في ظل عالم متشعب الأركان، وشديد التعقيد في صيرورات حركته السياسية، والتي باتت ترتبط بكل مفاصل حياة المجتمعات، من أمن واقتصاد وغير ذلك، فإن هناك أهمية متزايدة ظهرت لعدد من فروع العلوم الإنسانية والاجتماعية، والتي تمثل مفاتيح مهمة للتعامل مع هذا التعقيد والتشعب.
ماذا بعد إعلان الرئيس ترامب أن حظوظ الاتفاق مع إيران أصبحت صعبة وأن الأزمة الإيرانية باتت مفتوحة على كل الاحتمالات؟ وخصوصا بعد استلام بوريس جونسون رىٌيسا لوزراء إنكلترا بما يشكل ثناىٌية فريدة (ترامب – جونسون).
وهل تشكيل قوة دولية لحماية الملاحة البحرية ينزع فتيل التوتر في المنطقة أم يزيد احتمالات المواجهة العسكرية مع إيران؟
وكانت فرنسا وإيطاليا وهولندا أبدت دعمها لمهمة بحرية بقيادة أوروبية لضمان أمن الملاحة عبر مضيق هرمز، وذلك بعدما اقترحت بريطانيا الفكرة عقب احتجاز إيران لناقلة نفط.
وأبدت إسبانيا والسويد وبولندا وألمانيا كذلك، اهتماما بالقيام بدور في ذلك .
أن التعقيد والتشابك الحالي في المصالح الدولية، وكذلك التقدم العلمي والتقني الكبير في العالم، أدى إلى ظهور مشكلات من نوع جديد أدت إلى ضرورة أن يقوم صناع القرار والمسؤولون السياسيون بالإجابة عن عدد من الأسئلة ذات الأهمية القصوى في عالمنا المعاصر، ومن بينها: ما الدولة؟ وما الحكومة؟ وما قدراتها؟ وما الواقع الأمني والاقتصادي والسياسي القائم في هذه الدولة؟ وكذلك ماهية المشكلات المستجدة، والبدائل المختلفة للتعامل معها.
ولعل الملف السوري ياتي في آخر اهتمامات المجتمع الدولي حاليا بسبب الاشتباك الاقتصادي والجيوساسي على الأرض السورية.
وعندما ستبدأ اللجنة الدستورية اجتماعها الشهر المقبل في جنيف سيكون قطار الحل السياسي في سورية قد وُضع على السكة وفق قرار مجلس الامن ٢٢٥٤ ومقررات سوتشي … إذا توفرت النيّات الصادقة ، وسينطلق قطار الحل اذا تحقق وقف إطلاق النار في اجتماع استانا المقبل والعودة الخجولة للعلاقات العربية – السعودية مع سورية …
ومن طرف اخر اتهمت منظمة هيومن رايتس ووتش، السلطات التركية بإجبار السوريين على توقيع إقرارات برغبتهم في العودة إلى سوريا بشكل طوعي ثم إعادتهم بعد ذلك قسراً إلى هناك.
وقال احد المسؤولين في المنظمة إن تركيا “تزعم أنها تساعد السوريين على العودة الطوعية إلى بلادهم، لكنها تهددهم بالحبس حتى يوافقوا على العودة”.
وأشار التقرير إلى أنه تم ترحيل عدد منهم إلى إدلب وشمال محافظة حلب .
وباعتقادي ان طرح هذا الملف في هذا الوقت ياتي بالتوازي مع ملف المنطقة الامنة في شمال سورية التي جرت مباحثات تركية -أمريكية حوله الأسبوع الماضي في تركيا ، وقد ادانت وزارة الخارجية والمغتربين في سورية ذلك ،
ونقلت وكالة سانا الرسمية، يوم الجمعة، عن مصدر رسمي في وزارة الخارجية والمغتربين رفض سورية “القاطع لأي شكل من أشكال التفاهمات الأمريكية التركية والتي تشكل اعتداء صارخا على سيادة ووحدة سورية أرضا وشعبا وانتهاكا فاضحا لمبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة”.
وأعربت أيضاً عن رفضها “المشروع الأمريكي في سوريا” كما دعت أطراف لم تسمهم “التي تماهت مع هذا المشروع للعودة إلى الحاضنة الوطنية وألا تكون أداة خاسرة في هذا الاستهداف الدنيء لوحدة الوطن السوري والتخلي عن أوهام يرفضها جميع السوريين بشكل مطلق”. وفي ذلك إشارة إلى قوات سوريا الديمقراطية التي تسيطر على مناطق في شمال وشرق سوريا بدعم من التحالف الدولي .
وعلى صعيد اخر تجري الاستعدادات للتحضير للمؤتمر المسيحي العربي بمشاركة شخصيات من لبنان، سورية، العراق، الاردن، فلسطين ومصر، مناهض لتحالف الأقليات، الذي سيُعقد قريباً في باريس ، وتنص وثيقة اهداف المؤتمر وفق التسريبات على الآتي:
” ينتاب المسيحيين في البلدان العربية، قلقٌ وجوديٌّ ، جرّاءَ ما تشهدُه المنطقة العربية من عنفٍ إرهابي منفلت، انخرطت فيه قوى محلية ، وساهمت في تأجيجه وتوجيهه قوى إقليمية ودولية ذات أجندات متباينة ومتزاحمة، في معادلة صراع الإرادات . وفي هذا السياق لم تسلم أقلياتٌ دينية وعرقية وإثنية غير مسيحية، مثل الأيزيديين والصابئة والأكراد وغيرهم.
إن القلق المسيحي المشار إليه، لا ينبغي له أن يُزيغَ نظرة المسيحيين إلى معنى وجودهم في المنطقة العربية وفي أوطانهم. فهم جزءٌ أصيل من الاجتماع الإنساني في المنطقة، ومن الاجتماع الوطني في كل بلدٍ من بلدانهم، وهم بالتالي مسؤولون عن مستقبل الاجتماعين، بالشراكة مع سائر المكوّنات ”
هذه لا تتمّ بمعزلٍ عن شركائنا المسلمين، الحاضرين معنا بقوةٍ وفاعلية، على قاعدة أننا “مسؤولون عن بعضنا بعضاً أمام الله والتاريخ”، كما جاء في الرسالة الأولى لبطاركة الشرق الكاثوليك، وكما أكّدت “وثيقة الأخوّة الانسانية” الصادرة عن لقاء قداسة البابا فرنسيس وسماحة شيخ الأزهر في أبو ظبي، ثم تابعتها على التوكيد ذاته وثيقتا الرباط ومكّة المكرمة.
وإن الغاية من الموٌتمر أيضا، هي توثيق الحوار والتعاون بين النُّخب وقيادات الرأي العام، المهتمّة ومع كل المرجعيات الوطنية والإقليمية والدولية المعنيّة للمساهمة في تعزيز شبكات الأمان لمجتمعاتنا، بمنأى عن أي اهتمام بخلق منابر سياسية.
على الصعيد الداخلي …
تتميز ادارة الازمات والكوارث بتحقيقها للأمن والسلامة وحكمة التصرف في وقت الطوارىء وسعيها الي تحقيق الاستقرار الكلي الداخلي بالحد الأدنى من الخسائر، لذلك يجب نشر ثقافة ادارة الازمات والكوارث، والتخطيط لاتخاذ أقصى درجات الوقاية والامان والقدرة على التنبؤ بالأزمات، وتحديد التدابير اللازمة والاليات لتجاوزها وللوقاية منها،
المنهج الإيجابي في التعامل مع الأزمة، الاهتمام بالجوانب السياسية والاجتماعية في الدولة ومعالجتها، وتشجيع المشاركة السياسية والمجتمعية، وتفتيت الجوانب السلبية للأزمة، وتشكيل فرق عمل مخلصة تعمل على إيجاد حلول ناجحة للأزمات التي تواجه الدولة، وتغليب مصالح المواطنين، والاهتمام بالجوانب الاقتصادية والثقافية للمجتمع وتطويرها، بحيث يكون المجتمع عاملاً مساعدًا على معالجة الأزمات.
وينعكس نجاح عملية إدارة الأزمة داخل الدولة في العديد من المظاهر، اهمها المواطنة وتحسين فرص تطبيق القانون ونزاهة القضاء، ووقف هدر الجهود المبذولة في اتجاه خاطئ، وتوفير الموارد البشرية والمادية والتنمية المستدامة العادلة والمتوازنة بما يحقق القضاء على ظاهرتي الفقر والجهل …
الحكومة والمعارضة الوطنية عليها ان تقدم الحل السياسي الاخلاقي المعبر عن تطلعات الناس والتي تستحوذ الثقة من نوعية اداءها وان تكون مركز جذب واستقطاب، عبر تحقيق التطلعات والآمال في قضايا الاولويات والتحديات التي تواجه السلام والاستقرار في سورية،هي خطوات قابلة للتنفيذ في المستقبل بالحوار الجدي والمرونة المطلوبة من جميع السوريين ، ووضع خارطة مستقبلية متوافق عليها …
بالديمقراطية التشاركية، بالمجالس البرلمانية والمحلية والمحليات، باللامركزية الإدارية والتنمية المستدامة المتوازنة والعادلة والمصالحة الوطنية وتعزيز الوحدة الوطنية عبر اليات شفافة وواقعية تستفيد من الماضي لتحصين المستقبل السوري الواعد …
بمعالجة قضايا الإسكان والأراضي والتعليم والصحة وثقافة المسامحة والمساواة والتشاركية وعودة اللاجئين الى بلداتهم وقراهم، بالعفو العام، ضمن قانون عادل ومواطنة حقيقية يتساوى فيها جميع السوريين في حقوقهم وواجباتهم، ويحرص فيها جميع المواطنين على انتماءهم وهويتهم السورية وبالحفاظ على ثقافاتهم المتنوعة التي تألقت بها حضارتهم …
باشراك المجتمع المدني في الرقابة وتفعيل دور المؤسسات الحكومية، وفصل السلطات وتفعيل الاعلام واحترام الراُي والراُي الاخر، ليشكل قيمة مضافة الى العمل الوطني لخير سورية.
الى مستقبل واعد للاجيال القادمة …
باسل كويفي – سياسي سوري
الآراء الواردة في المقال تعبر عن رأي الكاتب