أوغاريت بوست (مركز الأخبار) – في وقت الحديث عن التقارب بينها وبين الحكومة السورية، صعدت القوات التركية عسكرياً بشكل كبير في مناطق شمال شرق البلاد خلال الفترة الأخيرة، في وقت يتم الحديث من قبل وسائل إعلام الحكومة عن أن تركيا “خفضت من تصعيدها العسكري في الشمال الشرقي من سوريا بهدف التقارب من دمشق ونزولاً عند رغبة روسيا”.
منذ نهاية “نبع السلام”.. التصعيد التركي لم يتوقف
التصعيد العسكري التركي لم يتوقف يوماً واحداً بعد نهاية العملية العسكرية المسماة “نبع السلام” في تشرين الأول/أكتوبر من عام 2019، وزاد هذا التصعيد بعد تصريحات الرئيس التركي عن عزم بلاده شن عمليات عسكرية جديدة بهدف إنشاء ما يسميها “منطقة آمنة” لإعادة نحو 4 ملايين لاجئ سوري يقيمون على الأراضي التركية إليها، وذلك لن يحدث إلا بعد تهجير مئات الآلاف من السكان الأصليين في تلك المناطق.
كما كثفت تركيا من قصفها المدفعي والصاروخي وعبر الطائرات المسيرة، ودخلت الطائرات الحربية لأول مرة منذ 2019، بعد اجتماعي طهران مع الرئيسين الروسي والإيراني، والآخر في سوتشي مع الرئيس فلاديمير بوتين.
وتتعمد تركيا منذ ذاك الحين استهداف القادة العسكريين في قوات سوريا الديمقراطية وقوى الأمن الداخلي والشخصيات السياسية التابعة للإدارة الذاتية، وسط الحديث عن سماح موسكو وطهران لأنقرة بالقيام بهذه العمليات في سبيل إيقافها لعمليتها العسكرية في شمال سوريا.
مقتل مسؤولين في الإدارة الذاتية.. وضحايا مدنيون جراء استمرار التصعيد
القوات التركية، يوم الثلاثاء، استهدفت سيارة كانت تحمل مسؤولين اثنين من الإدارة الذاتية، حيث أعلنت الإدارة عن مقتل “الرئيسين المشتركين لمكتب شؤون العدل والاصلاح، زينب محمد و يلماز شرو، جراء استهدافهم بواسطة مسيرة للاحتلال التركي في ريف ناحية كركي لكي (معبدة)”.
كذلك فقد مدنيان اثنان حياتهما واصيب 5 آخرون بينهم أطفال ونساء جراء قصف للقوات التركية على قرية مشيرفة بريف منطقة أبوراسين “زركان” شمال الحسكة، كما طال القصف قرية الأسدية بالريف ذاته.
وبشكل شبه يومي تقصف القوات التركية وفصائل المعارضة المسلحة المناطق المدنية والقرى الآهلة بالسكان على طول الشريط الحدودي بين سوريا وتركيا، حيث تتعرض أرياف تل تمر ورأس العين وتل أبيض وعين عيسى وعين العرب وقرى شمال حلب للقصف بشكل يومي، كما دخلت أرياف القامشلي وعامودا والدرباسية والقحطانية في دائرة الاستهداف لأول مرة منذ 2019، في الآونة الأخيرة.
إعلام الحكومة له رأي آخر !
ومع كل هذا التصعيد العسكري من قبل القوات التركية، إلا أن وسائل الإعلام الحكومية تتحدث عن أن تركيا “خفضت تصعيدها العسكري في شمال شرق سوريا بهدف إنجاح الحوار مع دمشق ونزولاً عند رغبة روسيا”.
حيث نقلت صحيفة الوطن شبه الرسمية عن مصادر من “الجيش الوطني” الموالي لتركيا، أن ضباطاً أتراك طلبوا من فصائل المعارضة التزام الأوامر التي صدرت من جهات عليا بضرورة خفض التصعيد عند خطوط التماس مع مواقع قوات سوريا الديمقراطية وقوات الحكومة السورية.
واعتبرت الصحيفة إن الشهر الأخير شهد تراجعا ملحوظا في حدة التصعيد العسكري من الجيش التركي على طول جبهات القتال، مقارنة بالفترة التي أعقبت التهديدات التركية بشن عملية عسكرية.
هل التصعيد العسكري في الشمال متفق عليه بين الأطراف المتدخلة ؟
ومن اللافت أيضاً أن التصعيد العسكري التركي الأخير جاء بعد أيام من تقارير إعلامية كشفت عن لقاءات جرت بين رئيسي الاستخبارات في الحكومتين السورية علي مملوك و التركية هاكان فيدان، للتباحث حول إعادة العلاقات، وما تلاها من استعداد روسي لتنظيم لقاء بين وزيري خارجية الحكومتين فيصل المقداد ومولود تشاويش أوغلو لإسراع عملية التطبيع.
وتشير أوساط سياسية ومتابعة للشأن السوري، أن التصعيد العسكري في الشمال سواءً في الشرق أو الغرب يأتي بالتنسيق بين روسيا وتركيا وحكومة دمشق، ففي حين تصعد القوات التركية على مناطق الإدارة الذاتية، هناك تصعيد آخر من قبل روسيا وقوات الحكومة على “خفض التصعيد”، آخرها الغارات الجوية الروسية التي طالت مناطق مدنية وعسكرية بريف إدلب.
الهدف الأوحد لأنقرة ودمشق من التطبيع محاربة قسد
ولفتت تلك الأوساط إلى أنه بالأساس فإن هدف تركيا من التقارب مع دمشق هو محاربة قوات سوريا الديمقراطية، والسيطرة على مناطق الإدارة الذاتية، أو إعادتها لسلطة الحكومة في دمشق، وبالتالي تأمين مناطق الـ 32 كيلومتراً.
كما أن سيطرة تركيا أو الحكومة السورية على هذه المناطق تحقق أهداف تركيا وحكومة دمشق معاً، فمن جهة تكون تركيا أبعدت قسد عن حدودها الجنوبية بذريعة “حماية أمنها القومي”، ومن جهة أخرى تكون الإدارة الذاتية قد أضعفت بشكل كبير وبات من الممكن أن تستغل دمشق ذلك للحصول على تنازلات كبيرة منها وعلى جميع الأصعدة.
وكان مسؤولون في الإدارة الذاتية قللوا من أهمية التقارب بين دمشق وأنقرة، كون التنسيق والتعاون بينهما لم ينقطع، خاصة بعد عام 2017، حيث بدأ مسار آستانا، مع الحلفاء (روسيا وإيران)، مشيرين إلى أن التنسيق والتعاون بين أنقرة ودمشق في السابق كان سراً أو كما وصفوه “تعاون استخباراتي”، أما الآن فقد أصبح هذا التعاون والعلاقات مكشوفة أمام المجتمع الدولي والعالم.
إعداد: ربى نجار