على الرغم من بعض النجاح الذي تحقق في القمة العربية الثالثة والثلاثين في المنامة يوم الخميس، فمن شبه المؤكد أن حرب الاستنزاف سوف تطول أمدها في غزة، مما يجعل فلسطين وإسرائيل خاسرين.
ومن غير المرجح أن تحظى فكرة عقد مؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط، كما اقترحها ملك البحرين حمد في القمة، بإجماع. ولن يلتفت العالم العربي إلى دعوة العالم العربي لنشر قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية إلى أن يتم تنفيذ “حل الدولتين”.
لن توافق إسرائيل على إقامة دولة فلسطينية، ليس فقط بسبب عناد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بل أيضاً لأن الجمهور الإسرائيلي كشف عن معارضته للفكرة، على الرغم من الإجماع العالمي حولها. وعلى الجانب الآخر، لن تتصالح الفصائل الفلسطينية المتباينة مع بعضها البعض، ولن يقبل “محور المقاومة” الفلسطيني تولي منظمة التحرير الفلسطينية السلطة.
إن الحرب في غزة لن تتوقف ما دامت الولايات المتحدة تفشل في ممارسة ضغوط جدية على إسرائيل، وما دام حلفاء حماس في المنطقة لا يقنعون قادتها بمغادرة غزة.
ومع ذلك، كانت المجموعة، الغائبة عن قمة المنامة، في الطرف الآخر من بعض التصريحات اللاذعة من الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الذي اتهمها بـ “تقديم الأعذار” لإسرائيل لمهاجمة غزة في المقام الأول. وقال الرئيس عباس إن “العملية العسكرية التي نفذتها حماس من جانب واحد في 7 تشرين الأول قدمت لإسرائيل المزيد من الذرائع والمبررات لمهاجمة غزة وقتل وتدمير وتهجير شعبها”.
وردت الجماعة قائلة في بيان إن هجوم تشرين الأول يمثل “أهم حلقة في نضالنا الفلسطيني… إعادة قضيتنا إلى قمة قائمة الأولويات”.
لكن المكاسب الاستراتيجية التي تتحدث عنها حماس لا توجد إلا في خيال قيادتها. إن واقع غزة اليوم يتلخص في الدمار الشامل، واحتلال إسرائيل لجزء كبير من أراضيها، والتهجير القسري لأكثر من مليون شخص، وأزمة جوع غير مسبوقة.
صحيح أن تصرفات إسرائيل أصبحت مكشوفة أمام العالم. ولكن من الصحيح أيضاً أن قيادتها ــ وقيادتها حماس ــ نجحت في هدم “حل الدولتين” وتأجيل إنشاء الدولة الفلسطينية إلى أجل غير مسمى.
لا شك أن تصريحات عباس في البحرين كانت جريئة، والسلطة الفلسطينية تستحق دعما ملموسا من الدول العربية. فهو لا يحتاج فقط إلى تأكيد ثابت على أن السلطة الفلسطينية هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، بل إنه يحتاج إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة لمعالجة الدعم المالي الأقل من المتوقع الذي تتلقاه حكومة رام الله من المجتمع الدولي.
من جانبه أكد العاهل الأردني الملك عبد الله على ضرورة دعم السلطة الفلسطينية وحشد الجهود الدولية لمنع فصل الضفة الغربية عن قطاع غزة. وهو يدرك، بعد كل شيء، أن التهديد الذي يواجه الأردن لا يأتي من إسرائيل فحسب، بل أيضاً من الفصائل الفلسطينية المتطرفة.
لكن في الوقت نفسه، تحتاج السلطة الفلسطينية إلى إثبات أنه تم القضاء على الفساد في صفوفها، وأنها تعمل جاهدة على تشكيل حكومة تكنوقراط جادة تتناسب مع الوضع الحالي. وبخلاف ذلك، فإن دعوة السيد عباس لن تحظى إلا بالقليل من التعاطف ولن تجمع سوى القليل من الأموال.
وفي الوقت نفسه، كانت الخطب التي ألقاها زعماء عرب آخرون في المنامة جديرة بالملاحظة، وخاصة تلك الموجهة إلى إسرائيل.
على سبيل المثال، انتقد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان “العدوان الغاشم” الذي تمارسه إسرائيل على “إخواننا الفلسطينيين”، مؤكدا أن الرياض جادة في وضع حل الدولتين في مقدمة شروطها لإقامة علاقات مع إسرائيل.
ودعا الأمير محمد إلى العمل المشترك مع المجتمع الدولي لوقف “عدوان قوات الاحتلال”. كما كرر مبادرة السلام العربية التي تم اقتراحها في قمة بيروت عام 2002، والتي أوضحت بالتفصيل موقف المملكة العربية السعودية الداعم لحق الشعب الفلسطيني في “إقامة دولته المستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية”.
ورحب بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الأخير الذي يعترف بأن دولة فلسطين مؤهلة للحصول على العضوية الكاملة في الهيئة، ودعا الدول إلى “الاعتراف الثنائي” بالدولة.
وهذه الرسائل مجتمعة هي في المقام الأول رسائل موجهة إلى إسرائيل. وهم في الأساس يذكرون حكومتها بالشروط المختلفة ــ بما في ذلك معادلة الأرض مقابل السلام ــ التي يتعين تلبيتها قبل أن يصبح من الممكن إقامة العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل.
وبعبارة أخرى، علقت الرياض علاقتها المستقبلية مع إسرائيل، في انتظار اتخاذ خطوات جادة نحو إنشاء دولة فلسطينية قابلة للحياة. وفي هذه العملية، أظهرت صرامة تجاه إسرائيل بينما شعرت في الوقت نفسه بالارتياح في علاقتها مع الولايات المتحدة، التي تسعى معها إلى التوصل إلى اتفاق أمني، مستقلاً عن أي ترتيب ثلاثي أميركي-سعودي-إسرائيلي.
في غضون ذلك، سلط الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الضوء على مخاوفه بشأن التهجير القسري للفلسطينيين واندلاع المزيد من الفوضى في المنطقة وسط تدهور علاقة القاهرة مع إسرائيل.
ولا يوجد أي تهديد بانهيار معاهدة السلام بين البلدين، لكن السيد السيسي قال إن “هذه اللحظة الحاسمة تفرض خيارا على جميع الأطراف المعنية”، وهو “بين طريق السلام والاستقرار والأمل، أو مسار الفوضى والدمار الناجم عن التصعيد العسكري المستمر في غزة”.
ومن الجدير بالذكر أيضًا دعوة الملك حمد لعقد مؤتمر للسلام في المنطقة. ولكن على الرغم من أن هذه قضية نبيلة، إلا أنها تحتاج إلى أن تكون مصحوبة باقتراح ملموس وخريطة طريق متماسكة.
والولايات المتحدة أيضاً ليست مستعدة لعقد مثل هذا المؤتمر لأنها تفضل التركيز على جهودها الرامية إلى إنهاء الحرب في غزة، والتي تنطوي على هزيمة حماس، قبل المضي قدماً في أي اتفاق إقليمي كبير. إلى جانب ذلك، يبقى السؤال حول من سيشارك في هذا المؤتمر. على سبيل المثال، هل سيكون الدبلوماسيون الأميركيون على استعداد للجلوس أمام المسؤولين الروس على طاولة السلام، في وقت تدور فيه حرب مشتعلة في أوكرانيا؟
علاوة على ذلك، فإن اقتراح قمة المنامة بنشر قوات دولية في الأراضي الفلسطينية إلى أن يتم التوصل إلى حل الدولتين قد تم تجميده في مهده عندما أشارت واشنطن إلى أن هذا الاقتراح يمكن أن يضر بجهود إسرائيل الرامية إلى هزيمة حماس. (من جانبها، يبدو أن المجموعة عازمة على مواصلة القتال، حيث تعتقد قيادتها أن حرب الاستنزاف ــ التي تنطوي على القتال في المناطق الحضرية والأنفاق ــ قد تكون في مصلحتها).
لقد تم بث الكثير من الملاحظات من قمة المنامة، بدءاً من الأمن العربي والأمن العالمي من خلال الملاحة، إلى معالجة تأثير إيران في المنطقة. ولكن ربما كانت النتيجة الأبرز هي غياب الإرادة الجماعية لمواجهة إسرائيل، ولكن في الوقت نفسه، تراجع الرغبة الجماعية في بناء العلاقات معها.
المصدر: صحيفة ذا ناشيونال الاماراتية
ترجمة: أوغاريت بوست