أوغاريت بوست (مركز الأخبار) – فقر وغلاء وحرمان وغياب لأدنى مقومات الحياة الكريمة والمعيشة الإنسانية، هكذا يعيش أغلب السوريون في ظل هذه الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعصف بالبلاد بعد 12 عاماً من بداية الصراع على السلطة، وفي وقت كان الكثيرون يعتقدون أن الحلول ستبدأ مع العودة لجامعة الدول العربية واستعادة العلاقات مع الأشقاء العرب، الذين لم يأتوا بأي حركة إلى الآن لمساندة السوريين في أزمتهم هذه، إلا أن هذا الاعتقاد لم يتحقق وبقيت سوريا تعاني في ظل هذه الظروف ومع غياب تام للحلول السياسية.
السياسات الاقتصادية الخاطئة وراء الانهيار الحالي
دائماً ما كان السوريين يسمعون أن العقوبات والحصار والمؤامرة الكونية والإرهاب هي أسباب تقف وراء ما تعيشه بلادهم من أزمات اقتصادية ومعيشية، إلا أن هذه الإدعاءات لم تعد تجدي نفعاً حتى أن الرئيس السوري بشار الأسد نفسه رأى خلال حديثه الأخير مع “سكاي نيوز عربية” أن لا يضع المسؤولية على العقوبات والحصار، بل الحرب والإرهاب، وهي من الأسباب التي أدت لهذه الأزمة المعاشة اليوم.
سياسات الحكومة السورية الداخلية الاقتصادية، ساهمت كثيراً في الانهيار الاقتصادي الحالي، وما زاد الوضع سوءاً انهيار قيمة الليرة أمام العملات الأجنبية وخاصة الدولار الأمريكي، ووصولها لمستويات قياسية، وبدلاً من قيام الحكومة بإجراءات وخطوات تحد من السقوط الحر للعملة قامت برفع أسعار المحروقات إلى نسب تتعدى الـ100 بالمئة، مع رفع الرواتب والأجور أيضاً بنسبة 100 بالمئة، ولكن دون أن تحقق هذه الزيادة الحد الأدنى من التوازن بين الارتفاع الجنوني للأسعار والقدرة الشرائية للمواطن.
زيادة الرواتب ورفع أسعار المحروقات دفعت السوريين للخروج “بثورة الجوع”
رفع الحكومة السورية لأسعار المشتقات النفطية والزيادة التي وصفها السوريون “بالمذلة” على الرواتب دفع بالمواطنين للخروج للتنديد بالواقع الاقتصادي والمعيشي السيء.
وكما بدأت الأمور من الجنوب قبل 12 عاماً، بدأت احتجاجات الجوع والفقر والعوز مرة أخرى من الجنوب، وخاصة مدينتي السويداء ودرعا، اللتان خرجتا لتنطقان بصرخة الألم وعدم القدرة على احتمال الظلم أكثر من ذلك.
ومنذ أيام تشهد مدينتي السويداء ودرعا وأريافهما تظاهرات واحتجاجات شعبية عارمة، ترافقت مع إضراب عام وإغلاق تام للمحال والأسواق والمؤسسات الخدمية للدولة، مع دعوات لكافة المحافظات للخروج في “ثورة الجوع” والضغط على الحكومة لتعديل سياساتها والتراجع عن قراراتها الأخيرة.
الشيخ حكمت الهجري يبدي دعمه لاحتجاحات السويداء
وأبدى رئيس طائفة الموحدين الدروز الشيخ حكمت الهجري، دعمه للتظاهرات التي خرجت ضد الحكومة مؤكداً أن من حق الشعب أن يطالب بالعيش الكريم وأن الوقت حان لقمع متسببي المحن التي طالت لقمة عيش السوريين.
وأضاف في بيان له، أن أبناء الشعب الصامد بدل من تكريمهم أصبحوا يواجهون دواعش الداخل، وباتوا أمام غرباء استباحوا مقدرات وخيرات البلاد، ولفت إلى أن الحكومة بدلاً من حمايتها لأبناء الشعب والدفاع عنهم، صار يخوّنهم ويهددهم بلقمة العيش ويفتعل الفتن عندما يطالبون بحقوقهم، ووصف قرارات السلطة “بالبخسة” وهو ما يؤدي بأبناء البلد للهجرة، داعياً الحكومة للاستقالة لطالما هي عاجزة عن فعل أي شيء
هل هناك أمل لخطوات عربية أو من “الحلفاء” ؟
وكان ملاحظ تماماً بدل الانهيار الاقتصادي والسقوط الحر لليرة السورية، بعد ما قيل أنه “رفض دمشق للشروط العربية للحل السياسي في سوريا”، وإن صح ذلك فلا أي خطوة تنتظر من قبل الدول العربية لكبح هذا الانهيار الاقتصادي، حتى تلك التي استعادت علاقاتها مع دمشق، وما يمكن أن يؤكد ذلك استئناف العقوبات الأمريكية “قيصر” والتي تحظر على أي دولة أو جهة التعامل مع الحكومة السورية بأي شكل من الأشكال.
بينما الحلفاء وبعدما استولوا على كافة ثروات ومقدرات البلاد، لتحصيل فاتورة التدخل العسكري ومساندة النظام السياسي القائم للبقاء في سدة الحكم، فلا ينتظر منهم كذلك أي مساندة لوقف الانهيار الاقتصادي، بل على العكس تماماً فإن متابعون للشأن السوري يؤكدون أنه حتى لو آبار النفط كانت في تحت سيطرة الدولة كان الحلفاء تقاسموها فيما بينهم ولم تكن الخزينة لتستفيد ولو بليرة واحدة؛ حالها كحال باقي الموارد والثروات التي باتت للروسي والإيراني لعقود قادمة.
خبير اقتصادي يحذر من ارتفاع نسب التضخم ل300 بالمئة
وكان المدير السابق للمكتب المركزي للإحصاء في سوريا والخبير الاقتصادي، شفيق عربش، قال أن معدلات التضخم وصلت لشهر تموز من هذا العام إلى 170%، ومن المتوقع أن تصل إلى 300 % في نهاية 2023، مع انخفاض قيمة العملة بشكل كبير نتيجة القرارات الحكومية غير المدروسة، وأشار إلى أن ذلك سيكون له تأثير على كافة جوانب الحياة ويزيد في الأسعار وهو ما سيؤثؤ بشكل كبير على قدرة المواطن الشرائية.
وقدر أن الأرقام التي طرحت حول تكاليف الدعم متذبذبة لأن قيمة الدعم من اعتمادات الموازنة 2023، سجلت 15500 ملياراً، واعتمادات الدعم في الموازنة4921 مليار ليرة فقط، متسائلاً: أين ذهب هذا الفرق؟، وأكد أن الوضع الاقتصادي سيؤدي إلى خلق العديد من المشاكل.
وتقول أوساط متابعة أن استمرار الأوضاع على ما هي عليه وتفاقم الأزمة الاقتصادية وانهيار العملة وانخفاض القدرة الشرائية للمواطن وارتفاع نسب الفقر من شأنه أن يؤجج الشارع على الحكومة والنظام السياسي القائم وقد تكون ثورة جديدة تحت مسمى “ثورة الجوع”.
إعداد: علي إبراهيم