سارت عملية تطبيع العلاقات التركية السورية برعاية روسية بسلاسة إلى أن أدى التدخل الإيراني الفوري إلى توقف العملية.
وأبدت تركيا استعدادها للتطبيع الكامل مع النظام السوري لأسباب داخلية تتعلق بالاقتصاد التركي بفتح المعابر الحدودية مع سوريا وتصدير البضائع التركية إلى الدول العربية.
استجابت روسيا للمبادرة التركية برعايتها والضغط على حكومة الأسد للموافقة دون قيد أو شرط على محادثات مباشرة مع الجانب التركي. انتقلت المبادرة من اجتماعات أمنية مع الجانب السوري إلى اجتماعات على مستوى وزيري دفاع البلدين. واستضافت روسيا الاجتماع ودفعت تطوره إلى المستوى السياسي من خلال المحادثات بين وزيري خارجية البلدين في موسكو. في تلك المرحلة، كثفت إيران أنشطتها / تفاعلاتها السياسية مع النظام السوري من أجل كبح الاندفاع التركي الروسي خوفًا من فقدان بعض نفوذها.
لطالما شاركت إيران في الاجتماعات الروسية التركية بشأن سوريا، لكن اجتماعات التطبيع استبعدت ذلك تمامًا. ونتيجة لذلك، بدأت طهران تشعر أن القضية السورية لم تعد تدار بشكل ثلاثي/ بوجود ثلاثي، كما كان الحال في اجتماعات سوتشي وأستانا.
وتخشى طهران أن تأتي عودة العلاقات التركية السورية على حساب نصيبها من النفوذ، بالإضافة إلى الفوائد التجارية وعقود إعادة الإعمار واستثمارات القطاع العام والأرباح من استخراج الموارد الطبيعية مثل النفط والغاز والمعادن والفوسفات.
ورغم ترحيب إيران علناً بانفتاح تركيا على دمشق، إلا أن موقفها يختلف عما أعلنته. أرسلت طهران وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان إلى دمشق لمطالبة النظام السوري برفع سقف المطالب مقابل تطبيع العلاقات مع تركيا.
بعد هذه الزيارات، أعلن الأسد وحكومته أنه لا يمكن أن يكون هناك تطبيع كامل للعلاقات مع تركيا دون انسحاب كامل من الأراضي السورية. هذا الموقف يتناقض مع الاتفاق بين تركيا وروسيا على أن التطبيع سيحدث دون مزيد من الشروط.
موقف إيران في سوريا مليء بالتناقضات. تريد إيران عودة النظام كحكومة شرعية لها علاقات مع جميع دول العالم، لكنها تخشى في الوقت الحالي من اختلال التوازن الحالي بين تركيا وروسيا ونفوذها في سوريا. خلال المحادثات الثنائية التركية السورية، ضغطت إيران على ميليشياتها للتحرك نحو شمال سوريا بالقرب من المناطق التي تسيطر عليها أنقرة كإشارة غير مباشرة إلى أنه لن يكون هناك تطبيع بدون موافقة طهران.
تفضل تركيا روسيا كوسيط رئيسي في المحادثات مع سوريا لأن موسكو أكثر مرونة من طهران في تسريع التطبيع بمرور الوقت. علاوة على ذلك، فإن روسيا مستعدة للضغط على حكومة النظام للرد بشكل منطقي، حيث تتعاون موسكو وأنقرة ليس فقط في سوريا ولكن أيضًا في أوكرانيا. ويتمتع البلدان بتنسيق سياسي وعسكري راسخ يضمن أن عملية التطبيع بين أنقرة ودمشق تسير وفق رغبات القيادة التركية.
كما تتفق موسكو مع تركيا في استبعاد إيران من عملية التطبيع، وهذا يشير إلى تنافس إيران مع روسيا وتركيا وتباعد المصالح.
تريد تركيا من طهران الامتناع عن الدخول في محادثات مباشرة وتفضل عدم مشاركة إيران في تفاصيل خطوات التطبيع مع سوريا. هناك قناعة لدى القيادة التركية بأن تدخل إيران في هذا الأمر سيكون معقداً وبطيئاً، الأمر الذي قد يثير قلق دول أخرى في المنطقة.
ومع ذلك، لا يمكن لتركيا استبعاد إيران بشكل كامل وفاضح. وقال المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم كالين، إن بلاده “ترحب بانضمام إيران إلى المحادثات التي تجريها مع سوريا، بوساطة روسية”. جاءت هذه التصريحات ظاهريا للترحيب بمشاركة إيران. لكن ما حاول كالين تحقيقه لم يكن أكثر من محاولة لاحتواء الغضب الإيراني. كانت تصريحاته مجرد رسالة دبلوماسية، وليست رغبة حقيقية لإيران للجلوس على طاولة واحدة خلال الاجتماعات.
بعد ذلك، أعلنت الخارجية الروسية عن اجتماع مرتقب على مستوى الوفود العسكرية لروسيا وتركيا والنظام السوري في وقت لاحق من الشهر الجاري. ولم تشر تصريحات الخارجية الروسية إلى مشاركة الوفد الإيراني في الاجتماع.
يبدو أن هناك اتفاقًا منسقًا بين تركيا وروسيا لاستبعاد طهران من المفاوضات خوفًا من الانحراف عن المحادثات والهدف المتفق عليه بين موسكو وأنقرة.
أدركت تركيا وروسيا أن جميع الأدوار التي لعبتها إيران في سوريا تتعارض مع التيار المشترك وتعرقل الحل السياسي الشامل للحرب في سوريا.
قد تستمر إيران في عرقلة المصالحة السورية التركية، لكنها لا تستطيع إيقافها. تدرك طهران أن مجال المناورة محدود فيما يتعلق بالتشكيك في قرارات الرئيس الروسي واتفاقاته مع نظيره التركي.
إن إقناع تركيا وروسيا بالحاجة إلى إبعاد إيران عن التطبيع هو خطوة لا تقل أهمية عن التطبيع بحد ذاته ويمثل نهاية التنسيق الثلاثي.
المصدر: صحيفة العرب نيوز
ترجمة: أوغاريت بوست