أوغاريت بوست (مركز الأخبار) – لم تنهض أوروبا بعد من أزمة طاقة غير مسبوقة بسبب “حرب أوكرانيا”، لتصطدم بأسوأ موجة جفاف منذ 500 عام، تهددها بخسائر اقتصادية فادحة.
يهدد الجفاف ما يقرب من نصف أوروبا، وفقا لتقرير صادر عن خدمة العلوم والمعرفة التابعة للمفوضية الأوروبية، نشر أمس الإثنين.
نصف أراضي أوروبا مهدد بالجفاف
وقال التقرير إنه اعتبارا من 10 أغسطس/آب الجاري، وصل 47% من أراضي أوروبا إلى مستوى تحذير من الجفاف، بينما تتخذ 17% من المناطق التي شملها مسح حالة تأهب قصوى.
وقال الباحثون إن الظروف الجافة مرتبطة بالأمطار الشحيحة وعدد من موجات الحر من مايو/أيار فصاعدا والتي أثرت على تصريف الأنهار على نطاق واسع في جميع أنحاء أوروبا. كما أثر انخفاض حجم المياه سلبا على قطاع الطاقة لكل من أنظمة توليد الطاقة الكهرومائية والتبريد في محطات الطاقة الأخرى.
وقال الباحثون إن الجفاف قلل بشكل كبير من حصاد المحاصيل الصيفية، مع تأثر الذرة وفول الصويا ودوار الشمس.
وأدرج التقرير أكثر من عشر دول يتزايد فيها خطر الجفاف، بما في ذلك ألمانيا وفرنسا وبريطانيا.
وقال التقرير إن المناطق التي تزداد فيها الظروف سوءا هي تلك التي تأثرت بالفعل بالجفاف في ربيع عام 2022 مثل شمال إيطاليا وجنوب شرق فرنسا وبعض المناطق في المجر ورومانيا.
ويتوقع الباحثون أن ظروف الطقس الأكثر دفئا وجفافا من المعتاد من المرجح أن تستمر حتى نوفمبر/تشرين الثاني في المنطقة الأورومتوسطية الغربية.
خسائر كارثية لاقتصاد أوروبا
قال مستشار التحرير في منصة الطاقة المتخصصة، أنس الحجي، خلال مقابلة مع برنامج “عالم الطاقة” على قناة “سكاي نيوز عربية” إن مشكلة الجفاف في أوروبا كبيرة جدا، وإنها على المدى الطويل، قد تكون أخطر من أزمة الحرب الروسية الأوكرانية والعقوبات المرتبطة بها.
وأضاف الحجي “السياسيون في أوروبا قد يمكنهم التعامل مع بوتن، لكن لا يمكنهم التعامل مع الجفاف، فمشكلة أوروبا مع روسيا بخصوص أوكرانيا والعقوبات، هي في النهاية قرار سياسي، ويمكن أن يتغير، أو حتى أن يتقبل السياسيون الوضع الجديد، لكن لا يمكن للسياسين أن يتعاملوا مع الجفاف”.
– أزمة نقل المنتجات النفطية
وعن أبرز التحديات التي تواجهها أوروبا بسبب الجفاف، قال الحجي، إن “كل المنتجات النفطية تنقل داخل أوروبا عبر الأنهار.. فإذا جفت هذه الأنهار كيف سينقلونها؟”.
– أزمة الطاقة الكهرومائية
وأكد أن “الأمر الثاني أن هناك عدة دول تعتمد على توليد الكهرباء من الطاقة الكهرومائية، وقد انخفض مستوى السدود بشكل كبير في الوقت الحالي، وهو ما يعني أنه سيتم استخدام الغاز لتعويض هذا النقص، وهذا الأمر سيكون بشكل خاص في النرويج”.
وأوضح “إذا استخدمت النرويج الغاز لتعويض نقص الكهرباء الناتج عن انخفاض مستوى السدود، فهذا يعني أن هذا الغاز لن يذهب إلى أوروبا، وبريطانيا نفس الشيء”.
بعد توقيع اتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية.. رسالة تحذير أوروبية
وتواجه الدول الأوروبية أزمة كبيرة في توفير الغاز، بعد تقليص روسيا إمداداتها، على خلفية العقوبات المفروضة عليها إثر عملياتها العسكرية في أوكرانيا.
وأقرت دول الاتحاد الأوروبي خفضا طوعيا في استهلاك الغاز بنسبة 15% من أجل السماح بزيادة مخزوناتها قبل دخول فصل الشتاء، لكن مع ذلك يتوقع الخبراء أن تشهد أوروبا شتاء قاسيا، وارتفاعا في فواتير التدفئة.
– ضربة لجهود مكافحة التغير المناخي
جاءت أزمة الجفاف، في وقت كانت أوروبا تنوي الاعتماد بشكل كبير على الممرات المائية كجزء من جهودها لمكافحة التغير المناخي وتقليل انبعاثات الغازات الدفيئة، إذ كانت تستهدف المفوضية الأوروبية زيادة النقل عبر الممرات المائية بنحو 25 بالمئة بحلول 2030.
أزمة ألمانيا
كما يبدو أن معاناة ألمانيا من أزمة نقص الغاز نتيجة الأزمة الأوكرانية قد تتضاعف، إذ إن صعوبة النقل النهري قد تعيق حركة نقل الفحم إليها، ما قد يهدد خطة الحكومة الألمانية لإعادة تشغيل محطات توليد الكهرباء باستخدام الفحم.
فنهر الراين بألمانيا، يمثل شريان حياة بقلب أوروبا، وقد انخفض منسوبه بما يهدد الإمدادات الحيوية لألمانيا وحركة السفن.
أزمة فرنسا
وفي فرنسا، فإن درجات الحرارة المرتفعة بالأنهار، جعلت من مياه نهري “رون” و”غارون” دافئة لدرجة باتت لا تسمح بتبريد المفاعلات النووية بشكل فعال، أما نهر “بو” في إيطاليا فقد شهد انخفاضا كبيرا بمنسوب المياه فيه، فبات غير كاف لري حقول الأرز.
أما نهر الدانوب، والذي يشق طريقه عبر مساحة 1800 ميل بين وسط أوروبا والبحر الأسود، فيجف هو الآخر، مما يعوق حركة تجارة الحبوب وغيرها.
أزمة بريطانيا
وفي بريطانيا، جفت منابع نهر التايمز على نحو لم تشهده البلاد من قبل، وأعلنت الحكومة يوم الجمعة الماضي، أن أجزاء من جنوب ووسط وشرق إنجلترا انتقلت رسميا إلى حالة الجفاف، بعد فترة طويلة من الطقس الحار والجاف الذي تشهده القارة الأوروبية.
ويعزو العلماء الجفاف الذي تشهده أوروبا إلى التغيرات المناخية التي أدت إلى تراجع تساقط الثلوج وارتفاع منسوب استهلاك النباتات للماء نتيجة انخفاض خصوبة الأرض. وبدأت بعض الحكومات اتخاذ إجراءات لمواجهة شح المياه، في فرنسا على سبيل المثال حظرت استخدام المياه لغسيل السيارات أو ري الحدائق المنزلية وأغلقت مرافق الاستحمام في الشواطئ.