دمشق °C

⁦00963 939 114 037⁩

تحليل: الانتخابات التركية مفتاح تطبيع أردوغان مع الأسد

فاجأت براغماتية صناع القرار في أنقرة معظم مراقبي العلاقات التركية السورية. لم يكن التطبيع بين الرئيس التركي ورئيس النظام السوري شيئًا كان سيتبادر إلى الذهن قبل أشهر فقط. كانت التوقعات هي أن الاتصالات ستبقى على مستوى استخباراتي غير مباشر بوساطة موسكو أو طهران، أو في أحسن الأحوال اتصال أمني مباشر.

أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هذا الشهر أنه قد يجتمع مع الرئيس السوري بشار الأسد عندما يحين الوقت.

هناك عدة أسباب دفعت تركيا إلى تغيير لهجتها تجاه دمشق والتفكير بطريقة عملية، بعيدًا عن القيم التي التزمت بها لأكثر من عقد.

من المؤكد أن الانتخابات التركية المقبلة هي السبب الرئيسي لتغيير الموقف التركي، استنادًا إلى ضرورة رفع شعبية الرئيس التركي بعد العديد من التحديات الاقتصادية والسياسية الداخلية.

تحوّل المزاج التركي تجاه وجود ملايين اللاجئين السوريين في بلادهم من فتح الأبواب أمامهم إلى التشكيك والافتراض أنهم تسببوا في الأزمة الاقتصادية الداخلية مع تزايد مشاكل الكراهية والأمن.

يبدو أن رغبة الحزب الحاكم التركي في سحب ورقة أساسية في يد المعارضة التركية، والتي حملت حزب العدالة والتنمية المسؤولية عن تدفق اللاجئين.

الحسابات الجديدة بين أنقرة ودمشق ستفتح الباب أمام عودة اللاجئين – سواء طوعا أو بالضغط – إلى شمال سوريا، حيث يسيطر الجيش التركي على المنطقة.

لا شك أن تركيا ترغب في إقامة مستوطنات سكنية في شمال سوريا لتقليل عدد اللاجئين داخل أراضيها، وفي الوقت نفسه فرض تغيير ديموغرافي جديد يقلل من سيطرة الأكراد السوريين على الشمال.

ولن يتردد الحزب الحاكم التركي في استخدام هذه الخطوة، إذا تحققت في سياق الحملات الانتخابية، كنصر كبير على المعارضة التي عارضت وجود اللاجئين.

يتطلب إنشاء مناطق سكنية فيما يسمى بـ “المنطقة الآمنة” في الشمال توفير الحماية من أي تصعيد عسكري قد يعيد اللاجئين إلى تركيا. لذلك، ترى تركيا بالتنسيق مع روسيا أن الانفتاح على النظام السوري سيعني وقف الاشتباك العسكري بين أنقرة ودمشق.

صحيح أن رغبة أنقرة في وقف الحرب مع دمشق لا تعني في نظرها انتهاء الحرب. على العكس من ذلك، ستكون حربًا من نوع مختلف.

يريد الرئيس التركي تسجيل نقاط أخرى من خلال فتح معارك وعمليات عسكرية خاصة في الشمال الشرقي ضد النفوذ الكردي السوري هناك وإضعاف قدرته على فرض نظام دولة فيدرالية، الأمر الذي قد يهدد الأمن القومي التركي من خلال حث الأكراد في تركيا على اتخاذ نفس الخطوة.

كما ستجذب هذه الخطوة القوميين الأتراك للتصويت في انتخابات أردوغان، حيث يعارض القوميون الأتراك أي نفوذ كردي في المنطقة.

ستجذب الهدنة بين أردوغان والأسد الأتراك العلمانيين للتصويت لصالح أردوغان، حيث ترفض الأوساط العلمانية التركية الحرب في سوريا.

الانفتاح على النظام السوري سيمكن العلاقات الروسية التركية في الحالة السورية على حساب النفوذ الإيراني. موسكو قلقة من التمدد الإيراني وهي منشغلة بالحرب الأوكرانية وأنقرة تشاركها هذا القلق.

لذلك تضغط روسيا على النظام السوري من خلال عدم عرقلة الانفتاح التركي وتقليص الشروط وعدم الإصرار على انسحاب الجيش التركي من الشمال. كما تطالب بتجديد اتفاقية أضنة التي تم توقيعها في 20 تشرين الأول 1998، مع توسيع هامش الدخول التركي إلى عمق 30 كم وفي حالات استثنائية 60 كم من الحدود السورية.

أفكاري الأولية أن الاتجاه العام هو نزع التصعيد وتجميد الخلاف أكثر من التطبيع الكامل لعدة أسباب أهمها عدم رغبة تركيا في الانسحاب عسكريًا من سوريا وهو مطلب النظام. التطبيع الكامل مع النظام سيؤثر أيضًا على شعبية أردوغان بين المحافظين والموالين لحزب العدالة والتنمية والمقربين منهم.

 

كما قبلت تركيا اقتراح روسيا التقارب مع النظام السوري على مبدأ فصل الملفات السورية، ما يعني أن التقارب التركي مع النظام لا يعني إيجاد حل سياسي بين النظام السوري والمعارضة السورية. والسبب في ذلك هو عدم رغبة تركيا في إثارة غضب حلفائها الغربيين ودفعهم لعرقلة هذه الخطوة.

ومع ذلك، إذا تمكن الروس من إقناع النظام السوري بالالتزام بقرار الأمم المتحدة رقم 2254، فقد يتحول التقارب التركي السوري إلى مقدمة لحل سياسي شامل في سوريا. لكن هذا الخيار غير مرجح بسبب انشغال روسيا بأوكرانيا ورغبتها في إبقاء الملف السوري مجمداً حتى لا تمنح الدول الغربية فرصة لصياغة حل سياسي سوري لا يناسب موسكو.

بالتأكيد، قد يفشل التقارب التركي مع النظام ويبقى فقط على المستوى الاستخباراتي والأمني. احتمال فشل المحادثات مرتفع للغاية. لتركيا مطالب كثيرة، خاصة فيما يتعلق بمواجهة الكيان الكردي في سوريا، وهذا الأمر مرتبط بالولايات المتحدة أكثر منه بروسيا.

وهذا يعني أنه في حال عجز موسكو عن تقديم التطمينات وإعطاء أنقرة الضوء الأخضر لإجراء عملية عسكرية في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، فإن المحادثات بين أنقرة ودمشق ستبقى على المستوى الأمني ​​دون أفق سياسي حقيقي.

التقى هاكان فيدان، مدير المخابرات التركية، وعلي مملوك، مدير مكتب الأمن القومي السوري، أكثر من ست مرات خلال العامين الماضيين في موسكو وطهران ودمشق وأنقرة، وقد يظل أفق الانفتاح محصورًا على هذا المستوى إذا لم تحقق أنقرة ما تريده.

إذا حققت أنقرة ما تسعى إليه من هذا الانفتاح، فليس مستبعدًا أن يلتقي به أردوغان، الذي سعى سابقًا للإطاحة بالأسد.

المصدر: صحيفة العرب نيوز السعودية

ترجمة: أوغاريت بوست