لعبة التخمين المكونة من ثلاثة أسئلة دخلت أسبوعها الثاني. متى وكيف سينتقم حزب الله وإيران لاغتيال القائد العسكري لحزب الله فؤاد شكر في بيروت في 30 تموز والزعيم السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران في 31 تموز؟ كيف سترد إسرائيل على ما يُفترض أن يكون هجوماً منسقاً بين حزب الله وإيران؟ والأمر الأكثر إثارة للانزعاج هو، هل ستدفع هذه التصرفات الشرق الأوسط إلى حرب إقليمية واسعة النطاق؟
إن دورة العنف المتصاعدة بين إسرائيل وحزب الله بعد السابع من تشرين الأول تثير حتماً مقارنات بالحرب التي استمرت 34 يوماً بين إسرائيل وحزب الله في عام 2006، عندما كنت (جيفري فيلتمان) أعمل سفيراً للولايات المتحدة في لبنان. ولكن مثال عام 2006، على الرغم من كونه مدمرا (مع الدمار والتشريد على نطاق واسع، ومقتل نحو 1200 لبناني و165 إسرائيليا)، فإنه غير كاف على الإطلاق لوصف الخطر الحالي. لقد درس الإسرائيليون وحزب الله حرب العام 2006 وتعلموا منها، على افتراض أن حرباً أخرى أمر لا مفر منه وأن كل طرف لابد أن يكون مستعداً بشكل أفضل. وخلافاً للوضع مع حماس قبل 7 تشرين الأول، أدركت إسرائيل تماماً مدى الفتك المحتمل لأسلحة حزب الله وأساليبه، وركزت لسنوات على تعطيل ومكافحة تدفق الأسلحة من إيران عبر سوريا إلى حزب الله.
كما أصبح حزب الله أقوى عسكريا وسياسيا مما كان عليه في عام 2006. وكما أشارت التقارير على نطاق واسع، فقد توسعت شبكة أنفاقه، وأصبحت ترساناته المنتشرة في مختلف أنحاء لبنان أكبر بشكل كبير، مع وجود أسلحة أكثر عددا وأكثر تقدما والتي يمكن أن تصل تقريبا إلى كل إسرائيل. لقد وفرت الحرب الأهلية في سوريا، منذ عام 2012، تدريباً على الأرض لمقاتلي حزب الله، الذين أصبحوا الآن، بفضل خبرتهم القتالية، يشبهون الجيش النظامي.
وعلى الصعيد السياسي، في تموز 2006، كان رد فعل العديد من اللبنانيين غاضباً على تسلل حزب الله غير المبرر إلى إسرائيل واختطاف جنديين إسرائيليين، وهي التصرفات التي أشعلت شرارة حرب فورية دمرت آمال اللبنانيين في صيف سلمي مربح ومليء بالسياح. وسواء كانت هذه محاولة صادقة أو محاولة للعلاقات العامة بعد الحرب، فقد شعر زعيم حزب الله حسن نصر الله بضرورة الاعتذار عن بدء الحرب. الآن، ونظراً للحملة العسكرية المتواصلة التي تشنها إسرائيل على غزة منذ 10 أشهر، والحرب المستمرة محدودة النطاق بين إسرائيل وحزب الله، واغتيال قادة حزب الله والقادة الإيرانيين، فإن حتى أولئك اللبنانيين الذين يأملون في عدم حدوث حرب واسعة النطاق أبداً قد لا يلومون حزب الله بنفس الدرجة التي حدثوا بها في عام 2006، إذا اندلعت الحرب. وبالإضافة إلى ذلك، أصبحت قبضة حزب الله على الحياة السياسية اللبنانية أكثر إحكاماً من أي وقت مضى.
وخلافاً لليوم، لم يوفر شهر تموز 2006 أي وقت انتظار للمدنيين للانتقال إلى مكان آخر. ومع قصف مطار بيروت وإغلاق مجالها الجوي والبحري منذ اليوم الأول للحرب، تم إجلاء ما يقرب من 15 ألف مواطن أمريكي فيما كان آنذاك أحد أكبر عمليات الإجلاء الحكومية الأمريكية غير المقاتلة في التاريخ. هذا العام، وبإلحاح متزايد، دعت السفارات الأجنبية في بيروت مواطنيها إلى مغادرة لبنان بالوسائل التجارية.
والأمر الأكثر خطورة هو أن السياق الأوسع تغير منذ عام 2006. فقد تبخرت الظروف التي حالت دون تصعيد الحرب بين إسرائيل وحزب الله عام 2006 إلى حريق إقليمي مع ترسيخ “محور المقاومة” الإيراني. ورغم أن التكتيكات التي اتبعتها حماس وحزب الله في العام 2006 ربما كانت متشابهة، إلا أنهما لم يدعيا أنهما يلاحقان أجندات منسقة. وفي كانون الثاني 2006، فازت حماس بالانتخابات التشريعية الفلسطينية في غزة وجرّت المنطقة إلى الحرب باختطافها للجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط في 25 حزيران 2006. لكن ذلك لم يكن مرتبطاً بعمليات الاختطاف التي قام بها حزب الله والتي أشعلت حرب تموز 2006 في لبنان. ولم يكن الرد العسكري الإسرائيلي على عمليات الاختطاف المنفصلة هذه يتمتع بالمنطق المعزز القاتل وتصاعد أعمال العنف اليوم.
أما بالنسبة لإيران، فبينما أطلق المرشد الأعلى علي خامنئي والرئيس محمود أحمدي نجاد قرع طبول ثابتة من التصريحات الدنيئة حول إسرائيل واليهود في عام 2006، فإن الضربة الإيرانية المناهضة لإسرائيل مورست من خلال وكلاء لم يكن لديهم نفس التطور والفتك والنطاق الجغرافي من وكلاء إيران اليوم. انخرط الحوثيون في اليمن في سلسلة من الصراعات العسكرية مع الحكومة اليمنية في عهد الرئيس السابق علي عبد الله صالح، الذي عرض في ربيع عام 2006 العفو عن بعض المقاتلين الحوثيين قبل استئناف المناوشات في العام التالي. ولم تهدد أي علاقة بين إيران والحوثيين في عام 2006 الشحن العالمي ولا تل أبيب.
وفي العراق كان العام 2006 عاماً دموياً بشكل خاص بين الميليشيات الشيعية والسُنّية، حيث ركزت كل من الميليشيات الشيعية والسُنّية على المذابح المحلية، وليس الهجمات بطائرات بدون طيار على إسرائيل. وفي دمشق، كان بشار الأسد يلعق جراحه بعد طرد سوريا المهين من لبنان في العام السابق بعد اتهامه باغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، الأمر الذي حد من شهية الأسد لخوض مغامرات قد تؤدي إلى المزيد من الإضرار بالهيبة السورية.
وفي عام 2006، كان التضامن مع الفلسطينيين من أي من هذه المجموعات يقتصر في الغالب على الدعم الخطابي. واليوم يمكن لأي أحد أو الجميع أن يشارك في تحويل الوضع الحالي إلى حرب شاملة. ولأسباب خاصة بهم، ربما يأمل كل من حزب الله وإيران وإسرائيل في دراسة أعماله العسكرية لتجنب حرب واسعة النطاق. ولكن من الصعب السيطرة على الدورات التصعيدية في مواقف مثل التي نعيشها اليوم، حيث لا توجد سوابق، حيث تم تجاهل قواعد اللعبة السابقة غير المكتوبة ــ مثل الضربات الانتقامية المحدودة جغرافياً والمنخفضة الإصابات بين حزب الله وإسرائيل. ومن الممكن أن تحدث حسابات خاطئة من شأنها أن تعجل بتصعيد العنف: فمن المفترض أن الهجوم الذي وقع في 27 تموز على مجدل شمس في مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل كان المقصود منه توجيه ضربة إلى هدف عسكري، وليس إلى ملعب كرة قدم درزي حيث قتل 12 طفلاً ومراهقاً.
المصدر: معهد بروكينز للأبحاث
ترجمة: أوغاريت بوست