تم توطيد العلاقات السياسية والاقتصادية والأمنية بين موسكو وطهران في الأشهر الأخيرة، ومن المتوقع أن تزداد العلاقات الثنائية تعمقًا. كيف سيؤثر ذلك على إسرائيل؟
لقد تعمق الاعتماد الروسي على إيران خلال الأشهر القليلة الماضية، وانعكس ذلك في مجموعة متنوعة من التطورات في مجالات الأمن والسياسة الخارجية والاقتصاد، حيث زادت موسكو من دعمها للمصالح الإيرانية. تشير العلاقات المتوترة، وخاصة المساعدة الإيرانية لروسيا في إطار حملة موسكو في أوكرانيا، إلى أن التعاون بين البلدين ليس تكتيكيًا فحسب، بل هو انعكاس لقرار استراتيجي لدى الطرفين. هذا التطور لا يؤثر فقط بشكل مباشر على حشد القوة الإيرانية، بل ويزيد من التهديد المحتمل الذي تشكله طهران لإسرائيل. وقد يؤدي أيضًا إلى محاولات روسية لتقييد حرية إسرائيل في العمل في سوريا. لذلك يجب على إسرائيل إعادة التفكير في علاقتها مع موسكو.
على مدى الأشهر القليلة الماضية، استمرت العلاقات الاستراتيجية بين روسيا وإيران في التعمق، على الرغم من المساعدة الهائلة التي قدمتها إيران لروسيا في حملتها في أوكرانيا. تتجلى هذه المساعدة في إرسال طائرات مسيرة إيرانية إلى روسيا، بعد تكييفها مع احتياجات الحرب الروسية؛ حتى أن هناك خطة قيد التنفيذ لبناء مصنع للطائرات المسيرة في روسيا قادر على تصنيع ما لا يقل عن 6000 طائرة مسيرة من طرازات مختلفة في السنوات القادمة. بالإضافة إلى ذلك، يبدو أن إيران بدأت في إرسال كميات هائلة من القذائف وقذائف الهاون، ومجموعة متنوعة من الأسلحة إلى روسيا. ومن الممكن أيضًا أن تزود إيران روسيا بصواريخها البالستية المصنعة محليًا.
إلى جانب المساعدة الإيرانية المستمرة لروسيا، زادت موسكو في الأسابيع القليلة الماضية مساعدتها العسكرية لإيران، كجزء من العلاقات الثنائية العميقة. في هذا السياق، أفادت الأنباء أن إيران اشترت طائرات مقاتلة من طراز Sukhoi SU-35 من روسيا، وأن الطائرات الثلاث الأولى قد وصلت بالفعل إلى إيران. يذكر التقرير أن إيران تعد قاعدة تحت الأرض قبل وصول الطائرات وأنها تمثل “الدفع” مقابل الطائرات المسيرة التي تم توريدها لروسيا.
في الوقت نفسه، تواصل إيران دفع المفاوضات مع الصين وروسيا لشراء وقود صاروخي وعنصر كيماوي يستخدم في إطلاق صواريخ باليستية. بالإضافة إلى ذلك، تشير تقارير مختلفة إلى أن إيران تتلقى أيضًا أسلحة غربية الصنع من روسيا، موجودة في ساحة المعركة في أوكرانيا، حتى تتمكن إيران من إعادة تصميمها؛ ومن الأمثلة التي تم الاستشهاد بها صواريخ جافلين المضادة للدبابات أمريكية الصنع. تواصل إيران أيضًا مناوراتها البحرية في الخليج العربي مع الصين وروسيا.
تمتد المساعدة بالمثل إلى عالم الإنترنت. وفقًا لتقارير مختلفة، في إطار المساعدة الروسية لإيران، التزمت موسكو بنقل أسلحة إلكترونية متطورة من شأنها تحسين القدرات الدفاعية لإيران في هذا البعد وحتى السماح لها بتعزيز أسلحتها الهجومية. قد تكون نتائج هذه المساعدة قد انعكست بالفعل في موجة الهجمات التي شنتها إيران على المواقع الإسرائيلية خلال آخر يوم ليوم القدس. بالإضافة إلى ذلك، نقلت روسيا إلى المخابرات الإيرانية أنظمة مراقبة متقدمة لمراقبة محتوى وسائل التواصل الاجتماعي، من أجل مساعدة إيران في مواجهة التحدي المحلي المتزايد المتمثل في المظاهرات المستمرة ضد النظام في جميع أنحاء البلاد.
وبالمثل، تعمل روسيا وإيران على توطيد علاقاتهما السياسية. أحد الأمثلة هو أن روسيا وافقت على إضافة إيران إلى عملية أستانا بشأن مستقبل سوريا. في الوقت نفسه، يبذل البلدان جهودًا كبيرة في توطيد علاقاتها الاقتصادية. التزمت روسيا وإيران بربط أنظمتهما المصرفية، كطريقة لتجاوز العقوبات المفروضة على استخدامهما لنظام سويفت. كما تقوم شركات النفط الروسية بتصدير النفط والغاز إلى إيران بالقطار، بسبب الرسوم المرتفعة للصادرات البحرية. كقاعدة عامة، بذلت الدولتين جهودًا مكثفة للتوصل إلى اتفاقيات تتعلق بقطاع الطاقة، واتفقتا مؤخرًا على زيادة تعاونها في إنتاج الكهرباء وإنتاج الغاز وجميع الأمور المتعلقة بالطاقة النووية.
كشفت وثيقة تم تسريبها مؤخرًا أن مصادر استخباراتية تعتقد أنه بالتوازي مع التقارب بين طهران وموسكو، لا تزال العلاقات القوية تواجه تحديات. يتنافس البلدان في نفس السوق في سياق صادراتهما النفطية. تخشى روسيا من أن إيران تستغل اعتمادها على السلاح الإيراني. تستخدم بعض وسائل الإعلام الإيرانية الخطاب المعادي لروسيا. روسيا لم تدعم إيران في مساعي العودة إلى الاتفاقات النووية، وهناك صراعات بشأن المساعدة الروسية للمفاعل في بوشهر. ومع ذلك، فإن حجم التعاون الحالي بين البلدين غير مسبوق.
من المرجح أن يؤدي التقارب بين إيران وروسيا إلى تعميق التحدي الذي تواجهه إسرائيل فيما يتعلق بحرية العمل في سوريا. في السابق، بدا أنه من الملائم لروسيا أن تهاجم إسرائيل الوجود الإيراني في سوريا، طالما لم تتضرر المصالح والجنود الروس. اليوم هذا ليس هو الحال. وعلى الرغم من الرغبة الإسرائيلية في الامتناع عن الخطوات التي “تتحدى” روسيا، فإن التقارب بين روسيا وإيران من المرجح أن يضر بالتنسيق الأمني الإسرائيلي مع روسيا في سوريا، مما يسمح لإسرائيل باستمرار “الحملة بين الحروب”. هذا، على الرغم من الحذر الإسرائيلي الشديد فيما يتعلق بروسيا، لا سيما في السياق الأوكراني، يبدو أن التقارب العسكري الروسي مع إيران قد حسن بشكل كبير من قدرات موسكو في مجموعة متنوعة من المجالات، وقد يمنحها حرية التصرف في سوريا.
من المرجح أن تستمر العلاقات بين روسيا وإيران في التعمق. على الرغم من التحديات التي تواجهها، فإن هذه الدول تخضع لعقوبات وتواجه عزلة سياسية عن الولايات المتحدة وأوروبا. وهكذا فإن استمرار التعاون الوثيق يسمح لكلا الإنجازين المهمين. خلال الأشهر القليلة الماضية، تم الإبلاغ عن وجود صفقات أسلحة إضافية بين الطرفين، بما في ذلك بيع محتمل لنظام الدفاع الجوي S400 إلى إيران. إذا تم تنفيذ هذه الصفقة، فإنه سيجعل من الصعب على إسرائيل العمل في إيران، إذا رغبت في ذلك.
بسبب اعتمادها المتزايد على إيران، تتجاهل روسيا المخاوف الإسرائيلية بالكامل. إنها تسلح إيران بقدرات تعرف أنها ستحسن بشكل طبيعي من قدرات إيران في مواجهة إسرائيل. وبالتالي، يجب على إسرائيل إعادة تقييم عناصر علاقاتها مع موسكو، مع التركيز على صادرات الأسلحة الإسرائيلية إلى أوكرانيا. يثبت السلوك الروسي أنه سواء قامت إسرائيل بتصدير الأسلحة إلى أوكرانيا أم لا، فإن موسكو لن تغير سياستها تجاه إيران. تدفع إسرائيل ثمناً سياسياً باهظاً، خاصة مع الإدارة في واشنطن، لسياستها الحذرة تجاه أوكرانيا – وهو ثمن غير ضروري بالنظر إلى السلوك الروسي تجاه إيران. علاوة على ذلك، كلما زادت مخاوف الإدارة الأمريكية بشأن العلاقات الوثيقة بين موسكو وطهران، والتي تعتبرها تهديدًا مباشرًا لها ومصالحها، كلما قلت قدرة إسرائيل على “الإمساك بالعصا من كلا الطرفين” والحفاظ على حاضر العلاقة مع روسيا.
المصدر: معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي
ترجمة: أوغاريت بوست