سيكون من المثير للاهتمام أن نرى كيف سيناور بايدن بين المصالح المتناقضة لدول الشرق الأوسط وآسيا، وتطلعه إلى تشديد الخناق حول الصين – خاصة في ضوء الحافز الأمريكي الواضح بشكل متزايد لمغادرة الشرق الأوسط.
مصر، التي أصبحت في السنوات الأخيرة نقطة انطلاق للمستثمرين الأجانب – مثل روسيا، التي تبني محطة نووية على البحر الأبيض المتوسط، أو شركة سيمنز، التي فازت بعقود لبناء نظام سكك حديدية مكهربة بتكلفة 23 مليار دولار – هي أيضًا مركز سريع التطور للاستثمارات الصينية.
والعاصمة الإدارية الجديدة في مصر ليست المشروع الوحيد الذي تشارك فيه الصين. استثمرت بكين حوالي 7 مليارات دولار في مشاريع صناعية على طول قناة السويس الموسعة – وهو مشروع آخر واسع النطاق بدأه السيسي ولكنه لم يبدأ بعد – وفي البنية التحتية.
كما قامت الصين ببناء مصنع الألياف الزجاجية الذي منح مصر لقب “أكبر منتج للألياف الزجاجية في العالم”. شركة Hutchison الصينية، التي كانت تتنافس لإدارة ميناء حيفا لكنها فشلت بعد الضغط الأمريكي على إسرائيل، تدير ميناء الإسكندرية وتخطط لبناء محطة حاويات ضخمة في الجوار.
تشير التقديرات إلى أنه منذ عام 2016، ضخت الصين ما بين 16 مليار دولار و 20 مليار دولار في مصر في شكل استثمارات وقروض ومساعدات أخرى كجزء من مبادرة الحزام والطريق – التي تم إطلاقها في عام 2013 وتهدف إلى ربط الصين بآسيا، والشرق الأوسط وأوروبا.
في الوقت نفسه، تستثمر الصين المليارات في إثيوبيا وتساعدها في بناء سد النهضة الإثيوبي الكبير على نهر النيل – وهو مشروع أصبح موضع خلاف بين القاهرة وأديس أبابا، والذي تصفه مصر بأنه تهديد وجودي. ومع ذلك، فإن مصر، التي تحتاج إلى خلق حوالي مليون فرصة عمل جديدة سنويًا، لا يمكنها القدوم إلى الصين بعد أن طلبت منها، دون جدوى، الضغط على إثيوبيا للتوصل إلى اتفاق بشأن ملء بحيرة السد.
مصر ليست الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي تتمتع بسياسة التوسع الاقتصادي الصينية. المملكة العربية السعودية حليف اقتصادي قديم: في العام الماضي، صادفت 30 عامًا من العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. في عام 2019، وقعت الصين والمملكة العربية السعودية حوالي 30 اتفاقية تعاون اقتصادي بقيمة حوالي 28 مليار دولار.
الصين هي الشريك التجاري الأكثر أهمية للمملكة العربية السعودية – يبلغ حجم التجارة السنوية بينهما ما يقرب من 80 مليار دولار. وقعت الصين مؤخرًا اتفاقية لبناء مشروع للطاقة المتجددة كجزء من رؤية ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لتحقيق انبعاثات كربونية صفرية بحلول عام 2060، وقدم السعوديون للتو طلبًا للحصول على ترخيص تداول مباشر في بورصة شنغهاي.
العلاقات الاقتصادية الواسعة بين الصين والمملكة العربية السعودية لا تمنع الصين من الاستثمار أيضا في إيران، عدو الرياض. تضمن اتفاقية تعاون مدتها 25 عامًا مع طهران بقيمة 400 مليار دولار تم توقيعها العام الماضي للصين مكانًا مميزًا في إيران. في الواقع، تنظر طهران إلى الصين وروسيا كبديل ضروري للعلاقات مع الغرب حتى لو تم توقيع اتفاق نووي جديد.
كما أن الصين لا تتجاهل العراق وشمال إفريقيا ودول الخليج، وبالطبع إسرائيل.
في ظاهر الأمر، فإن توسع النفوذ الاقتصادي الصيني في المنطقة لا يفرض ثمناً سياسياً ـ دبلوماسياً. لا تشارك الصين في الأعمال العدائية الإقليمية مثل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، والحرب الأهلية في سوريا، والصراعات على السلطة في العراق. ومع ذلك، فإن الاعتماد المطلق للعديد من الدول على العلاقات مع الصين يخلق اعتمادًا دبلوماسيًا على بكين ويضع هذه البلدان في معضلة: من ناحية، تطالب الولايات المتحدة بتقليص العلاقات مع الصين، ومن ناحية أخرى تحتاج إلى الصين لتعزيز وضعها الاقتصادي.
هذا اللغز يصب في مصلحة الصين في مواجهة السياسة التي وضعها الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي وضع الصين في قلب سياسته الخارجية. وهكذا، على سبيل المثال، فإن اللجنة الرباعية لآسيا والشرق الأوسط التي يحاول بايدن تشكيلها ضد الصين – المكونة من إسرائيل والهند والإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة – تكشف بالفعل عن الصعوبة التي يواجهها. إسرائيل تستجيب بالفعل لمطالب واشنطن في مجال التعاون التكنولوجي والعسكري مع الصين، لكنها لا تنظر إلى الصين كدولة منافسة.
امتنعت إسرائيل عن التوقيع على إعلان مشترك من الدول الغربية في وقت سابق من هذا العام يدعو الصين إلى تطبيق القانون الدولي ويعرب عن القلق إزاء حالة حقوق الإنسان في البلاد، لا سيما قمع واضطهاد الأويغور في غرب الصين. مثل إسرائيل، لا ترى الإمارات العربية المتحدة أيضًا في الصين تهديدًا أو خصمًا.
لطالما أعادت أبو ظبي والرياض حساب مسارهما في مواجهة السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، وتحاولان إبقاء جميع الخيارات مفتوحة.
المصدر: صحيفة الهآرتس الاسرائيلية
ترجمة: أوغاريت بوست