أوغاريت بوست (مركز الأخبار) – شهدت العاصمة الروسية موسكو، الثلاثاء، أول اجتماع بين مسؤولين سوريين وأتراك إلى جانب نظرائهم الروس والإيرانيين بعد محاولات حثيثة من قبل موسكو لإجماع هذه الأطراف على طاولة واحدة، في إطار تطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة، بعد قطيعة سياسية دامت أكثر من عقد.
دمشق تصر على الانسحاب.. وتباين بالآراء حول مغادرة القوات التركية
الاجتماع جاء مع تمسك الحكومة السورية بمطالبها للارتقاء بمستوى المفاوضات مع الجانب التركي وحتى يقال بأن هناك مفاوضات بين الطرفين لإعادة العلاقات، وعلى رأس هذه المطالب “الانسحاب التركي من كامل الأراضي السورية و محاربة الإرهاب وعدم تدخل أنقرة بشؤون سوريا الداخلية”، وهي مطالب سبق وأن أبدت تركيا موقفها منها وقالت أن تنفيذها “غير ممكن”.
ووسط هذه التطورات تطفو إلى السطح تساؤلات حول مستقبل التواجد التركي في سوريا، وهل حقاً أنقرة ستقوم بالانسحاب من الأراضي السورية لأجل إعادة العلاقات مع دمشق، هنا اختلفت أوساط سياسية وتباينت آراء الكثيرين، منهم من قال أن تركيا تعيش أزمات اقتصادية وسياسية ومجتمعية، ولكي يتم وضع حد لهذه الأزمات وما جلبته أنقرة على نفسها جراء سياساتها وتدخلاتها العسكرية في سوريا، “نعم هي مستعدة للانسحاب من سوريا” طالما أن ذلك سيحقق الاستقرار فيها، ويفتح الباب أمام تسريع جهود إعادة اللاجئين السوريين لبلادهم.
ماذا بشأن الشمال ؟
البعض الآخر، رفض فكرة “الانسحاب التركي” بشكل مطلق، ورأى أن تركيا ستواصل دعم “الثورة”، ولن تسمح بأن يحدث أي فراغ عسكري في المناطق الشمالية الغربية السورية، والذي سيفتح الباب أمام تصعيد عسكري ومحاولة دمشق وموسكو وطهران السيطرة على هذه المنطقة، وهو ما سيفتح الباب أمام موجات هجرة جديدة نحو الداخل التركي.
بينما جاء الرأي الثالث، أن هذا الاجتماع المنعقد في موسكو لن يجلب أي تطورات سريعة على الساحة السورية، حيث هناك بطئ شديد في مستوى تطوير العلاقات بين أنقرة ودمشق، مشددين أن تركيا ليس بوارد الانسحاب الكامل والسريع حتى مع حصولها على ضمانات لـ “حماية أمنها القومي” وإبعاد قوات سوريا الديمقراطية عن الحدود ومجيء القوات العسكرية السورية الرسمية، إضافة إلى إيجاد حل لمعضلة الشمال وعدم حدوث أي تصعيد فيه، كون ذلك سيؤدي حتماً لموجة هجرة جديدة نحو تركيا.
تركيا تسيطر على 7 مدن رئيسية في الشمال السوري
وخلال سنوات الحرب في سوريا، كان لتركيا اليد الطولة في تأزيم الصراع وديمومته، من خلال دعم فصائل المعارضة وفتح الحدود على مصراعيه لدخول الجماعات المسلحة إلى الأراضي السورية لقتال الحكومة، كما نفذت أنقرة عدد من العمليات العسكرية في الأراضي السورية سيطرت خلالها على مدن رئيسية كإدلب وجرابلس وإعزاز وعفرين ورأس العين وتل أبيض، وهددت أكثر من مرة بتوسيع رقعة سيطرتها ضمن المناطق الشمالية الشرقية التي تسيطر عليها الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية.
دمشق: لا مؤشرات ايجابية بخصوص انسحاب تركيا
وفي تصريحات للصحفيين بعد الاجتماع في موسكو بصيغة رباعية قال رئيس الوفد السوري نائب وزير الخارجية، أيمن سوسان، “لم نرَ حتى الآن أي مؤشرات إيجابية بخصوص انسحاب القوات التركية من سوريا، أو بخصوص محاربة الإرهاب والقضاء عليه في شمال غرب سوريا وبالأخص في إدلب”.
وأضاف: “إذا كان الجانب التركي جاداً فعلاً في تصحيح العلاقة مع سوريا، وفي احترام سيادتها ووحدتها وسلامة أراضيها وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، فلا أعتقد أنه سيكون هناك صعوبة في التجاوب مع ما نطرحه”.
أنقرة: النظام السوري يحاول تخريب عملية التقارب
سبق ذلك تصريحات رسمية تركية من قبل المتحدث باسم الرئاسة، ابراهيم كالن، “إن النظام السوري يحاول تخريب عملية التقارب بين الجانبين”، وأوضح أن اجتماع نواب وزراء الخارجية سيناقش ثلاث قضايا رئيسية، وعلى رأسها محاربة الإرهاب ودفع العملية السياسية واللجنة الدستورية وإعادة اللاجئين.
وتنظر أنقرة لقوات سوريا الديمقراطية ومن بينها وحدات حماية الشعب الكردية YPG على أنها “إرهابية”، بينما تتقاطع دمشق في هذا الوصف حيث تدعي أنها “انفصالية”، ويمكن اعتبار ذلك أحد العوائق في نجاح الحوار، كما ليس هناك بوادر أن تقوم روسيا وإيران باعتبار هذه الأطراف كما تعتبرها أنقرة، كونها تعبر عن جزء كبير من النسيج السوري، ويرى حلفاء دمشق أنه من الممكن الحوار معهم، وهذا ما لا تراه طهران وموسكو في فصائل المعارضة.
دمشق ليست مستعجلة.. و “اتفاقية أضنة” قد تكون الحل
وتشدد أوساط سياسية أن الحكومة السورية ليست مستعجلة على التطبيع مع تركيا على عكس أنقرة التي تريد انجاز أي شيء في الملف السوري، ليقوم حزب العدالة والتنمية باستثماره في صالح رفع الشعبية والحظوظ في الفوز على المعارضة التركية، مشيرين إلى أن المعارضة التركية ورغم أنها أعلنت أنها جاهزة للحوار مع دمشق، إلا ان موسكو لا ترغب بوصولها للسلطة كونها موالية للغرب، وقد تشارك أوروبا بالضغط السياسي والعسكري على روسيا الغارقة في المستنقع الأوكراني.
وترى هذه الأوساط أن الأطراف الأربعة قد تتوافق على “إعادة تفعيل معاهدة أضنة وتعديلها”، ويمكن لدمشق أن توافق على هذه النقطة، كونه سيكون هناك تنسيق كامل بين الطرفين في أي تحرك عسكري تركي داخل الأراضي السورية، مشددين أن طريق التطبيع سيكون طويلاً وقد يمتد لما بعد الانتخابات الرئاسية التركية.
إعداد: علي إبراهيم