تقوم دول الخليج بتغيير نهجها تدريجياً: أولئك الذين دعموا في السابق معارضة الأسد يتصالحون ببطء مع الواقع الذي ظهر ويقتربون من النظام. على الرغم من أنه ليس بالضرورة تطورًا مرحبًا به، إلا أنه قد يساعد في إضعاف قبضة إيران على سورية.
ترددت الدول العربية الرئيسية، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، حتى الآن في تطبيع علاقاتها مع نظام الأسد، واشترطت هذه الخطوة بتقدم سورية نحو حل سياسي قائم على قرار مجلس الأمن رقم 2254. ومع ذلك، مع دخول الرئيس بايدن البيت الأبيض، والمفاوضات المتسارعة بين الإدارة الأمريكية وإيران، يبدو من الممكن تغيير الموقف السعودي من سورية، بما في ذلك استنادًا إلى تقارير عن اتصالات الرياض مع إيران.
ويمكن أن تساعد العلاقات المتجددة مع نظام الأسد الدول العربية على توسيع النفوذ في سورية، وبالتالي تقليل النفوذ الايراني هناك. وعلى الرغم من الشكوك حول آفاق هذه الخطوة الدراماتيكية التي قد تتحدى الإدارة الأمريكية، فإن تطبيع العلاقات بين الرياض ودمشق قد يؤثر على بنية المنطقة ويخدم مصالح الساعين إلى كبح النفوذ الإيراني في سورية وعلى رأسهم إسرائيل.
على الرغم من انتصار بشار الأسد الظاهري في الحرب بفضل مساعدة إيران وروسيا، فإن سورية بلد مدمر. يسيطر الأسد على حوالي 60٪ فقط من أراضيها، وتستمر الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها سورية في التعمق، ولا يوجد أي احتمال للتوصل إلى تسوية سياسية في المستقبل المنظور.
ومن نواحٍ عديدة، تعتبر الأزمة في سورية “صراعًا مجمّدًا”. ومع ذلك، يمكن تحديد تغيير في الأشهر الأخيرة فيما يتعلق بالعلاقات بين البعض في الدول العربية السنية وسورية. في أوائل ايار، أفادت الأنباء أن وفدا سعوديا بقيادة رئيس المخابرات خالد حميدان زار دمشق والتقى بالأسد ورئيس المخابرات السورية اللواء علي مملوك – في اجتماع هو الأول من نوعه.
وبحسب التقرير، تم الاتفاق على إعادة فتح سفارة سعودية في دمشق كخطوة أولى في تطبيع العلاقات، يليها اقتراح بإعادة سورية إلى جامعة الدول العربية. في نهاية ايار، وصل وفد سوري إلى السعودية في أول زيارة عامة منذ عام 2011، بقيادة وزير السياحة السوري محمد مارتيني.
خلال عقد من الحرب في سورية، كانت العديد من دول الخليج تأمل في سقوط نظام الأسد، بل إن بعضها قام بدور نشط في هذا الجهد، بشكل أساسي من خلال الدعم العسكري والاقتصادي للمتمردين. في الواقع، حتى وقت قريب، كانت دول الخليج، بناءً على نهجها تجاه سورية، تنقسم إلى ثلاثة معسكرات رئيسية:
الذين قبلوا بنظام الأسد: كانت الإمارات والبحرين أول الدول العربية التي جددت علاقاتها مع نظام الأسد، رغم أنهما دعمتا معارضة الأسد في وقت مبكر من الحرب الأهلية. افتتحت الإمارات سفارتها في دمشق في كانون الأول 2018، كما إنها تساعد النظام مالياً وتعمل مع مصر لإعادة سورية إلى جامعة الدول العربية. في تشرين الأول 2020، أعادت عمان سفيرها إلى دمشق. ظلت بيئة الأعمال المريحة في دبي مصدر جذب لرجال الأعمال السوريين طوال الحرب، وبالتالي تنظر الإمارات العربية المتحدة إلى إعادة إعمار سورية على أنها تنطوي على فرص اقتصادية مهمة. وبالتالي، عارضت الإمارات بشدة قانون قيصر الأمريكي، مما يجعل من الصعب على رجال الأعمال الإماراتيين العمل في سورية.
معارضو نظام الأسد: في بداية الحرب الأهلية، دعمت قطر المتمردين الإسلاميين المتطرفين، كما رفضت الحوار معه وزعمت أن الاعتبارات الأخلاقية والقانونية التي دفعت إلى طرد سورية من جامعة الدول العربية في عام 2011 لا تزال سارية.
الذين يقفون على جانبي السياج: دول عربية أخرى، بما فيها السعودية والكويت، ترددت حتى الآن في تطبيع علاقاتها مع نظام الأسد وفضلت متابعة التطورات. لقد اشترطوا تحسين علاقاتهم مع النظام بإحراز تقدم نحو حل سياسي في البلاد على أساس قرار مجلس الأمن رقم 2254. بينما لم يلاحظ أي تغيير في الكويت، فإن التغيير المحتمل في موقف المملكة العربية السعودية تجاه سورية واضح. على الرغم من علامات الاستفهام المحيطة بآفاق هذه الخطوة الدراماتيكية، فإن تطبيع العلاقات بين البلدين في الوقت الحاضر يمكن أن يخدم مصالح الطرفين.
تعاني سورية من أزمة اقتصادية غير مسبوقة، كما أن روسيا وايران غير قادرتين على إعادة إعمار البلاد، كما أن الولايات المتحدة والدول الأوروبية لا تنويان المساعدة في إعادة الإعمار ما لم يتم تنفيذ إصلاحات سياسية واجتماعية مهمة (بروح القرار 2254). لذلك أصبحت دول الخليج مصدرًا أكثر أهمية لتخفيف الأزمة الاقتصادية وتحويل الأموال لإعادة الإعمار. علاوة على ذلك، يعمل الأسد بجد لإعادة سورية إلى جامعة الدول العربية وتعزيز مكانتها في العالم العربي، خاصة بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية في أيار، وبالتالي يحتاج إلى شرعية عربية لحكمه.
تسعى الدول العربية إلى تفادي الخطأ الذي ارتكبته في العراق عام 2003، حيث تركت الساحة أمام تدخل إيراني متزايد. في سورية، يسعون إلى توسيع نفوذهم، وتحقيق التوازن مع قوة إيران، وتقليص نفوذها، فضلاً عن الحد من النفوذ التركي القطري في البلاد.
إن دخول بايدن إلى البيت الأبيض والمفاوضات المتسارعة بين الولايات المتحدة وإيران بشأن القضية النووية هي الدوافع الرئيسية لعملية قد تؤدي، في نظر الدول العربية، إلى تغيير سلبي في ميزان القوى الإقليمي بسبب تعزيز موقف إيران. لدول الخليج مصلحة واضحة في تخفيف التوترات الإقليمية، واحتواء الضرر، وإقامة نفوذ حيثما أمكن – بما في ذلك في سورية.
المصدر: معهد دراسات الأمن القومي الاسرائيلي
ترجمة: أوغاريت بوست