دمشق °C

⁦00963 939 114 037⁩

ماذا تعني إعادة انتخاب أردوغان لدول الخليج العربية؟

أجريت الانتخابات التركية في وقت كانت فيه المنطقة قد دخلت بالفعل في عصر التهدئة والتطبيع. في هذا السياق، كانت نتيجة الانتخابات في تركيا مهمة لدول الخليج التي تبحث عن سياسة خارجية تركية يمكن التنبؤ بها في فترة ما بعد الانتخابات.

حافظت دول الخليج على موقف محايد دون الإدلاء بأي تصريحات من خلال القنوات الرسمية أو غير الرسمية خلال موسم الانتخابات في تركيا، حيث تبنت في الغالب نهج “الانتظار والترقب”. ومع ذلك، كانت نتيجة الانتخابات حاسمة للغاية بالنسبة لهم، وذلك لأن تركيا لاعب رئيسي في المنطقة وتمتلك دول الخليج استثمارات ومشاريع كبيرة وفقًا لرؤيتها الوطنية الطموحة.

كانت القيادات في دول الخليج من أوائل الذين هنأوا الرئيس رجب طيب أردوغان على إعادة انتخابه. أعربت دول الخليج على الفور عن التزامها القوي بالحفاظ على العملية الجارية لتعزيز العلاقات مع أنقرة وتحسينها خلال ولاية أردوغان المقبلة.

مع تأمين أردوغان لولاية أخرى مدتها خمس سنوات الآن، ما هي الخطوة التالية للعلاقات التركية الخليجية؟ بالنظر إلى الأجواء الحالية للمصالحة في المنطقة، ستواصل أنقرة إعطاء الأولوية لعلاقاتها مع دول الخليج، التي تُعد جهات فاعلة مهمة في أسواق التجارة والدفاع التركية.

في هذا الصدد، ستحاول أنقرة تعميق علاقاتها الاقتصادية والسياسية والأمنية مع دول الخليج منفردة. عند القيام بذلك، من المرجح أن تستمر العلاقات التركية الخليجية في طابعها الشخصي كما كانت في العقدين الماضيين. اليوم، يستخدم العديد من القادة الدبلوماسية الشخصية في إقامة علاقات مع قادة أجانب كـ “طريق مختصر” لتحقيق أهداف السياسة الخارجية.

من المؤكد أن أردوغان هو أحد هؤلاء القادة في العالم الذين يستخدمون قوة الدبلوماسية الشخصية، والتي غالبًا ما تُعتبر طريقة عملية لحل الأزمات وتوسيع التعاون الثنائي. لذلك، من المرجح أن تجلب السنوات الخمس المقبلة من ولاية أردوغان استمرارًا لتعاون الشخصيات في مجموعة من المجالات.

في العصر الجديد، بصفتها جهة خارجية، يجب على تركيا أن تضع استراتيجية موحدة وشاملة تجاه مجلس التعاون الخليجي نفسه، بينما لا يزال بإمكانها الاستمرار في التعاون الثنائي مع دول مجلس التعاون الخليجي الفردية في ملفات منفصلة. لا تزال العلاقات بين تركيا ودول مجلس التعاون الخليجي تتطلب شراكة استراتيجية ومؤسسية قوية. قد تجلب السياسة الخارجية الشخصية فوائد بحد ذاتها، لكن تحقيق المستوى المؤسسي من شأنه أن يحول العلاقة إلى مشاركة مستدامة يمكن أن تعزز العلاقات إلى مستوى جديد تمامًا.

إلى جانب ذلك، تتمتع العلاقات الثنائية بين تركيا ودول مجلس التعاون الخليجي بديناميكياتها الخاصة. على سبيل المثال، حالة العلاقة التركية السعودية مثيرة للاهتمام. كانت العلاقات بين أنقرة والرياض ودية نسبيًا خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، لكنها شهدت انكماشًا حادًا خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. مع بداية عشرينيات القرن الحادي والعشرين، عمل كلا البلدين مرة أخرى على استعادة الاتجاه الإيجابي. تشير جهود المصالحة الأخيرة إلى أنه من المرجح أن يستمر الزخم الإيجابي الذي تحقق.

في ظل القيادة الحالية في البلدين، من المتوقع أن تواصل أنقرة والرياض متابعة أجندات السياسة الخارجية الطموحة. هناك ثلاثة مجالات رئيسية، وهي الاقتصادية والدفاعية والإقليمية/الدولية، حيث من المتوقع أن تتطور العلاقة التركية السعودية على مدى السنوات الخمس المقبلة. وقع كلا البلدين صفقات متعددة في آذار مع وضع هذا الهدف في الاعتبار. بالإضافة إلى ذلك، قد يكون هناك تعاون أوثق في القضايا الإقليمية الأخرى ذات الاهتمام المشترك.

يشار إلى أن قطر، التي تحسنت علاقات أنقرة معها بشكل سريع في العقد الماضي، كانت أول دولة خليجية تهنئ أردوغان على نجاحه الانتخابي. ومن المرجح أن تشهد خمس سنوات أخرى المزيد من الاستثمارات القطرية في تركيا بالتوازي مع الدور المتنامي لصناعة الدفاع التركية في قطر. على الرغم من أن العلاقات التركية القطرية وجدت أرضية صلبة بسبب العوامل الإقليمية والعالمية، لا ينبغي الاستهانة بدور القيادات في تعزيز هذه العلاقة.

كما ستشهد العلاقات التركية القطرية تعاونًا أوثق في القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك. على سبيل المثال، ستكون سوريا ومسألة إعادة اللاجئين السوريين في تركيا من بين تلك القضايا. في خطاب النصر، قال أردوغان إن تركيا ستعيد مليون سوري على الأقل إلى شمال سوريا، بعد تحريرهم من الجماعات الإرهابية، من خلال مشروع إسكان تدعمه قطر. إلى جانب سوريا، ستكون ليبيا والسودان ملفات إقليمية من المرجح أن تواصل تركيا وقطر التعاون معها.

هناك بالتأكيد مجالات يمكن أن تتعاون فيها دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، مثل الإمارات العربية المتحدة، مع تركيا في عهد أردوغان. هذا الأسبوع، صادقت تركيا والإمارات على اتفاقية التجارة الحرة، التي تم توقيعها في آذار، لزيادة التجارة بين البلدين إلى 40 مليار دولار في السنوات الخمس المقبلة. يبقى أن نرى ما إذا كانت دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى ستتبع نفس المسار.

وفي الوقت نفسه، من الضروري أيضًا مراعاة البعد الدولي، لا سيما نتيجة الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2024 والتي قد تؤثر بشكل كبير على علاقات تركيا مع دول الخليج. مع أخذ ذلك في الاعتبار، تجدر الإشارة إلى أنه لا تزال هناك خلافات سياسية بين تركيا وبعض دول مجلس التعاون الخليجي على الأطراف المشاركة في تفاهم “الاتفاق على الاختلاف” لتجنب المآزق المستقبلية.

ومن المتوقع أن يزور أردوغان دول الخليج ومصر قريباً، الأمر الذي يعكس أهمية دول الخليج في أجندة السياسة الخارجية التركية في الفترة المقبلة. في ضوء عملية التقارب الأخيرة مع دول الخليج، دعونا نأمل في نهج تركي جديد في منطقة الخليج قد يتجاوز الترابط الاقتصادي والأمني ويتضمن بعدًا اجتماعيًا ثقافيًا لتحقيق منافع طويلة الأجل لجميع الأطراف.

المصدر: صحيفة عرب نيوز السعودية

ترجمة: أوغاريت بوست