يصوغ بايدن سياسته الخارجية حول الصين وروسيا، ويُنظر أحيانًا إلى قراراته بشأن السعودية والعراق على أنها أداة في إبرام اتفاق مع ايران.
جيمس كين، الشريك في ملكية دلتا كريسنت إنرجي، لم يتفاجأ عندما أبلغه جو بايدن الشهر الماضي أنه ألغى إعفاء الشركة من العقوبات المفروضة على سوريا. ولذلك لن تتمكن هذه الشركة من إنتاج النفط في حقول شمال سوريا.
سوريا، التي أعاقتها العقوبات الأمريكية التي أبقت الشركات الأجنبية بعيدًا، وروسيا صاحبة الامتيازات الكبرى في سوريا، اعتبرت أنشطة الشركة الأمريكية محاولة من قبل إدارة ترامب لـ “سرقة” النفط السوري ومساعدة للكرد.
دونالد ترامب، الذي تراجع تحت ضغط الكرد ومستشاريه عن إعلانه بسحب قواته من سوريا، ومنح شركة النفط إعفاءً لمدة عام من العقوبات. واستخدم الإعفاء لتبرير ترك 900 جندي أمريكي في شمال سوريا بالإضافة إلى ما يقارب 200 جندي متمركزين بالقرب من معبر التنف الحدودي مع العراق.
خطط بايدن… والشرق الأوسط
جاء بايدن بخطط جديدة، لقد عارض سحب القوات الأمريكية من سوريا لكنه صاغ استراتيجيته حول الصين وروسيا، وتراجع اهتمامه بالشرق الأوسط. عندما قالت إدارته إن إعفاء الشركة الأمريكية من العقوبات لن يتم تجديده، قال مسؤول كبير في الإدارة لموقع “المونيتور” إن الجيش الأمريكي ليس في سوريا لحماية النفط.
لكن هذه التفسيرات “الإيثارية” لم تسر بشكل جيد مع منتقدي بايدن. لقد عرضوا تفسيراً بديلاً: يهدف الرئيس إلى تهدئة روسيا وإرسال رسالة إلى إيران مفادها أنه يسعى إلى مصالحة دبلوماسية.
بالنسبة للكرد، الذين فازوا بمكانة الحلفاء خلال إدارة ترامب، قد لا يكون هذا مجرد ضربة اقتصادية قاسية، لأن الدعم الأمريكي منحهم حاجزًا ضد محاولات النظام السوري استعادة السيطرة على حقول النفط. قد يكون أيضًا تلميحًا قويًا إلى أنه حتى لو لم تنسحب القوات الأمريكية، فلن يتبنى بالضرورة التطلعات السياسية للكرد.
ظاهريا، قضية التنازل الملغى رمزية. ولكن بالتزامن مع القرارات الجديدة المرتبطة إلى حد كبير بسحب القوات الأمريكية والأسلحة والمعدات من الشرق الأوسط وأفغانستان، يبدو أنه بعد ستة أشهر من تنصيب بايدن يمكننا تمييز الخطوط العريضة لسياسته الإقليمية. وبدأت بالفعل مئات الشاحنات والطائرات الأمريكية في سحب أطنان من المعدات العسكرية والأسلحة والذخيرة من أفغانستان، استعدادًا للانسحاب النهائي من البلاد.
ماذا سيحدث في أفغانستان بعد انسحاب القوات الأمريكية؟
على ما يبدو ستكون هناك اشتباكات عنيفة بين طالبان والجيش الوطني الضعيف، وربما أيضًا استيلاء طالبان مجددًا على أفغانستان. يمكننا أن نفترض أن الولايات المتحدة سوف تنسى هذه الأرض الممزقة تمامًا كما نسيتها بعد الحرب بين أفغانستان والاتحاد السوفيتي، وإذا اندلعت حرب أهلية، فإن واشنطن سترسل بالطبع طائرات بالأدوية والطعام ولكن لن ترسل الجنود.
في بداية هذا الشهر، أعلنت الإدارة الأمريكية سحب أنظمة باتريوت المضادة للصواريخ من السعودية والكويت والأردن والعراق من أجل “الصيانة”.
وتعتقد الإدارة أن السعودية حسنت قدراتها العسكرية ويمكنها الدفاع عن نفسها. ستقتصر واشنطن على بيع الأسلحة وتقديم المشورة، لكن لن تقاتل إلى جانب السعوديين إذا اندلعت الحرب.
وبالتالي، فإن بايدن لم يفعل شيئًا مختلفًا كثيرًا عن ترامب، الذي أوضح للسعوديين أنه لن يخوض حروبهم، حتى ضد إيران. قال ترامب إذا أرادوا المساعدة، فعليهم دفع ثمنها.
سيناريوهات المبارزة
كما في الحالة السعودية، تعتقد الإدارة الأمريكية أن الجيش العراقي يمكنه مواجهة تحدياته العسكرية ولم تعد هناك حاجة للتدخل الأمريكي.
يقول المتحدثون باسم الولايات المتحدة إن واشنطن ستحتفظ بآلاف القوات في المنطقة وإنها لن تتخلى عن الشرق الأوسط، ولكن يتم تفسير كل إعادة انتشار للقوات على أنها خطوة دبلوماسية. يتم تصوير قرار بايدن بشأن خفض القوات في السعودية والعراق على أنه تحركات تهدف إلى تعزيز اتفاق نووي جديد مع إيران وإظهار طهران أن الولايات المتحدة لا تسعى إلى صراع عسكري معها.
حتى أن البعض يعتقد أن هذه مبادرات بناء ثقة بهدف توسيع الحوار مع الإيرانيين في المستقبل. أشارت مصادر عسكرية أمريكية لوسائل إعلام غربية إلى أن الوجود العسكري لبلدها في العراق والسعودية لم يمنع هجمات الميليشيات الشيعية على أهداف أمريكية في العراق أو هجمات إيران على السعودية، لذا ينبغي سحب القوات من تلك الدول.
هذا التفسير يجعلك تتساءل لماذا استمر الوجود العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط لفترة طويلة إذا لم تكن هناك فائدة دفاعية. السؤال الأهم هو: كيف ستفسر إيران وروسيا والصين إعادة انتشار القوات الأمريكية، وما هي النتائج التي ستتوصل إليها دول الخليج؟
الرأي السائد هو أنه بتوقيع الاتفاق النووي ورفع العقوبات، لن يكون لدى إيران حافز للتفاوض مع الولايات المتحدة والتعاون في حل النزاعات الإقليمية أو الحد من مشاركتها في دول المنطقة. يغطي هذا الافتراض أيضًا المبالغ الهائلة التي ستكون تحت تصرف إيران، والتي ستستخدمها لتوسيع نفوذها وتمويل الجماعات الإرهابية وتطوير صواريخها الباليستية، وتعزيز تهديدها التقليدي.
ولكن هناك فرصة لسيناريو مختلف كما اقترح بعض مستشاري بايدن: قد يجبرها دخول إيران إلى سوق النفط العالمية والتجارة الدولية بشكل عام على التفاوض مع السعوديين على الأقل بشأن تنسيق أسعار النفط. وستظل معتمدة على الصين، التي وقعت عقود شراء نفط طويلة الأمد مع إيران مقابل استثمارات ضخمة في البنية التحتية لمدة 25 عامًا.
بالإضافة إلى ذلك، لن تتمكن من إنهاء التعاملات مع الولايات المتحدة على الأقل في الأعمال المصرفية وتحويلات الأموال. وستسعى للخروج من الزاوية الضيقة التي يجب أن تحقق فيها نفوذاً عبر وكلاءها في لبنان وفي اليمن وفي العراق.
“تحركات” بايدن في المنطقة تعكس ظاهريًا تناقضًا بين إعلانه في قمة الناتو أن “أمريكا عادت” وتطبيقها على الأرض. لكن أمريكا تعود بأمتعة دبلوماسية جديدة يمكن أن تؤدي إلى هزة إقليمية، وليس بالوسائل العسكرية.
المصدر: صحيفة هآرتس الاسرائيلية
ترجمة: أوغاريت بوست