دمشق °C

⁦00963 939 114 037⁩

لماذا تمنع واشنطن هيئة تحرير الشام من التوسع في شمال سوريا؟

مع التحفظ الذي استمر طوال أيام الاقتتال الداخلي ودون تدخل حتى من قبل الحليف الرئيسي تركيا، أثار القتال بين الفصائل السورية المعارضة في شمال حلب تساؤلات مرة أخرى حول طبيعة الأدوار الدولية في المنطقة.

خلال المواجهات، أفادت وسائل إعلام متمركزة في شمال شرقي سوريا عن مخطط تركي يدعم تمركز قوات هيئة تحرير الشام في المنطقة في محاولة لشطب هيئة تحرير الشام من قائمة الإرهاب من خلال دمجها مع فصائل معتدلة أخرى.

نقل موقع ميدل أيست آي الإلكتروني عن عدة مصادر مطلعة على الأمر قولها إن الفرع السابق للقاعدة في سوريا قد انسحب إلى حد كبير من عفرين التي تسيطر عليها تركيا بعد أسبوعين تقريبًا من الاستيلاء على المدينة الشمالية.

وفقًا لمصدر أمني تركي رفيع، فإن هيئة تحرير الشام، المصنفة كمنظمة إرهابية من قبل تركيا وحلفاء الناتو، قد سحبت معظم قواتها من عفرين ذات الأغلبية الكردية السورية.

وقال المصدر للموقع: “سيخرجون قريبًا تمامًا لأنهم غادروا بالفعل مع الجزء الأكبر من مقاتليهم”.

ولم يبد الجانب الأمريكي موقفًا من القتال بينما أعرب عن رفضه لتوسع هيئة تحرير الشام في شمال محافظة حلب على حساب الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا.

وظهرت تساؤلات حول سبب وقف تقدم هيئة تحرير الشام نحو المنطقة، سواء كان ضغطًا تركيًا أم دفعًا أمريكيًا، خاصة وأن الخلاف بين الأطراف المتحاربة لم يقترب حتى من حل أو صيغة مشتركة.

العلاقات الأمريكية التركية في المنطقة

وبحسب ملخص لجلسة مجلس الأمن الدولي بشأن الأوضاع في سوريا، تلقت عنب بلدي نسخة منه، قال الممثل البديل للشؤون السياسية الأمريكية الخاصة السفير روبرت وود إن هيئة تحرير الشام، يجب أن توقف تحركاتها التصعيدية في المنطقة التي عانت من العنف الكافي.

وسبق ذلك اعتذار المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، نيد برايس، عن عدم الإدلاء بتصريح محدث عندما سأله أحد الصحفيين عن موقف الولايات المتحدة من توسع هيئة تحرير الشام شمال حلب.

وأشار في ذلك الوقت إلى أن حالة عدم الاستقرار في سوريا وقدرة “الجماعات المتطرفة والإرهابية” على استخدام الأراضي السورية لتشكيل “قاعدة تخطيط” تشكل مصدر قلق للولايات المتحدة وحلفائها.

المحلل السياسي حسن النيفي قال لعنب بلدي إن التغييرات في صيف 2016 حددت النفوذ الأمريكي في مناطق شمال غرب سوريا. وزاد بشكل خاص بعد طرد حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (PYD) من عفرين في 2018.

باستثناء بعض العلاقات والروابط غير المباشرة مع القوات الموجودة في مناطق شمال حلب، يكاد النفوذ الأمريكي في المنطقة معدوم بعد سلسلة الأحداث الأخيرة.

وأضاف النيفي أن هذه الروابط غالبًا ما كانت “غير مريحة” للجانب التركي الذي كان حريصًا منذ البداية على أن تكون هذه المناطق تحت إشرافه المباشر دون تأثير أي جهة دولية أخرى.

لذلك، “لا يمكن الاعتراف بدور أمريكي مباشر في شمال حلب على وجه الخصوص، باستثناء ما سبق ذكره”، بحسب النيفي.

وأضاف أن التدخل التركي كان له “دور حاسم” في وقف تقدم مقاتلي هيئة تحرير الشام نحو المدن الشمالية، وفي الوقت نفسه لم يستبعد أن يأتي التدخل التركي بضغط أمريكي.

وأيد الباحث مزاحم السلوم فرضية تراجع المصلحة الأمريكية وحصرها في المستوى الأمني ​​والعمل الاستخباري فقط.

واعتبر السلوم أن تركيا راضية عن توسع هيئة تحرير الشام على حساب الجيش الوطني شمال حلب بسبب حالة فصائل المنطقة التي شهدتها تركيا خلال السنوات الماضية، وأصبحت مؤخرًا مصدرًا للأزعاج لها.

وفي المقابل، أشار السلوم إلى أن تركيا لم تتأثر بنموذج هيئة تحرير الشام، خاصة وأن بعض الفصائل المقاتلة شمال حلب دخلت مؤخرًا مرحلة عدم الانصياع للأوامر التركية.

القلق بشأن التوسع المحتمل

بعد أسبوع من المواجهات العسكرية في شمال حلب، صرحت السفارة الأمريكية في سوريا على حسابها الرسمي على تويتر في 18 تشرين الأول، “نشعر بالقلق من التوغل الأخير لهيئة تحرير الشام، وهي منظمة إرهابية، في شمال حلب. يجب سحب قوات هيئة تحرير الشام من المنطقة على الفور”.

وأضافت السفارة: “تشعر الولايات المتحدة بقلق عميق إزاء أعمال العنف الأخيرة في شمال غرب سوريا. على جميع الأطراف حماية أرواح المدنيين وممتلكاتهم”.

محمود علوش، الخبير في الشؤون التركية، قال لعنب بلدي، إن النشاط الأمريكي في سوريا منذ عدة سنوات اقتصر على مناطق شرق الفرات، تاركًا تراجعًا واضحًا في شمال غرب سوريا.

لكن بطبيعة الحال، فإن غياب الوجود الأمريكي في المنطقة لا ينفي اهتمام الولايات المتحدة بالحركات المتشددة مثل هيئة تحرير الشام والجماعات الجهادية في المنطقة.

وأضاف علوش أن هذا القلق يشمل التنسيق بين الولايات المتحدة وتركيا على الجبهة الأمنية لمراقبة قدرات هيئة تحرير الشام وأي فصيل جهادي آخر في المنطقة.

واعتبر الخبير أن من مصلحة تركيا الحفاظ على الأوضاع في ريف حلب الشمالي بشكله الحالي ومنع هيئة تحرير الشام من استغلال الوضع للتوسع خارج مناطق نفوذها في محافظة إدلب.

سيطرت هيئة تحرير الشام على عدة مدن وبلدات استراتيجية، أبرزها عفرين وجندريس.

وأضاف علوش “رغم أنباء انسحابها، لا تزال قوات هيئة تحرير الشام منتشرة في بعض المناطق بريف حلب، وسط تحذيرات من نشطاء محليين وروايات إعلامية مقربة من الفيلق الثالث مما وصفوه بـ “خيانة قائد هيئة تحرير الشام أبو محمد الجولاني وخداعه ومراوغته”.

الولايات المتحدة ومصالحها مع هيئة تحرير الشام

يقول الباحث السياسي حسن العبد الله، على الرغم من تصنيف واشنطن لهيئة تحرير الشام في قوائم الإرهاب، إلا أنها لا توافق على هزيمتها أمام الروس والنظام السوري، لأنها لا تريد أن يحقق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أي نفوذ أو انتصار جديد.

وهذا يبرر أفعالها ضد هيئة تحرير الشام على شكل بيانات إدانة وهي راضية عن رصد وجمع المعلومات في المنطقة الشمالية.

واعتبر النيفي أن استهداف واشنطن لقادة تنظيم (داعش) في أوقات سابقة لم يكن ليكون بهذه الدقة لولا تعاون هيئة تحرير الشام معها.

ويؤدي ذلك إلى استنتاج أن جسور التعاون بين الأمريكيين وبعض القوى في شمال غرب سوريا هي جسور أمنية وليست علاقات من شأنها أن تمنح واشنطن دورًا مؤثرًا، بحسب الباحث.

من جانبه يرى مزاحم السلوم أن علاقة هيئة تحرير الشام بواشنطن ليست جديدة، خاصة وأن الأخيرة تمرر ملفات أمنية إلى أمريكا عبر دول المنطقة، وأبرزها الملفات المتعلقة بتنظيم داعش في شمال غرب سوريا.

من ناحية أخرى، نقلت هيئة تحرير الشام خلال فترات زمنية متفاوتة أسماء شخصيات القاعدة الذين كانوا رفقاء سابقين لأبي محمد الجولاني إلى الأمريكيين من أجل تصفيتهم دون تدخل مباشر، بحسب السلوم.

استراتيجية هيئة تحرير الشام شبيهة بالنموذج اللبناني، بحسب الباحث، حيث تضفي الشرعية على وجود “أمير حرب” متورط في جرائم حرب داخل الدولة، كما حدث سابقاً مع حركة طالبان في أفغانستان، خاصة مع حالة الحياد النسبي الأمريكية بشأن وجود هيئة تحرير الشام في المنطقة، الأمر الذي أوحى للسوريين أن هيئة تحرير الشام أجبرت الأمريكيين على التفاوض معها.

المصدر: موقع عنب بلدي

ترجمة: أوغاريت بوست