أوغاريت بوست (مركز الأخبار) – تؤكد أوساط سياسية أن مراوغة الحكومة السورية في تنفيذ وتطبيق المطالب العربية، في إطار اللجنة الوزارية، التي تشكلت بهدف استمرار التطبيع مع دمشق، يمكن أن تعيدها إلى العزلة العربية، خصوصاً وأن دمشق تتجاهل أو تنفذ بشكل بطيء في أحسن الأحوال ما يرغب به العرب في الملف السوري من “حل سياسي” و “مكافحة المخدرات” و “تقليص الدور الإيراني”.
العرب تصالحوا مع دمشق بشروط.. ودمشق لا تنفذ هذه الشروط
وجاءت عودة العلاقات العربية السورية خلال الفترة الماضية بناءً على مطالب عربية يجب على دمشق أن تنفذها في إطار المبادرة الأردنية المسماة “خطوة مقابل خطوة” والتي تتضمن “فترة حكم انتقالي وانتخابات رئاسية وبرلمانية و صياغة دستور جديد” بما يتناسب مع القرار الأممي 2254.
التطبيع العربي دعم موقف دمشق في مواجهة الضغط الروسي للصلح مع أنقرة
بالتزامن مع ذلك، فإن دمشق وبعد عودتها للحضن العربي، بات موقفها أقوى من السابق في إطار عودة العلاقات مع تركيا، حيث يسعى الحليف الأكبر “روسيا” لتطبيع العلاقات والصلح بين الرئيسين بشار الأسد ورجب طيب أردوغان، حيث لاتسير هذه المساعي وفق ما يجب، بسبب تمسك الأطراف المتنازعة بشروطهما للصلح، وهو ما يؤثر بدوره على الأزمة السورية واستمرار الصراع على السلطة.
ويرى رئيس الكتلة الوطنية الديموقراطية المعارضة في سوريا، باسل كويفي، أن دمشق تنفذ المطالب العربية ولكن بشكل خجول، وهو ما يفقد “مكانات التحرك والمساومة”، مشيراً إلى أن عودة دمشق للجامعة العربية وحضورها لاجتماع القاهرة والقمة في الرياض هو بمثابة “حافز”، وشدد في الوقت نفسه على أحقية دمشق بالمطالبة “بالانسحاب العسكري التركي من سوريا” كون ذلك “واجب”، مؤكداً أنه على تركيا “احترام السيادة السورية” وشكك في الوقت نفسه بنوايا أنقرة في سوريا.
وفيما يلي النص الكامل للحوار الذي أجرته شبكة “أوغاريت بوست” الإخبارية مع المعارض السوري باسل كويفي :
– هناك حديث عن عدم جدية دمشق للالتزام بمطالب اللجنة الوزارية العربية بنقاط التطبيع معها، وهو ما سبب جمود عودة العلاقات، أنتم ما رأيكم ؟
هكذا موقف سياسي يفقد مكانات التحرك والمساومة بسبب اكتشاف أوراق، فكيف أن كانت أوراق محدودة ومكشوفة أصلاً.
لقد أتت مشاركة سوريا في اجتماع القاهرة الشهر الماضي والمجموعة العربية المؤلفة من السعودية ومصر ولبنان والعراق وسوريا، لتقطع الرهانات على حضورها وتحفيزاً إضافياً من الدول العربية واللجنة الوزارية العربية، لدور سوريا في الأمن والسلام الإقليمي والدولي وبما يتبعه من تنفيذ المبادرة العربية وفق سياسية خطوة مقابل خطوة وبما ينسجم مع القرار الأممي 2254، ورأينا زيارة عدد من المسؤولين العرب إلى العاصمة دمشق للدفع بالحل السياسي الذي يشكل بالنتيجة رافعة اقتصادية واجتماعية وثقافية للحفاظ على وحدة سوريا وبما يتماشى مع قرارات اجتماع عمان والقمة العربية الذي عقد منذ شهرين.
– العرب يريدون مكافحة المخدرات وتقليص الدور الإيراني في سوريا والتزام دمشق بالمقررات الدولية لحل الصراع، برأيكم هل دمشق مستعدة لفعل كل ذلك ؟
اعتقد أن الاستعدادات تجري على قدم وساق في الحد من انتشار تجارة المخدرات وعبورها، حيث سوريا منذ زمن بعيد تعتبر دولة عبور وليست دولة انتاج للمخدرات، ولكن سمعنا ولاحظنا في الفترة الأخيرة، اتهامات لدمشق في انتاج هذه المخدرات خصوصاً الكبتاغون وتسويقها وإعادة تصديرها، وما يكشف من هذا الموضوع هو بعض البيانات الجمركية في الأردن والمسيرات التي تخترق الأجواء الأردنية ولا نعلم مصدرها من أين.
وتقول الأردن أنها تحمل المخدرات، مع إيقاف العديد من الشاحنات السورية المتجهة نحو الأردن والخليج وتفتيشها بدقة، مما يثير الريبة في هذا الإطار.
واعتقد جازماً أن دمشق أصبحت على قناعة تامة بمكافحة المخدرات، وهناك بعض الأخبار المحلية بالقبض على العديد من الأشخاص الذين يعملون في هذا الإطار.
كما أن قانون الكبتاغون الذي أقره الكونغرس الأمريكي برأيي هو عبارة عن أداة تنفيذية في إطار منع تداول وتجارة ونقل هذه النوعية من المخدرات، فلذلك اعتقد أن دمشق بدأت جدياً بالعمل لأجل هذا الملف.
أما تقليص الدور الإيراني في سوريا، فهناك معاهدات بين سوريا وإيران وتصريحات رسمية إيرانية وسورية تقول بأن الدور الإيراني في سوريا يقتصر على الدور الاستشاري في المجال الأمني والعسكري، وما يقتصر على الاقتصاد والاستثمار، وما نراه على ارض الواقع ونسمعه من أخبار يعكس صورة أن هذا الكلام غير مطابق مع الواقع، وبالتالي فإن العرب والإقليم والعالم بشكل عام هدفهم من تقليص الدور الإيراني في سوريا هو وقف المشروع الإيراني المعروف بالوصول إلى البحر المتوسط، عدا ما يعمل عليه من هذا المشروع لأجل الذهاب نحو التغيير الديمغرافي في المنطقة.
– سوريا الآن تعيش أزمة اقتصادية خانقة، ولن تخرج منها إلا بدعم عربي إقليمي، ومع تعنت السلطة هل تتوقعون أي مساعدة للبلاد بهذا الخصوص ؟
سوريا بوضع سيء وليست بخير لطالما الأزمة مستمرة، ولطالما ليس هناك مساعي جدية للحل.. الحل برأيي يبدأ من الداخل والخارج معاً، لا يجب علينا أن نحصر أنفسنا في زاوية ومن ثم رهانات قد تكون خاسرة أو ناجحة.
طبعاً كل هذا الموضوع يصل خطوة بخطوة والتعافي المبكر التي قالت عنه المبادرة العربية واللجنة الوزارية العربية وتصريحات بيدرسون المبعوث الأممي إلى سوريا، والاتحاد الأوروبي، دائماً يقولون “التعافي المبكر” وهو بما معناه تقديم المساعدات أكثر من انسانية إلى الشعب السوري يتطلب حل سياسي، وقد يكون وجود الحل السياسي أو عدم تنفيذ ما يتطلبه القرار 2254، قد يكون عائقاً دون البدء بالتعافي المبكر لسوريا والخلاص من الأزمة الاقتصادية، واعتقد أن في حال البدء بالحل السياسي ووفقاً لسياسة خطوة مقابل خطوة التي وافق عليها تقريباً المجتمع الدولي ومن ثم المبادرة العربية قد تكون بداية لمساعدة البلاد.
– الأسد تمسك بشرط “الانسحاب التركي” للصلح مع أنقرة خلال زيارة عبداللهيان، هل تعتقد أن طهران وراء تكرار هذا الموقف ؟
– اعتقد أن الأمور نضجت، والحدود السورية التركية تزيد عن 900 كيلومتر، ومن مصلحة الطرفين في ضوء المصالح المشتركة للشعبين السوري والتركي، أن تكون علاقات حسن الجوار واحترام سيادة كل دولة وأراضيها، ولكن للأسف فأن تركيا تخطط لإعادة أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين إلى المنطقة الآمنة على حد تعبيرها، وتختلف رؤى اللاجئين السوريين لدى مختلف الأطراف بشكل كبير، فالطرف التركي يقول “العودة الطوعية”، في حين أن وسائل الإعلام ومع التواصل مع السوريين عند عودتهم تسميها “قسرية”، وتتضمن اعتقالات وترحيل وغاياتها إعادة توطين اللاجئين في الحزام الأمني، وهذا مشروع تركي، بعمق 30 كيلومتر وهذا الشيء يخترق السيادة والاتفاقيات والتوافقات الدولية وحقوق الإنسان والأمم المتحدة والقانون الدولي، وضمن شمال السوري والعراقي حتى مع تجاهل واضح لرفض حكومة دمشق لهذه العودة للاجئين دون التنسيق معها ووضع الفرضيات والترتيبات للعودة الآمنة.
هذا يعتبر احتلال تركي سواءً كان الحزام الأمني أو الأراضي التي هي تحت سيطرة الجيش التركي، فيجب أن نعود إلى مفهوم السيادة، وهي احترام كل دولة لسيادة الدولة الأخرى، مع عدم التدخل بشؤونها، وكي تتوفر السيادة يجب أن تكون الدولة مسيطرة على كامل جغرافيتها وأن يكون لها استقلاليتها في القرارات السياسية والأمنية والاقتصادية.
– ما رؤيتكم لمستقبل العلاقات السورية التركية، والسورية العربية، وهل يمكن أن تعود دمشق للعزلة الإقليمية والعربية ؟
أصبح لقاء الرئيس الأسد مع الرئيس التركي أردوغان، في أعداد البرامج للوصول إلى نتائج، وطبعاً سيكون موضوع الانسحاب التركي من سوريا أساسي، وهذا ما يطلبه الشعب السوري في نفس الوقت، ونحن ضد جميع الاحتلالات التي فاقمت الأزمة في سوريا، ومن أي مصدر.
لذلك تمسك دمشق بالشروط وعدم الصلح مع أنقرة واجب، في إطار رفع الاحتلالات جميعها من سوريا، وبالنسبة لعدم الجدية للالتزام بمطالب العرب، اعتقد بأن خارطة الطريق مع العرب بدأت ولو بشكل بسيط، والتنفيذ بدأ، ولو كان بشكل على حياء وخفيف.
فإننا لأول مرة في تاريخ سوريا الحديث نعيش بشكل جدي، بصراعات مع المنعطفات التاريخية المؤلمة شكلاً ومضموناً، والتي عبرها تصطف البشر وتهرب لطلب النجاة والحياة، وهذا مرده العلاقات الاجتماعية والاقتصادية السيئة في سوريا.
نأمل بأن تعود الأمور الاجتماعية بشكل أفضل مما هي عليه نتيجة انشقاقات عامودية وشاقولية، وهذا كله بحاجة إلى حل سياسي، وكل ذلك يتأثر بالتفاعلات والتحولات السياسية والجيوستراتيجية الكبرى في الإقليم والعالم والمتغيرات السريعة التي تطال منطقتنا في محاولة للمشاركة بأن نكون فاعلين فيها بدلاً من أن نكون في الرفض في وقت فرض الحلول، وأن نكون مشاركين فيها كدولة وكشعب، وأن يكون لدينا دولة ديمقراطية وعدالة وسيادة القانون والمواطنة الكاملة والمساواة بين الجميع.
حوار: ربى نجار