أصبحت العلاقة الروسية التركية محركًا محددًا للصراع في منطقة شاسعة من شمال إفريقيا إلى آسيا الوسطى. إن الهدف المشترك لتركيا وروسيا المتمثل في جعل النظام الدولي الحالي متعدد الأقطاب يقودهما إلى التعاون في العديد من المجالات، لكن الاختلافات في النتائج المرجوة أدت إلى مواجهات متكررة في سوريا والقوقاز. ومن المرجح أن تحدد قدرة كلتا الدولتين على تجزئة أنشطتهما التعاونية والتنافسية درجة عدم الاستقرار التي تسببها سياساتهما الخارجية الحازمة.
يشترك كل من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان في معارضة النظام الدولي الحالي الذي يقوده الغرب
يريد أردوغان تحويل تركيا إلى قوة عالمية مستقلة وذات نفوذ مع البقاء كعضو رئيسي في الناتو. ويرى أن التعامل مع روسيا أمر بالغ الأهمية لتوسيع مدى وصول تركيا وتنويع شركائها خارج الغرب. كما يريد بوتين تقويض المؤسسات التي يقودها الغرب وإعادة تأسيس روسيا كلاعب أساسي في عالم متعدد الأقطاب. ويرى بوتين أن هدف تركيا المتمثل في الاستقلال الاستراتيجي هو دور فعال في تفاقم الانقسامات السياسية في الغرب وتقويض الناتو.
تعمل روسيا وتركيا على تقسيم صراعاتهما بشكل فعال
نجحت كل من روسيا وتركيا في الحفاظ على اتصالات دبلوماسية منتظمة على الرغم من دعمهما لأطراف الصراع المتعارضة في سوريا وليبيا وإلى حدٍ ما في قره باغ. بقيت هذه القنوات على حالها من خلال الأزمات الجيوسياسية أو التصعيد الذي ربما دفع دولًا أخرى في مواقف مماثلة لقطع العلاقات الدبلوماسية.
تحدث معظم المنافسة الروسية التركية بالقرب من المناطق التي يهتم بها كلا البلدين، وليس في المناطق النائية. تهدد تركيا بشكل متزايد مجال نفوذ روسيا الأساسي من خلال التواصل الثقافي والعسكري للمجتمعات التركية المسلمة في الاتحاد السوفيتي السابق وكذلك المناطق الأخرى ذات المصالح الروسية الرئيسية. يمكن لروسيا تقييد سلوك أنقرة في سوريا بالتهديد بشن هجوم موال للنظام في محافظة إدلب على الحدود التركية.
وقد يدفع هذا الهجوم الروسي 3 ملايين سوري إلى الفرار إلى الشمال، الأمر الذي سيترك تبعات خطيرة على الاقتصاد التركي وعلى مستقبل اردوغان الانتخابي. تظل روسيا الوسيط الرئيسي للسلطة في القوقاز بعد التوسط في وقف إطلاق النار بين أرمينيا وأذربيجان في تشرين الثاني 2020. وقد يعطي الكرملين الأولوية لسياسات عدائية متزايدة تجاه تركيا ردًا على الإجراءات التركية في المسارح القريبة من المصالح الأساسية للكرملين.
كلتا الدولتين على استعداد متزايد للتدخل في النزاعات والأزمات في الخارج للدفاع عن مصالحها
يريد الكرملين الاحتفاظ بالهيمنة في دول الاتحاد السوفيتي السابق (FSU)، وزيادة قدرة روسيا على إبراز القوة على الصعيد العالمي، وتوسيع الأصول الاقتصادية الروسية ووجود قواعد لها في الشرق الأوسط. وغالبًا ما تعارض هذه الإجراءات مع جهود أنقرة لتقوية القيادة التركية في الخارج القريب، والعالم الإسلامي التركي، وبين الدول النامية المتعاطفة في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وفي بقية آسيا.
كما أن تركيا مستعدة بشكل متزايد لنشر قواتها المسلحة ومعداتها العسكرية في الخارج لتشكيل صراعات لصالحها – على سبيل المثال في ليبيا وقره باغ: شجع الدعم العسكري التركي وتمكين هجوم أذربيجان في قره باغ في أواخر عام 2020، مما وفر تكلفة منخفضة وكذلك وفر فرصة لزيادة دور تركيا في القوقاز وفتح مسرح جديد للمنافسة مع روسيا. وبالمثل، فإن الجمع بين استخدام تركيا للطائرات المسيرة وانتشار وكلاء تركيا وتقديم المشورة العسكرية حوّل ميزان القوى في ليبيا لصالح القوات المدعومة من تركيا في أوائل عام 2020.
يزيد انتشار روسيا وتركيا الموسع لقوات تقليدية وقوات بالوكالة من خطر التصعيد في عدة ساحات
إن استخدام روسيا وتركيا لقوات أجنبية بالوكالة، وكذلك استخدامهما قوة جوية متطورة، بما في ذلك الطائرات المسيرة، وإرادتها لتحويل النزاعات المحلية إلى خطوط مواجهة دولية، أدى إلى بناء شبكة دولية هشة من التفاعلات التركية الروسية – بما في ذلك أوكرانيا وآسيا الوسطى والبحر الأسود. يمكن لأي من الطرفين التصعيد في مسرح ما كرد فعل على ما يحصل في مسرح آخر. ويبحث كلاهما عن فرص منخفضة التكلفة لتعطيل الآخر عند الضرورة وتقديم تنازلات في أوقات أخرى لزيادة نفوذهم في المسارح المختلفة. على سبيل المثال، شنت روسيا غارات جوية أسفرت عن خسائر كبيرة في صفوف الفصائل السورية المدعومة من تركيا بعد تقارير عن تجنيد تركيا ونشر سوريين في أذربيجان لدعم حملة باكو في قره باغ.
المصدر: معهد دراسات الحرب
ترجمة: أوغاريت بوست