أوغاريت بوست (مركز الأخبار)-تشير المعطيات الميدانية مع إطلاق معركة إدلب (المؤجلة) منذ أكثر من عام، إلى مضي القوات الحكومية وروسيا لحسم الملف عسكرياً، أو أقله السيطرة على الطريقين الدوليين M4 – M5، في مرحلتها الأولى، وفق تفاهمات آستانا وسوتشي، وما تمخض عنها من إحداث منطقتي “خفض التصعيد” و “منزوعة السلاح” . وعقب أيام قليلة من بدء المعركة، حققت القوات الحكومية تقدماً سريعاً وباتت على مشارف مدينة “معرة النعمان” الاستراتيجية، على طريق حلب ـ دمشق الدولي، وسط تحركات سياسية تركية تجاه موسكو على أمل التوصل إلى مقايضات جديدة، والحديث عن وساطات للتوصل إلى اتفاق بين فصائل المعارضة السورية والقوات الحكومية لتسليم المدينة. فما هي السيناريوهات القادمة؟
خلال أيام من إطلاق المعركة وصلت القوات الحكومية إلى مشارف مدينة “معرة النعمان” على الطريق الدولي
وخلال أيام من إطلاق معركة “إدلب” الخميس المنصرم، تغيرت خارطة النفوذ الميدانية شمال غرب سوريا، حيث تمكنت القوات الحكومية المدعومة روسياً من السيطرة على عشرات القرى والبلدات من الجهة الشرقية لمحافظة إدلب، وباتت على مشارف مدينة “معرة النعمان” الاستراتيجية على الطريق الدولي حلب ـ دمشق والتي يعرف بـ M5.
وتضع القوات الحكومية الطريقين الدوليين، حلب ـ دمشق، حلب ـ اللاذقية نصب عينها، في المرحلة الراهنة، تنفيذاً لأحد بنود اتفاق “سوتشي” الخاص بإدلب بين روسيا وتركيا.
إلى ذلك تحدثت وسائل إعلامية، عن وجود مفاوضات بين القوات الحكومية وفصائل المعارضة السورية، لتسليم مدينة “معرة النعمان” وفق اتفاق شبيه باتفاقات الجنوب السوري، إلا أن المتحدث باسم المعارضة المسلحة، ناجي مصطفى، نفى ذلك في تصريحات صحفية، أمس، مؤكداً أن المعارك في محاور إدلب الشرقي والجنوبي مستمرة.
القوات الحكومية تحاصر نقطة المراقبة التركية في بلدة الصرمان وهي الثانية بعد أخرى في مورك
وكانت القوات الحكومية سيطرت على بلدة جرجناز والقرى المحيطة بها، وتمكنت من محاصرة نقطة المراقبة التركية المتمركزة في بلدة الصرمان في ريف “معرة النعمان” وبذلك تصبح النقطة التركية الثانية التي تحاصرها القوات الحكومية السورية، بعد النقطة المتمركزة في مورك بريف حماة الشمالي في أغسطس/ آب الماضي؛ وهما ضمن 12 نقطة مراقبة تركية في محيط محافظة إدلب وفق التفاهمات الروسية ـ التركية.
بالتزامن مع زيارة وليد المعلم.. وفد تركي زار موسكو على أمل التوصل إلى تفاهمات جديدة بشأن ملف إدلب
سياسياً، تحركت تركيا تجاه موسكو على أمل التوصل إلى تفاهمات جديدة بشأن هذا الملف، أو ربما تكريس التفاهمات السابقة التي تمخضت عن اتفاق سوتشي العام الماضي، حيث أرسل الرئيس التركي ، رجب طيب أردوغان،، وفدا رسميا يترأسه نائب وزير خارجيته، سدات أونال، لإجراء مباحثات مع المسؤولين الروس.
وكان من الملفت تزامن زيارة الوفد التركي مع آخر سوري برئاسة وزير الخارجية، وليد المعلم، إلى موسكو، لمناقشة العملية السياسية وعمل اللجنة الدستورية في جنيف، إلى جانب التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين، حسب الوسائل الإعلام الرسمية.
أردوغان يهدد أوروبا بورقة اللاجئين مجدداً من أجل دفع الغرب للتدخل لدى روسيا لإيقاف التصعيد
وعلى وقع المعارك في إدلب، شهدت المحافظة موجة نزوح جديدة تجاه الحدود التركية، ومناطق أخرى تسيطر عليها فصائل المعارضة السورية شمال البلاد. وهو الأمر الذي عاد الرئيس التركي بالتلويح به مجدداً في وجه الدول الأوربية، حيث قال “أن بلاده لا يمكن أن تتحمل بمفردها عبء موجة هجرة جديدة من إدلب السورية” موضحاً أنه في هذه الحالة “لا مهرب من تكرار مشاهد الهجرة إلى أوروبا، وخصوصاً اليونان” التي حصلت قبل اتفاقية مكافحة الهجرة بين تركيا والاتحاد الأوروبي في 18 مارس/آذار 2016.
ولطالما لوحت تركيا بورقة اللاجئين من أجل دفع الغرب للتدخل لدى روسيا لإيقاف التصعيد، حيث يهدد الأتراك على الدوام بالسماح بتدفق موجات اللاجئين عبر البحر المتوسط باتجاه أوروبا، في حال عدم تدخل الأوروبيين لدى موسكو لإيقاف الأعمال القتالية.
ما السيناريوهات القادمة؟
تكشف تحليلات عديدة عن النوايا الروسية التي تقف خلف هذه المعركة، حيث يشكل عقدة الطريقين الدوليين M5 – M4 أساس الخلاف بين الأطراف الضامنة لاتفاق منطقة “خفض التصعيد” شمال غرب سوريا، وخاصة مع دخول ملف شمال شرق سوريا، بين الطرفين الرئيسيين في الاتفاق تركيا وروسيا، وتمكن الأخيرة من دخول “شرق الفرات” ما ضيقت أبواب التفاوض أمام أنقرة؛ التي باتت في موقف ضعيف، مع الظروف الدولية التي تحاصرها إثر عملية “نبع السلام” وتدخلاتها في ليبيا
ويرى خبراء أن مدينتي معرة النعمان وسراقب ستكونان هدفا المرحلة الراهنة من العملية، للسيطرة على الطريق الدولي من خان شيخون جنوباً؛ والتي سيطرت عليها القوات الحكومية قبل أشهر، حتى سراقب شمالاً، وقد تتبعها عملية عسكرية في ريف حلب لاستكمال السيطرة على باقي حلب ـ دمشق (M5).
وعلى المحور الآخر يضيف هؤلاء الخبراء إلى أن روسيا ستزيد من هجماتها على منطقة كبانة بريف اللاذقية، لإتمام السيطرة على منطقة سهل الغاب وحصار المنطقة الجنوبية من إدلب، واستكمال السيطرة على الطريق الدولي الثاني حلب ـ اللاذقية (M4)
مراقبون: معركة إدلب تأتي ضمن مقايضات وتفاهمات روسية ـ تركية يتداخل فيها ملفي “شرق الفرات” وليبيا
إلا أن مراقبون يشيرون إلى أن التصعيد العسكري الأخير، هو امتداد لتفاهمات بين ضامني آستانا خلال قمة أنقرة في 16 أيلول/ سبتمبر الماضي، ضمن المقايضات التي تمت، حيث كان التدخل التركي في شمال شرق سوريا حاضراً، إلى جانب منطقة تل رفعت بريف حلب الشمالي؛ والتي تطالب تركيا بالسيطرة عليها. يضاف إليها الأزمة الليبية والتطورات الميدانية المتسارعة هناك، إذ أن لكلا الطرفين وكلاء فيها، على غرار سوريا.
إعداد: رزان أيوبي