهابية وعلى رأسها هيئة تحرير الشام و حراس الدين والجيش الوطني السوري”.
ورجحت تلك الأوساط أن لا يكون القصد “الجيش الوطني” في حديث الرئيس التركي، حيث يمكن أن تماطل أنقرة قليلاً بشأنهم، لكن في حال رأوا أن دمشق مصرة سيقبلون بالشروط ويفككون هذا الجسم العسكري أيضاً، كون دمشق لا تثق بكل من حمل السلاح ضدها فمن الممكن أن يحمله في وجهها مرة أخرى، وأنقرة لن تقطع علاقاتها مع دمشق لأجلهم.
ولا شك في أن التغيير الكبير في السياسة التركية خلال عام 2022، قبل عام واحد فقط من الانتخابات الرئاسية في تركيا وتراجع شعبية التحالف الحاكم “العدالة والتنمية والحركة القومية”، كان السبب وراء هذا التحول في السياسة التركية تجاه الدول العربية، وخاصة الإمارات والسعودية ومصر والآن سوريا وقبلها إسرائيل، لعل استعادة هذه العلاقات تنقذ الرئيس التركي خلال الانتخابات القادمة في ظل وجود معارضة شرسة هذه المرة استطاعت خلال انتخابات البلديات من انتزاع بلدية أسطنبول وأنقرة، وهما البلديتان اللتان تكشفان جزء كبير من شكل الرئيس الذي سيحكم البلاد.
إعداد: علي إبراهيم