أوغاريت بوست (مركز الأخبار) – على وقع أصوات المعارك في الشمال السوري أُعلن رسمياً أمس، في جنيف، انطلاق أولى أعمال اللجنة الدستورية السورية بكلمة افتتاحية لمبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسن، تلاها كلمتي الرئيسين المشتركين للجنة، هادي البحرة عن المعارضة وأحمد الكزبري عن الحكومة السورية، وفيما أبدى بيدرسن تفاؤله بهذه الخطوة التي اعتبرتها “لحظة تاريخية”، شككت العديد من الأوساط السياسية وخبراء حقوقيون بأن تكون اللجنة حلاً للأزمة السورية، واعتبرتها قفزاً على جوهر الأزمة وهي التدخلات الخارجية وعدم وجود توافق سياسي بين الأطراف الفاعلة.
بيدرسن: الاجتماع الأول للجنة الدستورية “لحظة تاريخية” واتفاق سياسي أول بين الحكومة والمعارضة
اعتبر المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسن، في كلمته الافتتاحية، مع انطلاق أعمال اللجنة الدستورية السورية، أن الاجتماع الأول للجنة “لحظة تاريخية” وهو الاتفاق السياسي الأول بين الحكومة والمعارضة من أجل البدء في تطبيق أحد العناصر الأساسية من قرار مجلس الأمن 2245، وشدد بيدرسن أن أعمال اللجنة بقيادة وملكية سورية وبتيسير من الأمم المتحدة. وأكد بيدرسن أن المهمة الأساسية لأعضاء اللجنة الـ 150 يجب أن ترتكز على عدة مبادئ أساسية – احترام ميثاق الأمم المتحدة، وقرارات مجلس الأمن، وسيادة سوريا، ووحدتها، واستقلالها، وسلامة أراضيها، بالإضافة إلى طبيعة المسار كونه بقيادة وملكية سورية، والدعوة لوضع جدول زمني ومسار لصياغة دستور جديد. كما أثنى بيدرسن على تمثيل المرأة في اللجنة وقال “أشعر بالفخر لرؤية العديد من النساء بينكم – ما يقارب 30 %. وأوضح بيدرسن أن اللجنة الدستورية يمكن أن تراجع دستور 2012 أو أن تقوم بتعديل الدستور الحالي أو صياغة دستور جديد. مشيراً إلى أن دور الأمم المتحدة سيقتصر على المساعدة في تيسير المسار. وذكّر بيدرسن بالتصعيد العسكري وخطر الإرهاب الذي لايزال يخيم على سوريا، والمعاناة اليومية لملايين السوريين، كتحديات يجب على أعضاء اللجنة أخذها بعين الاعتبار.
المعارضة متفائلة والحكومة ترفض التدخل الخارجي في أعمال اللجنة
ورغم أن الكثير من المراقبين ينظرون إلى هذه اللجنة على أنها قفز على جوهر الأزمة المتمثل بغياب التوافق السياسي إلا أن كلمة رئيس كتلة المعارضة في اللجنة كان لافتاً، وتحدث عن فصل جديد من تاريخ سوريا، وضرورة البحث عما يجمع السوريين وليس ما يفرقهم. وقال هادي البحرة “يجب علينا أن نعضَّ على جروحنا، ونبدأَ بالاستماع لبعضنا البعض، لفهم مخاوفنا، وتحديد المشتركات فيما بيننا لتعزيزها، وتحديد نقاط الخلاف فيما بيننا، لإيجاد طرق لحلِّها، فلا يمكن للجريمة أن تبرر جريمةً أكبر، ولا يوقفُ الخطاب الطائفي خطاب طائفي معاكس”.
وفي المقابل قال رئيس كتلة الحكومة في اللجنة الدستورية أحمد الكزبري أن الدستور السوري الحالي دستور عصري ولكنه أشار إلى أنه من الممكن تغيره ووضع دستور آخر يحسن واقع الشعب السوري، حسب تعبيره، لكنه شدد أن الشعب السوري هو وحده الذي سيقبل بالتعديلات أو يرفضها، وهو الذي سيحدد مستقبله بعيداً عن أي شكل من أشكال التدخل الخارجي، كما شدد على أن أي نقاش يجري في جنيف يستند إلى مبادئ سيادة سوريا ووحدة أراضيها واستقلالها.
ومن المقرر أن تتواصل أعمال اللجنة واجتماعاتها الموسعة، بمشاركة كل الوفود، إلى يوم الجمعة على أن تبدأ اجتماعات اللجنة المصغرة من 45 عضواً، 15 عن الحكومة السورية، و15 عن المعارضة و15 عن المجتمع المدني، من يوم الاثنين لتستمر حتى الجمعة من الأسبوع المقبل.
خبراء حقوقيون: اللجنة الدستورية السورية غير متخصصة على الصعيد القانوني
وتتباين مواقف السوريين من اللجنة الدستورية، فبينما يجدها البعض أولى خطوات سحب الشرعية من الحكومة السورية الحالية، يرى آخرين أن الحكومة هي الرابحة في المعركة الدستورية لجهة التلميح بإجراء تعديلات على الدستور الحالي، دون تضمين انتقال سياسي كامل.
فيما يرى خبراء حقوقيون أن هذه اللجنة ليست قانونية، وأن الأمر كان مفهوماً أكثر لو أن هذه اللجنة سُمّيت هيئة تأسيسية لوضع توافقات سياسية، ليتولى خبراء حقوقيون تحويل تلك التوافقات إلى نصوص دستورية. واعتبروا أن تشكيل اللجنة بشكلها الحالي لا يقلب طاولة مسار جنيف فقط، وإنما يقلب المعايير كلها، فيوكل للجنة القيام بمهمة قائمة على فراغ هو غياب التفاهمات السياسية، فوق كونها لجنة غير متخصصة على الصعيد القانوني.
مراقبون: تركيبة اللجنة جاءت بناء على توافقات من الأطراف الخارجية
ويبدو واضحاً من تركيبة هذه اللجنة أنها جاءت بناء على توافقات من أطراف خارجية، وعلى وجه الخصوص الدول الضامنة لمسار آستانا (روسيا، تركيا وإيران) ما جعلت الكثير من الأطراف مغيبة عنها أبرزها الإدارة الذاتية؛ التي تدير نحو ثلث البلاد تضم ما يقارب 5 ملايين من السوريين، بـ “فيتو” تركي. فيما تحاول روسيا الإسراع في إنجاز أي توافق سياسي؛ وإن كان شكلياً، لترجمة الانجازات العسكرية، والبدء بموسم الحصاد بإعادة الإعمار بتمويل غربي التي تشترط المساهمة فيها بالحل السياسي.
وحول ذلك قالت الباحثة المتخصصة في الشأن السوري كريستين هيلبرغ لوسائل إعلامية: “إن اللجنة مكونة فعلاً من السوريين فقط لكن هناك تأثير أجنبي عليها. فتركيا مثلا منعت أن يجلس ممثلون عن حزب الاتحاد الديمقراطي في اللجنة.
أما روسيا وإن كانت تتحفظ في ممارسة التأثير المباشر، إلا أنها تراهن على أن اللجنة ستوهم بإيجاد حل سياسي في نزاع حُسم عسكريا. وهذا من شأنه أن يسمح للغرب بالحفاظ على ماء الوجه والتفاهم مع الحكومة السورية، لأنه بعدها فقط سيكون مستعدا لتمويل إعادة بناء البلاد”.
الأوربيون من جهتهم، بحسب هيلبرغ، فلهم اهتمام واحد إذ إنهم يريدون إعادة اللاجئين السوريين إلى وطنهم، ويعقدون بالتالي آمالهم على اللجنة. واعتبرت أن مهمة اللجنة هي العمل على الإعداد لانتخابات ديمقراطية. لكن هذه الانتخابات تستوجب حرية الصحافة وحرية التعبير. وبدون هذه الشروط ستكون الانتخابات فقط ذرا للرماد في العيون.
غياب بعض الأطراف الفاعلة كـ “الإدارة الذاتية” تعكس شكلية دور الأطراف السورية في تحديد مستقبل سوريا
ويرى مراقبون للشأن السوري أن إسراع ثلاثي آستانا (روسيا، تركيا وإيران) في الإعلان عن اللجنة الدستورية خلال قمة أنقرة في 16 سبتمبر الماضي؛ رغم استمرار المعارك وغياب التوافقات السياسية بين أطراف النزاع، وتغييب بعض الأطراف الفاعلة كـ الإدارة الذاتية، تعكس شكلية دور الأطراف السورية في تحديد مستقبل سوريا، حيث أن هذه اللجنة “غير المتخصصة” والتي تغيب عنها أطراف سورية فاعلة، توحي بانتهاء مرحلة الحرب الذي تحتاجها روسيا لتكريس مكاسبها والحصول على تمويل إعادة الإعمار، لشرعنة نظام جديدة قائم على مصالح الدول التي تدير دفة الأزمة السورية.
إعداد:سمير الحمصي