أوغاريت بوست (مركز الأخبار) – معروفٌ عن السياسة الأمريكية إنها “سياسة البال الطويل” تعتمد على استنزاف الخصم وانهاكه سياسياً وعسكرياً واقتصادياً ولو بقي هذا الاستنزاف لعقود، وهذا ما يمكن اعتباره بأن الولايات المتحدة تطبقه في سوريا حرفياً، حيث يمكن للخصوم الاعتقاد بأنها سحبت يدها من الملف أو لم يعد هذا الملف من أولوياتها، ولكن الحقيقة إن هذه استراتيجية وسياسة للانتصار بأقل الخسائر والتكاليف.
محاربة داعش أحد الأهداف الكثيرة
الولايات المتحدة الأمريكية تقول بأنها موجودة في سوريا لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي فقط، بينما الحقيقة أن وجود الولايات المتحدة في سوريا له أهداف وأبعاد أخرى أكبر من محاربة داعش، ويمكن اعتباره “صمام أمان” لعدم انتصار أي طرف على حساب الطرف الآخر في سوريا، مع بقاء “استراتيجية الاستنزاف للخصوم” حتى تحقيق الأهداف.
وخلال الفترة الماضية تحدثت الولايات المتحدة لأول مرة منذ سنوات عن “أهداف” أو ما يمكن تسميتها “بالاستراتيجيات الجديدة” في سوريا، منها تأسيس بنية تحتية لاحتواء تنظيم داعش الإرهابي وخطره في سوريا، إضافة إلى التأكيد على عدم الانسحاب من سوريا وقد يطول التواجد العسكري لعقود، وعدم انتصار أي طرف على الآخر أو تمكين روسيا ودمشق من السيطرة على كامل البلاد والانتصار بالحرب، مع تجميد الصراع في سوريا وخلق حلول تكون مرضية لجميع الأطراف.
ملف داعش.. “احتواء خطورة التنظيم”
وفيما يخص ملف تنظيم داعش الإرهابي ومع عودة نشاطه بشكل ملحوظ وتنفيذه لهجمات كبيرة هي الأولى منذ إعلان الانتصار العسكري عليه في 2019، بدأت وزارة الدفاع الأمريكية بتأسيس بنية تحتية في سوريا لاحتواء داعش على المدى البعيد، حيث طلبت الوزارة تفويضاً و تمويلاً من الكونغرس لتنفيذ بعض التحسينات التي تنفذها قوات سوريا الديمقراطية على الأرض، بحسب ما كشفته صحيفة “بوليتيكو” الأمريكية.
وتقول الصحيفة أن “البنتاغون” يفضل تحسين مرافق الاحتجاز والخدمات، حتى لا يتمكن التنظيم من إعادة تنظيم صفوفه، وكشف “البنتاغون” بأن الأعمال بدأت منذ مدة وتشمل أبراج مراقبة وتركيب إضاءة لمنع عمليات التهريب ليلاً، مع بناء مرافق احتجاز جديدة تكون أكثر أمناً وإنسانية مع امكانية وصول الخدمات الطبية.
وحذرت من أن تكون المعتقلات في شكلها الحالي سبيلاً لإعادة داعش تنظيم صفوفه، مع دعوة دول العالم التي لها رعايا قاتلوا مع التنظيم لإجلاءهم.
الملف السوري.. “تجميد الصراع”
أما فيما يخص استمرار الصراع في سوريا، فقد كشف المبعوث الأمريكي السابق إلى سوريا جيمس جيفري، الذي يطلق عليه “عراب السياسة الأمريكية في الملف السوري”، أن واشنطن تعمل على تجميد الصراع في سوريا حتى البدء بحل سياسي ينهي الحرب، واعتبر جيفري أن التواجد الأمريكي والإسرائيلي والتركي في سوريا “يمنع الأسد وروسيا وإيران من تحقيق انتصار استراتيجي في المنطقة”.
وشدد على أن “مواجهة تحالف روسيا وإيران في سوريا وأوكرانيا” أمر مهم للإدارة الأمريكية الحالية، وذكر أن أمريكا الآن تمنع أن يكون هناك طرف منتصر على الآخر في سوريا وذلك بعد فشل تطبيق مقاربة “خطوة مقابل خطوة وفق القرار 2254”.
وقال “عراب السياسة الأمريكية في سوريا” أنه بعد التفاوض الدبلوماسي مع روسيا بشأن أوكرانيا وحل الملف بما يضمن سيادتها، “فإن واشنطن ستنخرط مع روسيا وبشكل غير مباشر مع النظام السوري عن طريق موسكو من أجل ايجاد حل للصراع في البلاد، ورأى أن “الأسد لم يربح الحرب فهو اليوم يجلس على الأنقاض والخراب”.
التواجد العسكري.. “سوريا ليست أفغانستان”
أما بخصوص التواجد العسكري في سوريا، قال جيفري في حديث لمجلة “فورين أفيرز” الأمريكية، أن أي انسحاب من سوريا على شاكلة أفغانستان سيولد صدمة تزعزع الاستقرار في المنطقة.
وسبق أن تحدث المسؤولون الأمريكيون عند انسحابهم من أفغانستان واحتمال تكرار ذلك في سوريا وقالوا “أن سوريا ليست أفغانستان”، وبالنسبة لهم فإن الاوضاع في سوريا “تشكل خطراً على الأمن القومي الأمريكي” أكثر من أفغانستان.
وبالعودة لتصريحات جيفري قال أن بلاده “تحقق نجاحاً في سوريا من خلال النهج الذي تتبعه، ومصالحها الاستراتيجية فيها كثيرة”، وأضاف إن حديث مستشار مكتب المبعوث الرئاسي للتحالف الدولي ضد تنظيم “داعش”، كريستوفر الخوري، بضرورة انسحاب القوات الأمريكية من سوريا بسبب انتصار بشار الأسد في الحرب، بأنه غير صحيح.
ويعتقد المبعوث السابق، أن النتيجة الجوهرية لاقتراح ”الخوري” تتمثل في منح روسيا منزلة عسكرية ودبلوماسية أكبر، وذلك من أجل زيادة الضغط على إسرائيل وتركيا للانسحاب من سوريا، والذي سيؤدي إلى إبقاء سوريا بأكملها تحت سيطرة الأسد، الذي حرض على الحرب، وتقديم نصر استراتيجي لروسيا وإيران.
وقال “جيفري”: “يجب على أمريكا أن تتجنب في عصر المنافسة الجيو استراتيجية المتزايدة بما في ذلك مع روسيا وإيران، التخلي بشكل لا مبرر له عن انتصارات استراتيجية”، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن تجميد الوضع في سوريا لا يبدو مثاليا.
إعداد: علي إبراهيم