حتى مع شن إسرائيل ضربات انتقامية ضد إيران صباح يوم السبت، كانت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تبذل جهدًا أخيرًا لتأمين وقف إطلاق النار في غزة. ويتمثل هدفها الأساسي في جلب الهدوء إلى الشرق الأوسط، الأمر الذي قد يعزز بدوره فرص نائبة الرئيس كامالا هاريس في الانتخابات الرئاسية الشهر المقبل.
في هذه الأثناء، كان خصم السيدة هاريس، الرئيس السابق دونالد ترامب، يتودد أيضًا إلى القوى الرئيسية في الشرق الأوسط في محاولة لتقديم نفسه كبطل للسلام الدائم وليس وقف إطلاق النار المؤقت.
ولأول مرة، برزت أهمية تصويت الأميركيين العرب في ولايات متأرجحة رئيسية مثل ميشيغان، مما دفع فريق بايدن-هاريس إلى القيام بمحاولة في اللحظة الأخيرة لتأمين السلام، من خلال الموازنة بين الدبلوماسية والتصعيد العسكري وسط أزمة ثقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل. والواقع أن إدارة بايدن تحولت بين تأييد بعض الإجراءات الإسرائيلية والتعبير عن عدم الرضا عن قيادتها لقرارات أخرى.
ويبدو أن الإدارة تشعر بأنها لا تملك خيارا سوى الدفع نحو اتفاق أولي لوقف إطلاق النار المؤقت الآن. وهذا ليس مفاجئا، نظرا لأن النجاح قد يؤمن إرث السيد بايدن، ولكن أيضا لأن الرئيس يعتقد أن مقتل زعيم حماس يحيى السنوار يمثل فرصة يجب اغتنامها.
خلال زيارته الأخيرة للشرق الأوسط، حمل وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن مقترحاته المتواضعة إلى قطر ومصر، بهدف إقناع حماس بقبول اقتراح وقف إطلاق النار مصحوباً بترتيبات انتقالية تمهد الطريق لرؤية “اليوم التالي” لغزة.
تتضمن هذه الرؤية تفاصيل مثل إدارة غزة، بما في ذلك من سيتولى المهمة من منظور فلسطيني، ومن سيشارك في إعادة تأهيل الفلسطينيين تدريجياً عند عودتهم إلى ديارهم. كما تتضمن المساهمة في جهود إعادة الإعمار. ومع ذلك، فإن كل هذا سيأتي لاحقًا، لأنه يتطلب الوقت والالتزامات الصعبة من جميع الأطراف.
وفي حديثه للصحافيين في قطر، التي لعبت دور الوسيط بين إسرائيل وحماس، قال بلينكن إن المفاوضين سيعودون إلى الدوحة لاستئناف المحادثات.
وفي الوقت نفسه، خاطب كبير الدبلوماسيين الأميركيين إسرائيل بضرورة “النزول إلى أسفل السلم”. وقال إن إسرائيل حققت معظم أهدافها في حرب غزة، وإن الوقت قد حان لتحويل هذه النجاحات إلى مكاسب دائمة. ويبدو هذا التعليق بمثابة تلميح إلى أن واشنطن قدمت لإسرائيل الدعم المعنوي والسياسي والعسكري لتحقيق أهدافها في غزة وفي لبنان، حيث تقاتل حزب الله، والآن حان الوقت لإنهاء حربها.
ولكن لكي تضع إسرائيل الأساس لتحول نوعي في علاقاتها مع القوى الإقليمية الرئيسية، وخاصة المملكة العربية السعودية، فإنها تحتاج إلى الإعلان عن نيتها عدم البقاء في غزة كقوة احتلال، ولا زرع المستوطنين هناك. كما يتطلب الأمر الاعتراف بمبدأ حل الدولتين وضمان إعادة الجيب إلى شعبه، والمساهمة في أمن المناطق التي تنسحب منها والسماح لسلطة بقيادة فلسطينية بتولي مسؤولية أمور تتراوح من الأمن إلى تحسين الظروف المعيشية وبناء مؤسسات الدولة.
وبعبارة أخرى، لكي يحدث هذا، يجب أن تتحول الحكومة من التكتيكي إلى الاستراتيجي في طريقة تفكيرها بشأن الأزمة.
من المؤكد أن فريق ترامب سيتابع تحركات إدارة بايدن باهتمام. ومع بدء الصراع تحت أنظار خصمه، ومع غضب الناخبين اليهود والعرب ــ وخاصة الجيل الأصغر سنا ــ فإن الرئيس السابق يعرف أنه لن يتحمل اللوم على ذلك.
ومن ناحية أخرى، تدرك السيدة هاريس أن الصورة التي قد ترسمها الحرب الإسرائيلية على جبهات متعددة باستخدام أسلحة تزودها بها الولايات المتحدة، والتي تخلف وراءها آثاراً مدمرة وخسائر بشرية بين المدنيين، تشكل خطراً كبيراً عليها. ولهذا السبب يعتقد فريقها أن تأمين إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين من قبضة حماس والتوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة أفضل من استمرار الحرب.
لكن السؤال الرئيسي هو ما إذا كانت إيران سترد على الضربات الإسرائيلية على بعض أصولها العسكرية والتي أدت إلى مقتل أربعة جنود.
وكان فريق بايدن-هاريس قد ألمح في وقت سابق للقيادة الإيرانية إلى أن تأخير أو تخفيف أو إلغاء الضربات الإسرائيلية على بلادها سيتطلب منها الضغط بشكل جدي على حزب الله للانسحاب من جنوب لبنان وفرض وقف عملياته ضد إسرائيل، وهو ما يعني فعليًا وقف إطلاق النار من الجانبين.
ولكن تداعيات أفعال إسرائيل على آفاق السلام في المنطقة وعلى نتائج الانتخابات الأميركية لا تزال غير واضحة.
إن المعضلة الاستراتيجية التي تواجهها إيران اليوم تتلخص في ما إذا كانت ستواصل دعم وكلائها في الشرق الأوسط ــ بغض النظر عن التكلفة التي قد تترتب على ذلك من دمار للدول التي تعمل فيها ــ أو تتخلى عن هذه الاستراتيجية في محاولتها لإنهاء العقوبات الدولية المفروضة عليها وتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة. وتتظاهر حكومة طهران في بعض الأحيان بأنها مستعدة للتكيف مع احتياجات العلاقة المرغوبة مع الغرب، ولكنها في أحيان أخرى تبدو غير راغبة في التخلي عن عقيدة تشكل جوهر وجودها.
وإذا ما اختارت إيران الخيار الأول وضغطت على حزب الله لحمله على الانسحاب من جنوب لبنان وتنفيذ قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1701، فقد تساهم هذه الخطوة في دعم مساعي السيدة هاريس للترشح للرئاسة، ولكن الأهم من ذلك أنها قد تحقق مكاسب ملموسة لنفسها. بل إن مثل هذه الخطوة قد تؤدي إلى تقليص الأساس المنطقي لبعض الأعمال المدمرة التي تقوم بها إسرائيل في لبنان وأماكن أخرى.
المصدر: صحيفة ذا ناشيونال الإماراتية
ترجمة: أوغاريت بوست