أوغاريت بوست (مركز الأخبار) – “كلٌ غنى على ليلاه”.. هكذا يمكن وصف ما جرى في “الاجتماع الرباعي” الذي عقدته دول “مسار آستانا”، روسيا وتركيا وإيران، بالإضافة للحكومة السورية، في موسكو، والذي جاء في إطار مشاركة نواب وزراء الخارجية، حيث الهدف من هذا الاجتماع “إعادة العلاقات بين دمشق وأنقرة”، والتنسيق بين هذه الأطراف لحل الأزمة السورية وفق منظورهم وأهدافهم هم فقط.
أهداف دمشق من “الاجتماع الرباعي”.. وضغوطات روسية لإزالة الشروط
الحكومة السورية قبل وخلال وبعد الاجتماع، تصر على شروط باتت معروفة للجميع للتطبيع مع أنقرة، وهي “الانسحاب العسكري الكلي من الأراضي السورية” و “مكافحة الإرهاب” (فصائل المعارضة)، إضافة “لعدم تدخل تركيا في شؤون سوريا الداخلية”.
إصرار دمشق على هذه الشروط تقابله ضغوطات ومساعي روسية للقبول في الارتقاء بمستوى العلاقات واستمرار المفاوضات بين الطرفين المتخاصمين دون أي شروط مسبقة، ما يعني أن موسكو لا مانع لديها من استمرار سيطرة القوات التركية التي يعتبرها ثلثي الشعب السوري “احتلال”، وبقاء كل شيء على حاله.
والإصرار الروسي يأتي لمحاولة إعطاء الرئيس التركي شعبية قبيل الانتخابات الرئاسية المقررة في أيار/مايو المقبل، حيث لاتريد موسكو أن تصل المعارضة التركية للسلطة، حيث أن هذه المعارضة موالية للغرب، ويمكنها أن تشاركه العزلة والحرب الباردة (كما سماها البعض) على موسكو.
مشاركة إيران لتخفيف الضغط على دمشق
أما المشاركة الإيرانية جاءت لتخفيف الضغوطات الروسية على دمشق، وترك هامش من المناورة السياسية ورفض الإملاءات الروسية، وكي لا تكون طهران بعيدة عن أي حلول أو صفقات أو مقايضات (كما يسمونها البعض) تخص الملف السوري.
تركيا.. والملف الكردي
أما الجانب التركي، فهمه الوحيد هم “الكرد” و “الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية”، حيث أن أنقرة مستعدة لدفع أي ثمن مقابل توحيد الجبهات ضد هذه الأطراف، وكي لا يكون هناك كيان مستقل أو إدارة ذاتية مستقلة ضمن الأراضي السورية على شاكلة إقليم كردستان العراق، حيث تخشى أنقرة من تحركات مشابهة في الجنوب التركي الذي يقطنه أكثر من 40 مليون كردي، ومطالبتهم بإدارة ذاتية أو مستقلة أو إقليم.
الإدارة الذاتية الغائبة الحاضرة تحذر من “اتفاقات خطيرة”
الإدارة الذاتية لشمال شرق سوريا، غابت عن اللقاء ولكنها حضرت في المناقشات ضمن “الاجتماع الرباعي”، على الرغم من عدم حديث الأطراف المشاركة صراحة عن ذلك، إلا أن مسؤولين في الإدارة كشفوا عن “خطط واتفاقات خطيرة” تم التوافق عليها بين “الرباعي” لمواجهتها.
وفي حوار مع وكالة الأنباء الكردية “هوار”، كشف “نائب الرئاسة المشتركة العامة للإدارة الذاتية حسن كوجر” عن “قرارات” تم اتخاذها وأيدتها دمشق، ووصف إياها “بالخطيرة”، وأوضح أن هذه الأطراف اتخذوا قراراً ضد المناطق الشمالية الشرقية، من حيث تشكيل قوة عسكرية وتسليحها لتنتظر ساعة الصفر مع تحريض العشائر على الإدارة الذاتية وخلق الفتن، وشن حرب تضليل إعلامية ضد الإدارة وتشويه سمعتها.
قرارات ضد تواجد التحالف
كما أن التحالف الدولي لم يكن غائباً عن “الاتفاقات” بين “الرباعي”، حيث أوضح كوجر أنه تم الاتفاق على شن هجمات على قوات التحالف الدولي، لدفعه للانسحاب، حيث ترى الأطراف “الرباعية” بتواجد هذه القوات عائق أمام السيطرة على المنطقة الشمالية الشرقية، وقال كوجر أنه على الحكومة عدم تنفيذ هذه القرارات واعتبر أنذلك سيعني تقسيم سوريا.
“الحوار مع الإدارة الذاتية”.. ودور العرب
ودعا المسؤول الكردي في الإدارة الذاتية، دمشق إلى الحوار لحل الأزمة، وأشار إلى الدور الوطني الذي لعبته الإدارة مع قواتها العسكرية في تحرير الأراضي السورية من إرهاب تنظيم داعش، وسعيهم دائماً للحلول السياسية، كذلك قال كوجر أن موقف دمشق من الانسحاب التركي هو “موقف وطني” وشدد على ضرورة أن تتمسك دمشق به والإصرار عليه.
كما توجه المسؤول الكردي إلى الدول العربية، محذراً إياها من قبول ما تسعى أطراف “آستانا” من تسويقه للحل في سوريا، وأشار إلى أن هذه الدول لا تريد إلا مصالحها على حساب المصلحة السورية، ودعا الجامعة العربية إلى العمل على إخراج القوات التركية في المناطق التي تسيطر عليها في الشمال وحل الأزمة السورية وفق ما تقتضيه مصالح السوريين.
وكان من المفترض أن ينعقد اجتماع رباعي آخر على مستوى وزراء الخارجية خلال الأسبوع الجاري، إلا أنه تأجل للشهر المقبل، دون أن تفصح الأطراف المشاركة عن سبب التأجيل الثاني، وهو ما يدل بحسب متابعين بوجود خلافات ورؤى مختلفة لهذه الأطراف حول كيفية إعادة العلاقات بين دمشق وأنقرة والشروط التي يتم الحديث عنها للتطبيع.
وكان من الملفت ما حدث من تطورات عسكرية في سوريا خلال الفترة الماضية، والتي اعتبرها الكثيرون أنها من “الاتفاقات السرية” بين “الرباعي”، من حيث تصاعد العنف في منطقة “خفض التصعيد” إلى “تكرار استهداف الإيرانيين لقواعد التحالف الدولي”، وصولاً إلى محاولة اغتيال القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي أثناء تواجده في مدينة السليمانية بإقليم كردستان العراق.
إعداد: ربى نجار