أوغاريت بوست (مركز الأخبار) – تتجه الأوضاع في سوريا إلى مزيد من التأزم على مختلف الصعد، فيما تغيب أية بوادر لحل قريب للأزمة التي أصبحت تفتك بالمواطن السوري ومعيشته، خاصة مع بدء ظهور تداعيات العقوبات الأمريكية.
وفيما تتبادل أطراف الصراع توجيه الاتهامات والتسبب بتفاقم الأزمة، يرى مراقبون أن جميع الأطراف، سواء المعارضة أو الحكومة، وكذلك جميع الدول والمحاور الإقليمية والدولية الحاضرة في الملف السوري تتحمل مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع.
في الوضع الراهن يبدو أن العملية السياسية قد تم تعليقها لأمد غير معلوم، فيما تطفو على السطح اطروحات ونماذج حل مختلفة، يرى المراقبون أنها جميعها مشاريع قابلة للتنفيذ، إلا أن جميعها مرهونة بشكل أو بآخر بالحل الشامل والنهائي للأزمة السورية.
الحالة السورية الراهنة وافق الحل في مختلف مناطق الصراع، ودور الدولة والمحاور المتدخلة في الأزمة السورية، وغيرها من المواضيع طرحناها عبر سلسلة أسئلة على الباحثة والمعارضة السورية لمى الأتاسي. وفيما يلي نص الحوار الكامل:
1- كيف يمكن تقييم الوضع السوري هذه الأيام مع غياب أية حلول تلوح في الأفق ؟
الوضع السوري كارثي لا سيما مع انتشار جائحة كورونا التي عرت أكثر عجز الدولة السورية و فشلها في حل أي من الأزمات العديدة التي لا تحصى من كثرتها والتي يواجهها الشعب السوري وحده دون أي دعم دولي.
هناك من جهة النظام الذي يمثل نظرياً وخارجياً حلف الصين روسيا والمشرق وهو نفسه لا يستطيع الاعتماد عملياً وفعلياً على تلك الدول المشرقية لمساندته داخلياً. فهي معنية فقط بتمويل القتال لا الأمن ولا البناء وبالتالي النظام السوري لا يملك أي سلطة فعلية على الفلتان الأمني والفوضى التي تشهدها سوريا في المناطق الموالية وغير الموالية.
من جهة أخرى لدينا ما سُميَ بقيادة والجسم المعارض، هي في الحقيقة فئة طفيلية فرضت نفسها على الثورة والشعب السوري المغيب منذ زمن، وأقصد مجموعة الائتلاف ومن يدور في فلكهم (أي من استقال ومن بقى). هؤلاء أيضا كحكومة الأسد لا يملكون أي شرعية وليس لديهم دعم حقيقي مادي لتشكيل سلطة مؤسسات حقيقية على المناطق المحررة، وهم كنظام الأسد غارقين بالفساد والفشل. إنهم تابعين نظرياً للتحالف دون أي اعتبار لهم من هذا التحالف الغربي. حتماً غياب جسد معارض مع سلطة حقيقية في المناطق المحررة أدى إلى حالة فوضى وفلتان أمني كما هو الحال في مناطق النظام. تبدو الصورة مأساوية للمواطنين الذين سُلبوا قرارهم تماما من قبل حاملي السلاح.
هناك طبعاً الخط الثالث الكرد في مناطق الإدارة الذاتية الواقعة ضمن خط المواجهة الدولية مع داعش، وهناك المنطقة محكومة عسكرياً وتعاني أيضاً من ظروف معيشية صعبة وانفلات أمني بأشكال متفاوتة.
سوريا كمناطق أخرى من العالم تعد منذ عشر سنوات مسرح للاقتتال وتصفية الحسابات ما بين معسكر الشرق وحلف الغرب ولا أحد منهم يعي ضرورة تخفيف معاناة الإنسان السوري.
2- ما أسباب هذا الانغلاق في رسم حلول للازمة بعد نحو 10 سنوات من الصراع ؟
الحرب الباردة دامت سنوات بعد الحرب العالمية الثانية وانتهت بانتصار الولايات المتحدة وانهاء الاتحاد السوفييتي ولمدة طويلة. نوعاً ما عاش العالم نوعاً من الاستقرار الأمني نتيجة توازنات وتقاسمات لنفوذ ما بين القطبين ولمدة طويلة اعتبرت سوريا دون نقاش من حصة الاتحاد السوفيتي ووريثتها روسيا.
مشروع الولايات المتحدة مع الربيع العربي هو في الواقع يقصد انهاء هيمنة روسيا في المشرق، بعدما انهت هيمنتها على دول اوروبا الشرقية، أي انها عملية تقليص نفوذ وحرب نفوذ. لكن روسيا ومن ورائها الصين يقاومان بشراسة وطبعا الأمور ليست بهذه البساطة أي أن الصراع تشعب وأخذ طابع حرب عالمية جديدة.
الإدارة الأميركية في عهد أوباما كانت واضحة في محاولة دخولها مناطق تعد تابعة لروسيا. فسوريا هي المنفذ الوحيد لروسيا على البحر المتوسط وسوريا تعد مرفأ روسي و لهذا روسيا مستميتة في سوريا. لأن البحر الأبيض المتوسط هو ساحة نفوذ أساسية في هذا العالم.
الحرب على النفوذ الروسي التي شهدناها في المرحلة الأولى من الصراع أي الثورة كانت واضحة المعالم ولقت قبول شعبي. فالاتحاد السوفيتي كان بالذاكرة الجماعية السورية العامة رديف القمع وحكم الحزب الواحد (البعث) ورديف التفقير والفساد. كما كان حال شعوب دول أوروبا الشرقية قبل انهيار جدار برلين.
لكن مؤخراً الذي أطال عمر الأزمة في سوريا هو تردد القرار الأميركي وتراجعه عن خوض معركة النفوذ في سوريا جدياً وبشكل حاسم.
لاحظنا كيف أن ترامب أعلن تراجعه وتسليمه الملف السوري لروسيا منسحباً مقابل ميزات تخص الاقتصاد الأميركي هذه المرحلة من ولاية ترامب والتي دامت سنوات أطالت عمر المعاناة، ولكن كل هذا لا يعني أن بايدن سيحسم الأمور ببساطة.
3- هل للدول المتدخلة في سوريا (روسيا أمريكا تركيا وإيران) دور في تأزيم الوضع، وكيف يمكن تقييم دور كل دولة؟
تركيا هي من أهم الشركاء للولايات المتحدة بل هي عضو أساسي في الناتو وهي شريك لأميركا وألمانيا لا بديل له في المنطقة، بالتالي الدور التركي هو ليس فقط شأن تركي داخلي بل هو يكون كما يتفق عليه ضمن حلف الناتو وضمن القرار الأميركي الأوروبي.
فيما يخص سوريا مثلاً يخطئ الكثيرين ظناً حين يتوقعون دور فرنسي أهم في سوريا من الدور التركي.
أما ايران فهي خذلت الحلف الغربي حين تحالفت مع الصين روسيا والصراع القائم منذ البداية في المنطقة هو لاسترجاع إيران إلى المعسكر الغربي وتعديل حكومة القمع فيها وجعلها حليفاً على غرار تركيا.
الصراع منذ البداية هو على إيران وليس سوريا ولأوباما في الشأن الإيراني رؤية مهمة ورائدة تتوافق عليها أوروبا وهي ترمي لمراضاة إيران واسترجاعها للمعسكر الغربي.
تبقى روسيا هي المستهدفة طبعاً إذ ما تم فك الحلف الإيراني، الروسي، الصيني. الاستراتيجية تهدف لإضعاف روسيا والصين.
أما عن دور الدول في تأزيم المتأزم، فيجب أولا أن نتحمل مسؤلياتنا السورية، بمعنى أننا لا يحق لنا أن نلوم الآخرين على وجود حكومة فاسدة وقيادات عابثة وشعب لم يتفق ويمد يده طالباً العون من الجميع.
حتما للجميع خارجياً أدوار سلبية لكن المسؤولية الأولى تتحملها قيادات المرحلة من كافة الجهات، المسؤول الأول عن مأساتنا يبقى هذا النظام الذي فضل دمار سوريا عن التنحي.
4- من وجهة نظرك ما هي الحلول التي يمكن أن تناسب وضع مناطق “خفض التصعيد وشرق الفرات” ؟
في مناطق خفض التصعيد التي تقصد فيها إدلب وما حولها منذ مدة نلاحظ أن هناك عملية خنق ممنهج للمدنيين الذين لم يعد لديهم أي مفر من القتل والجوع، المنطقة هناك من أخطر مناطق سوريا للمواطنين. الحل لفك حصار هذه المنطقة لا يمكن أن يكون إلا من خلال حل شامل للصراع السوري.
أما عن منطقة شرق الفرات فهناك داخل المنطقة توجهات فكرية عديدة وأفكار متضاربة ومتناقضة رغم الطموحات التحديثية للمجتمع هناك. بالنهاية لا يوجد حل لشرق الفرات بمنعزل عن سوريا وعن حل شامل واتفاق حقيقي ومصالحة وطنية بين السوريين.
منذ سنوات وشبح التقسيم يلوح في الأفق وللأسف حالياً هناك تقسيم فعلي وما زلت مقتنعة أنه ليس الحل. التقسيم سيزيد معاناة السوريين ولن ينهيها ولا بد من العمل على إيجاد رؤية عصرية موحدة لمفهوم الدولة والمواطنة. هل الإدارة الأميركية القادمة ستسعى لإيجاد نهاية ديمقراطية حقيقية منصفة للجميع؟ لا أعلم، لكن حاليا كل الجولات الأممية لم تنتج جديداً وداخلياً لا توجد رؤية موحدة لدى السوريين ولربما يجب البدء من هنا ببناء هذه الرؤية الوطنية المقنعة للجميع بعمق والتي تبني صورة جديدة لوطن يجد كل فيه مكانه.
5- هل تعتقدون أن حل الأزمة السورية يتطلب بالدرجة الأولى توافق أمريكي روسي، وخروج القوات التركية والإيرانية من سوريا ؟
القوات التركية والإيرانية ستخرج بعد التوصل لحسم بين النفوذ الروسي والأميركي. لكنه في الواقع أن ما سيطيل أمد تواجده هو التوافق بين روسيا وأميركا في المرحلة القادمة، حيث أن التوافق تم في عهد ترامب حين سلم ترامب الملف السوري لبوتين وتنازل عن معركة الإدارة السابقة ولكن هذه الوصاية الموكلة بها روسيا لم تسفر عن حل وكانت هذه فرصة تاريخية لروسيا لن تتكرر.
اليوم في عهد بايدن سيعاد فتح الملف بشكل أوسع والتغيرات القادمة في إيران ستعزل سلطة الأسد أكثر، فإيران لن تجد ضرورة للبقاء في سوريا، مقابل حصولها على قرار فتح الملف النووي، ستقبل حكومة إيران بالانهماك بعملية التطوير الداخلي للدولة الإيرانية بدل صرف المليارات في حروبها في لبنان وسوريا واليمن. الانفتاح الاقتصادي لإيران بعد العزل سينسي إيران طموحاتها العسكرية. وهنا روسيا ستقاوم وحيدة مع ابنها المدلل الأسد.
6- ما الذي يمكن أن يتغير في سوريا مع وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض ؟
نحن نتأمل و نتفاءل لأننا ليس بيدنا شيء. نتوقع أن المفاوضات التي غالباً ما سيعاد فتحها مع إيران سيكون لها تأثير إيجابي على سوريا.
7- ماذا يحمل عام 2021 في جعبته لسوريا ؟
لست منجمة لكني متفائلة.
لربما سيحمل هذا العام بذور حل ما سيخفف من معاناة السوريين، بانتظار إعادة هيكلة نواة مشروع وطن سوري جديد لا يشبه الماضي وطن جدير بهذه المعاناة السورية.
حاورها: يعقوب سليمان