الأزمة السورية ستكون في صدارة القضايا التي سيتم تداولها أثناء هذه الملك الأردني الى واشنطن، كونها تمثل مصدر قلق رئيسي للأردن الذى تتحمل الأعباء الإنسانية والأمنية الناتجة عن تلك الأزمة.
تعكس زيارة الملك الأردني عبد الله بن الحسين القادمة لواشنطن أهمية كبرى حيث سيكون الملك الأردني أول زعيم عربي يلتقي مع الرئيس بادين، وهذا بالطبع يعطي أهمية إضافية للمملكة وثقلها الجغرافي الواقع بين أكثر المشاكل تعقيدًا في الشرق الأوسط من العراق إلى سوريا إلى فلسطين إلى إسرائيل. و تاريخيا يعكس موقف الأردن السياسي من قضايا المنطقة المشتعلة مزيجا من تفهم الأردن للموقف الأمريكي ولمصالحه الأمنية والاقتصادية والسياسية التي جعلته حليفا قويا للولايات المتحدة الامريكية .
ومع ذلك، يجب أن تكون الأزمة السورية في صدارة القضايا التي سيتم تداولها أثناء اللقاء والتي تمثل مصدر قلق رئيسي للمملكة التي تتحمل الأعباء الإنسانية والأمنية الناجمة عن تلك الأزمة.
فمنذ بداية الأزمة السورية عام ٢٠١١ ، استقبل الأردن أكثر من مليون لاجئ سوري يمثلون تقريبا ١٣٪ من سكان الأردن، وفى هذا الصدد، أظهر استطلاع للرأي أجرته المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن أكثر من ٨٣٪ من اللاجئين وصفوا تعامل الأردن حكومة وشعبا بالإيجابي، وبنفس الاستطلاع قال 65.3٪ من الأردنيين أن على الحكومة التركيز على مساعدة الأردنيين كما تساعد اللاجئين.
بالطبع، تعكس نتائج الاستطلاع هذا الواقع الاقتصادي المقلق في الأردن، والذي تفاقم نتيجة تفشى جائحة فيروس كورونا،
ومن الجدير بالذكر انه تم اقتراح حل لهذه القضايا مرة أخرى في عام 2017 ، عندما توصل الجانب الأمريكي والروسي الى اتفاق حول جنوب سورية، حيث كانت واشنطن تأمل أن تنفذ روسيا التزاماتها بانسحاب الميليشيات الموالية لإيران من المناطق الجنوبية السورية ووقف العمليات القتالية داخل سورية، وإجراء توافقات بين النظام السوري والسكان المحليين تسمح بعودة اللاجئين السوريين الى مناطقهم – على الأقل في المنطقة الجنوبية- و عودة الحركة التجارية و الترانزيت من سورية و لبنان الى دول الخليج عبر الأردن، واعتبار القوات الروسية كضامن لحماية المدنيين و اطلاق سراح المعتقلين.
واليوم وبعد مرور أربعة سنوات على هذه التفاهمات، فمن الواضح أن الجانب الروسي لا يستطع تنفيذ أي منها، بل على العكس تماما، حيث أصبحت إيران والميلشيات التابعة لها تسيطر على الكثير من المواقع في الجنوب السوري، ولا يزال اللاجئين السوريين غير قادرين على العودة إلى ديارهم بأمان.
إضافة الى ذلك، من المتوقع أيضا أن يؤدى الحصار الذي فرضته قوات النظام والقوات الحليفة لروسيا على مناطق في درعا منذ أسبوعين الى اندلاع موجة نزوح جديدة الى الأردن، و الأسواء من ذلك أن مناطق سيطرة نظام الأسد وبالتعاون مع حزب الله أصبحت بؤرة لتصنيع و تصدير المخدرات لدول الجوار بما فيها الأردن و استخدام الأردن كترانزيت لنقل المخدرات الى دول الخليج مما أدى الى إعلان السعودية منعها دخول الشاحنات القادمة من سورية و لبنان، وهو ما يمثل خسارة اقتصادية كبيرة للأردن.
وفى حين يحاول الأردن تجاوز هذه الكوارث الاقتصادية ، تقوم روسيا والنظام السوري و إيران بالضغط على الأردن مستفيدين من الوضع الاقتصادي والمعيشي الصعب ، وذلك في وقت تخلى فيه المجتمع الدولي عن دعم الاقتصاد الأردني.
فطبقا لآخر إحصائية للمركز الروسي، عاد 121252 لاجئا سوريا من الأردن عبر معبر جابر – نصيب الحدودي. ويمثل هذا الرقم عشرة أضعاف تقديرات الأمم المتحدة التي قالت أن 12373 لاجئا سوريا عادوا إلى بلادهم من الأردن منذ منتصف شهر تشرين الأول الماضي حتى 20 شباط 2019.
ومع ذلك، وفى ظل الادعاء بحدوث تحول كبير في مسألة عودة اللاجئين السوريين في الأردن الى سوريا، هدف الإعلان الروسي الى تخفيض المساعدات الدولية للأردن و تحويلها الى دمشق و الاستفادة من الأردن لتسويق النظام السوري عربيا و دوليا فمثلا، تمت دعوة الأردن الى اجتماعات الآستانة بصفة مراقب، ثم كانت زيارات حكومية أردنية لدمشق لبحث أليات التعاون الاقتصادي والخدماتي بين البلدين رغم أن نظام الأسد ليس لديه ما يقدمه للأردن لا ماء و لا كهرباء و لا نفط و لا استثمارات و لا عودة المهجرين.
ومع ذلك، فإن تبادل الزيارات يعتبر مؤشر جدي عن الوضع الاقتصادي الصعب الذي يمر به الأردن و قلة خياراته الإقليمية. و تدور بعض الأحاديث غير المؤكدة أن إيران وافقت على تزويد الأردن بالنفط و لكنها طالبت الأردن برفع قوانين منع دخول السياحة الدينية الإيرانية الى الأردن و أن إيران مستعدة لترميم المواقع الدينية.
وفي ظل هذه الظروف، يجب أن تمثل زيارة العاهل الأردني القادمة لواشنطن فرصة حقيقية لمساعدة الأردن بشكل حقيقي وفعال خاصة في هذا المنعطف الحساس، حيث يمكن أن تقوم الولايات المتحدة بالضغط على روسيا للالتزام بالتعهدات التي اتخذتها في عام ٢٠١٧ و خصوصا منها وقف العمليات العسكرية التي يقوم بها النظام و إيجاد البيئة الأمنة لعودة المهجرين من الجنوب السوري.
يجب أن تتفهم الولايات المتحدة القلق الأردني والضغوطات التي تمارس عليه من قبل المحور الإيراني الذي يسعى إلى التوسع أكثر . وغير ذلك، سيتمكن المحور الإيراني من الاستفادة من الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد لتحقيق أهدافه.
المصدر: معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى
ترجمة: أوغاريت بوست