أوغاريت بوست (مركز الأخبار) – لأول مرة في تاريخ البلاد، تخطى الدولار الأمريكي عتبة الـ10 آلاف ليرة سورية، وذلك بعد أن حافظت العملة على استقرارها لفترة وجيزة، يأتي ذلك في ظل إغلاق معظم المحلات التجارية ومراكز الصرافة بسبب السعر غير المستقر، مع ارتفاع جنوني بأسعار المواد والسلع الغذائية والأساسية، في ظل تضاءل قدرة المواطن السوري الشرائية.
تعليق العقوبات والعودة “للحضن العربي” لم يفيد الاقتصاد السوري
وكان السوريون يمنون النفس في أن تتصلح الأوضاع بشكل أكبر وعلى كافة الأصعدة في بلادهم، خاصة بعد العودة إلى الجامعة العربية والانفتاح العربي والإقليمي على سوريا، وسط آمال في أن تستقر الأوضاع الاقتصادية وتستعيد الليرة شيئاً من قيمتها، ووقف الانهيار الاقتصادي.
إلا أن ما حصل بعد نحو شهرين من عودة سوريا للجامعة العربية والتطورات التي رآها السوريون ايجابية في إطار حل أزمتهم، تخطت الليرة السورية عتبة الـ10 آلاف ليرة، ووصلت إلى أكثر من 10500 ليرة لكل دولار واحد، بينما جاءت تسعيرة المصري المركزي لأسعار الحوالات بـ9200 ليرة حتى يوم الجمعة، في انهيار غير مسبوق للعملة المحلية.
ويتخوف الكثير من السوريين من المرحلة القادمة، أي مرحلة ما بعد استئناف العقوبات الغربية والأمريكية على البلاد بعد انتهاء مهلة التعليق للأسباب الإنسانية، وذلك بعد أن علقت هذه الأطراف عقوباتها بعد الزلزال المدمر الذي ضرب البلاد في شباط/فبراير الماضي، لمساعي إنسانية ومساعدة السوريين على تخطي الكارثة، والإعلان عن تمديدها لـ6 أشهر اضافية.
خبراء: الليرة تنهار حتى مع غياب العقوبات.. والسياسة النقدية هي المسؤولة
وترجح أوساط خبيرة بالاقتصاد أن تشهد الليرة المزيد من الانهيار حتى قبل استئناف العقوبات الغربية التي أعلن الاتحاد الأوروبي في وقت سابق من يوم الجمعة استمرار تعليقها لمواجهة تداعيات الزلزال المدمر الذي ضرب سوريا، حيث كانت من المفترض أن تستأنف العقوبات في أيلول/سبتمبر القادم، وهو ما يمكن أن يكبح ولو بشكل بسيط جماع انهيار العملة المحلية.
مشددين على أن القدرة الشرائية للمواطنين السوريين في ظل تدني الأجور والرواتب ستنخفض بشكل أكبر بعد الانخفاض الجديد لليرة أمام الدولار، محملين الحكومة السورية وسياساتها النقدية المسؤولية الأساسية لهذا الانهيار، لافتين إلى أن ما تدعيه دمشق بالحصار والعقوبات الغربية هي أسباب ثانوية، مشيرين إلى أن تعليق العقوبات وعدم تخفيض المركزي لتسعيرة الدولار حتى مع انخفاضها في السوق السوداء دليل على ذلك.
ارتفاع الأسعار يأتي مع اعتماد التجار بيع بضاعتهم بالعملة الصعبة
الارتفاع الجنوني على الأسعار مع كل ارتفاع للدولار الأمريكي في سوريا، يكون بسبب اعتماد التجار وأصحاب المحلات في بيع بضاعتهم على سعر الصرف في وقته، وهو ما يجعل الأسعار تزداد ليس فقط بشكل يومي، بل من ساعة لأخرى، ومع تدني الأجور والرواتب في البلاد والفقر المدقع الذي يعيشه أغلب الشعب، فإن لذلك تأثير كبير على قدرتهم الشرائية.
ولا يتم على الإطلاق الاعتماد على السعر الذي يحدده المصرف المركزي من قبل التجار وأصحاب المحلات، والذي غالباً ما يكون أقل من سعر السوق السوداء من ألف إلى 1200 أو 1500 ليرة.
إغلاق المحال التجارية مع تذبذب سعر الصرف
ومع الارتفاع الجنوني على الأسعار، وتبدل أسعار الصرف بشكل ساعي، أقدمت العديد من محال التجارة على إغلاق أبوابها في المدن الكبرى في سوريا، وذلك كون التجار وأصحاب المحلات يقولون إنهم يخسرون في ثمن البضاعة بما أن سعر الصرف غير مستقر والليرة تفقد قيمتها أكثر خلال ساعات.
وجاء ذلك بعد أن تخطت الليرة عتبة الـ10 آلاف لكل دولار واحد، ومع إصدار المصرف المركزي نشرته والتي رفعت بموجبها سعر الصرف إلى 9200.
ضغوطات للحكومة على أصحاب المحلات لفتحها
بدوره قال موقع “اقتصاد” المحلي نقلاً عن مصادر لم يسمها، بإن دوريات التموين بمرافقة عناصر أمنية، تقوم بجولات على المحال التجارية وطلبت من أصحابها فتحها، وإلا ستضطر لكسر أقفالها، وهو ما أجبر أصحاب المحال على فتحها، لكنهم يرفضون البيع للزبائن، جراء تراجع سعر الصرف باستمرار.
ووفقا للتقرير ذاته، أكد أحد أصحاب هذه المحال، أن ما يبيعونه للزبون اليوم بسعر معين، سوف يضطرون غدا لشرائه من تجار الجملة بسعر أعلى، وهو ما يعني خسارتهم، وطالب “الجهات المعنية” أن لا تجبر التجار على دفع الخسارة، وإنما عليهم ضبط الأسواق من خلال ضبط سعر الصرف.
مراكز الصرافة في الشمال تغلق أبوابها
بالتزامن مع ذلك، أكدت مصادر إعلامية محلية من المناطق الشمالية الشرقية، بأن أغلب مراكز الصرافة في مدينتي الحسكة والقامشلي أوقفت عمليات البيع والشراء للعملة المحلية والدولار والأجنبية، مشيرين إلى ركود يسود الأسواق بعد انهيار سعر صرف الليرة.
ويعيش أكثر من 95 بالمئة من الشعب السوري تحت خط الفقر، بينما يعاني أكثر من 14 مليون مواطن من الانعدام الغذائي وهو ما أكدته التقارير الأممية،.
وفي ظل عدم وجود أي حلول من قبل الحكومة السورية للحد من انهيار الليرة وتحكم التجار والجشعين بالأسواق وبسعر الصرف، يجد المواطن السوري نفسه أمام واقع اقتصادي مأساوي في ظل تقاضيه ما مجموعه أقل من 10 دولارات شهرياً، حيث أن هذا المرتب الشهري لا يكفي مصروف يوم واحد.
وأدت الأزمة الاقتصادية والضغوطات النفسية والعائلية التي ترافقها، بانتشار وتزايد حالات الانتحار بين فئات المجتمع السوري، وخاصة الفئة الشابة.
إعداد: رشا إسماعيل