أوغاريت بوست (مركز الأخبار) – لاتزال الاحتجاجات الشعبية السلمية متواصلة في محافظة السويداء، والتي تطالب بالتغيير السياسي الحقيقي في سوريا، وذلك في يومها الثامن عشر، مع استمرار رفع مطالب “إسقاط النظام” وتطبيق القرارات الأممية ذات الصلة وعلى رأسها 2254، وسط ما يتم الحديث عنه أنه “هيئة سياسية مدنية” سيتم الإعلان عنها في المحافظة.
وبحسب المصادر فإن أعيان المحافظة وقادة الاحتجاجات سيبدؤون أعمال تشكيل “هيئة سياسية مدنية” قد تكون مشابهة “بالإدارة الذاتية” وهي هيئة مدنية ستنبثق عن مؤتمر سياسي سيعقد في السويداء، وسوف تقدم إلى المجتمع الدولي رؤيتها السياسية لمستقبل سوريا ومشاركتها في العمل السياسي على إعادة بناء الدولة.
بينما خلال الاحتجاجات التي خرجت في اليوم الـ18، كانت هناك لافتات رفضت إقامة “إدارة ذاتية” و ما تم وصفها “بسلطة الأمر الواقع”، فيما تؤكد أوساط سياسية محلية أن مطلب “إسقاط النظام” هو مطلب شعبوي يعبر عن حالة الاحتقان التي وصل إليها المجتمع بسبب سياسات وقرارات حكومية فاشلة أدت فيما بعد لانفجار الاحتجاجات.
وترى هذه الأوساط السياسية أن الاحتجاجات الشعبية في السويداء لا يمكن اعتبارها “نقطة تحول” في الأزمة السورية، إنما هي تعبير عن غضب شعبي يطالب بالتغيير، مشيرين إلى أن الأمور تتجه نحو التفاوض والحل.
وأجرت شبكة “أوغاريت بوست” الإخبارية، حواراً مع الصحفي السوري رواد بلان، حول مجريات الأوضاع في السويداء والاحتجاجات الشعبية المستمرة، وهل يمكنها أن تؤدي إلى تغيير في سوريا وتحسن من الواقع المعيشي والخدمي في البلاد، إضافة إلى الشعارات التي يتم رفعها من “إسقاط النظام” إلى “اللامركزية”.
وفيما يلي النص الكامل للحوار الذي أجرته شبكة “أوغاريت بوست” الإخبارية مع الصحفي رواد بلان :
– شهدت محافظة السويداء خلال السنوات الماضية العديد من الاحتجاجات ضد الحكومة السورية، هل الحراك الشعبي الحالي يختلف عما سبق؟
مسألة الحراك الشعبي في السويداء هي مسألة تراكمية، وبالتالي المسألة هي ذات المشكلة ولكن طريقة التعبير تختلف مع البيئة العامة والمجتمعية بالمنطقة، اليوم نستطيع القول أن نسبة الاحتقان بالمجتمع ارتفعت، الحلول الفردية التي كان يعتمد عليها المجتمع ليستطيع الاستمرار بالحياة تقل، وبالتالي الأشخاص الذين يندفعون للتعبير عن احتجاجهم يزدادون، وبالرغم من ذلك تبقى النسبة العامة التي ممكن أن تشارك في الاحتجاجات هي نسبة قليلة بالنسبة للتعداد العام، لكنها معبرة عن احتياج المجتمع بشكل عام، ونلتمس بأن المجتمع البسيط والعام هو متعاطف مع الاحتجاجات، وفي الوقت ذاته هو خائف من تبعاتها ومن مستقبلها، ولذلك لا يمكننا أن نقول أن الحراك الحالي مختلف عن سابقيه لكنه بمسار الاحتجاج الذي شهدته السويداء وسوريا بشكل عام منذ سنوات.
– بعد دخولها الأسبوع الثاني، هل الاحتجاجات الشعبية في السويداء بإمكانها الاستمرار لفترة زمنية طويلة ؟
دائماً الاحتجاجات الشعبية التي هي لا تنتج عن عمل سياسي أو مدني منظم، هي حالة انفجار مجتمعي للتعبير عن احتياجات المجتمع وعن رفضعهم لبعض القرارات للسياسات العامة والاقتصادية، وبالتالي الفاعلين فيها مجتمع محق وغاضب وأفراد غاضبين، وهؤلاء الأفراد الغاضبون يحاولون التعبير عن رؤيتهم ومشاعرهم، ولذلك المسألة هي مسألة تشبه انفجار بركان بصعودها و خمودها، ولذلك الاستمرارية لا يمكن تحديدها بفترة قادمة.
– هل شعار “إسقاط النظام” الذي رفعه المحتجون أمر يمكن تحقيقه أم أنه مجرد هتاف والمطالب الحقيقية تقتصر على الخدمات وتحسين الأوضاع المعيشية، وماذا بشأن مطلب “اللامركزية” ؟
أن كنا نتحدث عن امكانية إسقاط النظام اليوم، اعتقد أن هذا الكلام لا يحمل مقوماته إن كان داخلياً أم إقليميأً أو دولياً خاصة أنه هناك قرارات دولية مثل 2254، هو قرار ينص على حكومة وحدة وطنية تشكل مناصفة ما بين النظام والمعارضة، وبالتالي المجتمع الدولي تجاوز فكرة إسقاط النظام، وحتى أمريكا طرحت تعديل سلوك النظام وليس إسقاطه، وهذا يعطي مجال للتفاوض والمحاصصة وإصلاح.
وبذلك فإن إسقاط النظام هو هتاف اعتقد أنه شعبوي يعبر عن سخط السوريين وعن السياسيات، ولكنه ليس برنامج سياسي يمكن العمل عليه أو تحقيقه في هتاف في الشارع.
فكرة إسقاط النظام تحتاج لحوامل اقتصادية وسياسية وعسكرية ووعي مجتمعي عام في المرحلة القادمة، واعتقد أن الفكرة اليوم ليست إسقاط النظام، الفكرة اليوم هي توسيع مساحات الحرية والعمل السياسي والمدني وتحسين الوضع الاقتصادي وخاصة المعيشي، وهذا يستدعي سياسات اقتصادية جديدة وهذا لا يمكن أن ينجز إلا بمشاركة فاعلة ما بين المجتمع والحكومة، على أن تكون هذه الحكومة ليست محتكرة من حزب البعث والأحزاب الموالية له، أن تكون حكومة تكنوقراط تمثل الجميع وتعمل على برامج لبناء الدول من جديد والنهوض بواقع جديد توافقي يركز على بناء السلام وتماسك مجتمعي وبناء هوية وطنية جديدة تتجاوز الهويات القديمة.
مطلب اللامركزية.. الفكرة الأساسية والكلام عن اللامركزية يتم من أجل الخلاص من مركزية القرار البيروقراطية، وبالتالي الأهم في فكرة اللامركزية هي الحد من هيمنة حزب البعث على التمثيل السياسي إن كان على مستوى الوحدات الإدارية أو مجلس الشعب.
ما يطرح باللامركزية – والناس لديها تخوف كبير من طرح اللامركزية- لا تفهم على أنها حكم ذاتي أو إدارة ذاتية أو فيدرالية، فالمجتمع في السويداء لا يرى في هذه الحلول خلاص أولاً، ويعتقد الغالبية أن هذا الشكل الجديد للحكم دون وجود وعي حقيقي مجتمعي ودون وجود دولة قوية مركزية قد يأخذنا إلى التشظي وإن كان ليس تقسيم حقيقي ولكن تشظي داخلي، وتصبح المسألة بهذه الإدارات مسألة حكم واقع أو سلطات أمر واقع، تحاصص على أساس طائفي أو قومي أو عشائري، وبالتالي يتم ضرب تماسك الدولة السورية.
لحد الآن مطالب اللامركزية هي تتعلق بمسائل تعيينات مدراء المؤسسات وتمثيل إدارات محلية تخطيط تنمية، وأن يكون هناك شراكة حقيقة، فالمجتمع يشاهد اللامركزية بوابة للمشاركة الفاعلة مع المؤسسات والإدارات المحلية وتحقيق تمثيل حقيقي، لكن ليس بأي شكل من أشكال أن يكون هناك فكرة محاصصة وأن تكون اللامركزية على قياس طائفي أو قوموي أو عشيرة، وذلك خوفاً من الخروج من السياق الوطني السوري ولحد اليوم أهالي السويداء لديهم إرث تاريخي متجذر بثقافتهم وتكوينهم وهم شركاء في صناعة الدولة السورية وهم بوابة تحرير سوريا وتشكل الدولة السورية في بدايات القرن الماضي، ولذلك اللامركزية إلى اليوم هي مسألة إدارية اقتصادية أكثر، مع التركيز على بقاء السلطة السياسية – التمثيل الخارجي أو الجيش أو المالية – (الأمور السيادية) بيد المركز من أجل الحفاظ على وحدة سوريا و تكاملها ضمن التنوع البشري المكونات المجتمعية المختلفة التي بداخلها لعله يتم انتاج هوية سورية جامعة تحافظ على الهويات البسيطة وتنمي الهوية الوطنية.
– هل ترى أن الحراك الشعبي في السويداء قد يكون نقطة تحول هامة في الأزمة السورية؟
لا اعتقد أن المسألة بالمسار السوري، ممكن أن تعرف أنها نقطة تحول هامة بالأزمة السورية، اعتقد أنه ضمن سياق الأزمة السورية هذه الانفجارات المجتمعية بالأطراف والأرياف والمدن، والمناطق غير محكمة السيطرة عليها هي قابلة للانفجار والتولد بأي لحظة، لا يمكن الحديث عن نقطة تحول إلا إذا كانت تلعب دور اساسي ومركزي في عملية الحل السياسي، أو بعملية تشكل شكل جديد لسوريا، ولا اعتقد أن الحراك في السويداء قد يتجه إلى إعادة ترتيب شكل جديد لسوريا، إضافة إلى أنه لطالما في هذا الإطار قد يغير نهج المجتمع الدولي الذي يلعب دور مهم في تعطيل الأزمة السورية إلى جانب أطراف النزاع السوري، الذين استمرؤوا السلطة والسيطرة على مناطق محددة، وبالتالي أصبحت مسألة الحل السوري مسألة ثانوية بالنسبة لهم، لذلك اعتقد أن هي خطوة تراكمية إلى الأمام وقد تشكل حالة وعي سياسي، وحالة احتياج لعمل سياسي، هذا الاحتياج لو تمخض عنه ولادة حركة سياسية أو تيار سياسي أو عمل سياسي حقيقي، قد يؤسس لمرحلة قادمة من مساهمة ما في عملية تغيير أو حل الأزمة السورية.
– هل سيكون لحكومة دمشق موقفاً مختلفا وأكثر حزما في محافظة السويداء عن الآن خاصة مع طول مدة التظاهرات الشعبية ضدها ؟
منذ عام 2015، هناك سياسية انتهجتها الحكومة السورية بعدم افتعال وعدم الذهاب إلى الاصطدام المسلح طالما أن المسألة قابلة للحل وقابلة للتفاوض، واعتقد أنها تدرك أن انتاج حالات عنيفة واصطدامية جديدة في هذه المناطق هو أمر غير مجدي للجميع ولن يكون هناك رابح ولا خاسر، والخاسر هو جميع الأطراف، لا اعتقد أن كلا الطرفين لديه أي نية أو توجه، وإن كان هناك أصوات بالطرفين تنادي بالعمل العسكري والحل العسكري، ومازلات تستمرأ حالات العسكرية والعنف وهي المستفيدة من الفوضى والخراب، ولكن نعول على العقلاء من الطرفين أن لا يكون الاتجاه هو العنف، لأن العنف يجهض العمل السياسي وفرص الحلول والتفاوض وبالتالي سيكرر تجربة عام 2011، والتي لم تنتج إلى اليوم أي حل وأي انتصار لأي طرف، والشيء الوحيد الذي يجلبه العنف والمواجهات العسكرية هو التدخلات الخارجية، وهذا إلى اليوم ليس هناك توجه عند أي طرف باعتقادي.
لا اعتقد أن المسألة ذاهبة إلى العنف، بل هي ذاهبة إلى التفاوض وتحقيق مطالب وتوسيع الحياة السياسية والحد من هيمنة حزب البعث على المؤسسات حل ملف أمني كبير لأبناء السويداء من مراجهات وموافقات أمنية وتوسيع عمليات التسريح وإلغاء طلبات الاحتياط قد تكون على الطاولة، كل هذه القضايا قد تكون قضايا للتفاوض، ولكن مسألة التغيير في نهج السياسي المتبع في سوريا هي مسألة قد بدأت في عام 2011 وهي مستمرة، ولكن لا يمكن لنا اليوم توقع إلى أين ستصل ومتى قد تثمر وأن أثمرت هل هي الثمار التي نريد ولكن التغيير وقع في سوريا ولا اعتقد أن هناك عودة إلى الوراء، إلى ما قبل 2011.
حوار: ربى نجار