أوغاريت بوست (مركز الأخبار) – بعد توقف دام قرابة السنتين، عاد الحديث مرة أخرى عن “تطبيع العلاقات” بين سوريا وتركيا، وهذه المرة ليس بمساع روسية بل عراقية، حيث تجري بغداد تحركات لإتمام التطبيع والصلح بين الحكومتين السورية والتركية، وذلك بعد أن فشلت جميع محاولات موسكو في تقريب وجهات النظر بين الطرفين بسبب الخلافات الكبيرة بينهما والمطالب المتبادلة حتى الارتقاء بمستوى التطبيع.
توقف مساعي التطبيع.. وهذا ما تريده دمشق وأنقرة
وخلال السنتين الماضيتين، سعت روسيا بشكل حثيث لتقريب وجهات النظر والصلح بين دمشق وأنقرة، ودخلت إيران فيما بعد ضمن المسار لتسريع عملية التطبيع، إلا أن الخلافات بين دمشق وأنقرة كانت أكبر من أن تحل في ظل مطالب من الطرفين حالت دون إتمام الجهود.
وتطالب دمشق من أنقرة، الانسحاب العسكري لأفراد الجيش التركي من كامل الأراضي السورية التي تسيطر عليها في شمال غرب وشمال شرق البلاد، مع عدم تدخل أنقرة في الشؤون الداخلية السورية، إضافة إلى وقف دعم أنقرة “للتنظيمات الإرهابية المسلحة” كما تعتبرها دمشق.
بدورها تصر أنقرة على البقاء في سوريا لطالما أن الصراع القائم على السلطة مستمر، كونها تعتبر الأزمة السورية والحالة القائمة في شمال شرقي البلاد خطراً على أمنها القومي، إضافة إلى مطلب تركيا بأن يكون للمعارضة السورية دور ومستقبل في أي حكومة جديدة و تعديل للدستور الحالي مع دخول دمشق في حرب ضد الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية.
حديث عراقي عن تحركات للتطبيع بين دمشق وأنقرة
وبعد قرابة السنتين من وقف الحديث والمساعي الروسية والإيرانية للتطبيع بين دمشق وأنقرة، خرجت بغداد لتعلن عن تحركات لإتمام عملية التطبيع بين الحكومتين المتخاصمتين منذ قرابة الـ13 عاماً.
حيث كشف رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، عن تحركات لحكومته لإتمام التطبيع بين تركيا ودمشق، وذكر السوداني في تصريحات له أنه على اتصال مع الرئيسين السوري بشار الأسد والتركي رجب طيب أردوغان، بشأن جهود المصالحة.
وأشار رئيس الوزراء العراقي إلى أن بلاده تبذل جهوداً كبيرةً من أجل الحكومة السورية، خاصةً فيما يتعلق باستعادة مقعدها في الجامعة العربية، لافتاً إلى دور بلاده في اتفاق التطبيع بين إيران والسعودية.
وقال محمد شياع السوداني “نفكر بنفس الطريقة التي تفكر فيها تركيا فيما يتعلق بالحوار مع الحكومة السورية، هناك مصلحة مشتركة في تقريب وجهات النظر للتوصل إلى حل لقضايا الخلاف”.
تركيا مصرة على البقاء.. وحديث عن إمكانية شن عمليات عسكرية جديدة
تصريحات السوداني جاءت بالتزامن مع إصرار تركي على البقاء في سوريا وعدم الانسحاب منها، لطالما هناك خطر يأتي من الجانب الجنوبي لحدودها، أي الشمال الشرقي من سوريا، وأن دمشق غير قادرة على ضبط أمن الحدود ولذلك فإن أنقرة مجبرة على إبقاء قواتها في سوريا، وذلك قد يتغير في حال “ضمان أمن الحدود”.
وفي هذا الشأن قال وزير الدفاع التركي، يشار غولر، إن قوات بلاده جاهزة للتدخل في سوريا ومحاربة ما اسماها “التنظيمات الإرهابية”، في إشارة منه إلى قوات سوريا الديمقراطية.
وفي تصريحات له، مساء السبت، قال وزير الدفاع التركي أن بلاده قد تفكر في سحب قواتها من سوريا بمجرد ضمان ما وصفها “أمن الحدود التركية بشكل كامل”.
وقال إن المشاكل في المنطقة نشأت من فراغ السلطة الذي خلقته دمشق، وأشار إلى عدم قدرة دمشق على ضمان أمن الحدود، و”لو كان لها القدرة على ذلك لما وصلت الأوضاع إلى هذا الحد”، وفق تعبيره.
وخلال الفترة الماضية زادت تركيا من عملياتها العسكرية الجوية ومن خلال جولات متقطعة من القصف البري على مناطق شمال شرقي سوريا، واستهدفت البنى التحتية والمرافق والمنشآت الحيوية والقوات العسكرية والأمنية، وتسببت بخسائر اقتصادية وبشرية كبيرة.
تقرير أمريكي عن “كارثية” تطبيع العلاقات مع دمشق
وتأتي هذه التطورات في ظل تقرير أمريكي تحدث عن خطوات للتطبيع مع دمشق من قبل الحكومات العربية والمجاورة لسوريا، واصفة إياها “بالكارثية”.
وفي هذا السياق، تناول تقرير لمجلة “فورين بوليسي” الأميركية خطوة “التطبيع” العربي مع الرئيس السوري بشار الأسد ووصفها بأنها “كارثية”، وأشار التقرير إلى أن التطبيع العربي مع دمشق تسببت “بنتائج عكسية على الأوضاع في سوريا وخارجها والمنطقة بشكل عام”.
“العرب فشلوا في إجبار الأسد على تقديم تنازلات”
وفي التقرير الذي نشره الموقع الأمريكي، والذي كتبه الباحث في “معهد الشرق الأوسط” في واشنطن شارلز ليستر، قال فيه أن الجهود التي بذلت من قبل العرب لإخراج الأسد من عزلته جاءت بنتائج عكسية، ولفت إلى أن العرب فشلوا في إقناع الأسد بتقديم أي تنازلات، وهذا بدوره فاقم كل جوانب الأزمة السورية منذ مشاركة الأسد في القمة العربية التي جرت في السعودية العام الماضي.
ونوه الكاتب في تقريره إلى أن الأولويات الخمسة التي وضعها العرب للصلح والتطبيع مع الأسد، من بينها الحل السياسي ووقف تجارة المخدرات العابرة للحدود لم تأتي بثمارها.
“الأولويات العربية لم تدخل حيز العمل والتنفيذ”
وأضاف أن “لجنة الاتصال الوزارية العربية” المعنية بأمور التطبيع مع الأسد اجتمعت عدة مرات ولكن العمل على إنجار القضايا في إطار الأولويات الخمسة لم يجري العمل عليها، وأشار الكاتب إلى أن عملية “خطوة بخطوة” المتصورة للتنازلات المتبادلة لم تذهب إلى أبعد من موجة زيارات رفيعة المستوى مع الأسد في أوائل عام 2023 وعودته إلى جامعة الدول العربية.
“واشنطن لم تعارض التطبيع بين العرب ودمشق”
ولفت الكاتب الانتباه إلى تراجع الاهتمام الأمريكي بالملف السوري خلال السنوات الماضية، وأن إدارة الرئيس جو بايدن شجعت بهدوء وبشكل سري التطبيع وعودة العلاقات بين العرب والأسد كما منعت الكونغرس فعلياً من المضي قدماً في تشريع قانون “مكافحة التطبيع مع الأسد، ويقول الكاتب هنا أن “واشنطن ورغم معارضتها للتطبيع مع دمشق من الناحية النظرية إلا أنها لم تفعل أي شيء يذكر لوقفه”.
وفي ظل هذه التحركات وموجة التطبيع و إمكانية عودة العلاقات بين دمشق وأنقرة إلا أن الأزمة السورية لاتزال بعيدة عن الحلول السياسية حتى بعد مضي 13 عاماً عليها، بينما تفاقمت الظروف والعنف والفلتان الأمني في البلاد إلى جانب الأزمة الاقتصادية وعودة نشاط الإرهاب، مع استمرار تدهور الأوضاع في سوريا أكثر من أي وقت مضى.
إعداد: علي إبراهيم