أوغاريت بوست (مركز الأخبار) – في ظل تعتيم إعلامي كبير، تواصل السلطات التركية ترحيل اللاجئين السوريين المقيمين على أراضيها إلى مناطق سيطرة فصائل المعارضة الموالية لها و”هيئة تحرير الشام/جبهة النصرة” المدرجة على قوائم الإرهاب الدولية والأممية، وذلك على الرغم من ما تشهده هذه المناطق من تصعيد عسكري سواءً في منطقة “خفض التصعيد” وأرياف حلب، دون أي اعتبار لما سيمثله هذا العنف من خطر على حياتهم، إضافة إلى حالة الفلتان الأمني والفوضى والأزمة الاقتصادية والمعيشية التي تسود هذه المناطق.
تركيا هي من خلقت أزمة اللجوء السورية
وتدخلت تركيا عسكرياً في 2016 في سوريا من خلال شنها لعمليات عسكرية بحجة محاربة “تنظيم داعش الإرهابي” الذي كان يسيطر على مدن جرابلس وإعزاز والباب بريف حلب، إضافة إلى عمليات عسكرية أخرى شنتها ضد قوات سوريا الديمقراطية وقبلها وحدات حماية الشعب، بحجة “حماية أمنها القومي”، وتسببت هذه الحروب التي شنتها أنقرة بتهجير ملايين السوريين إلى تركيا، بعد أن فتحت الأخيرة حدودها على مصراعيه للفارين من هول الحروب.
إلا أنه خلال السنوات الماضية تغير تعامل الحكومة التركية مع السوريين، كما بدأت بالترويج إلى أن اللاجئين السوريين يشكلون عبئاً اقتصادياً ومجتمعياً على البلاد، وساندت أحزاب موالية للحكومة والمعارضة بهذه الحملة، ما أدى لخلق جو عام في المجتمع التركي يرفض وجود السوريين ويدعون لترحيلهم.
“العنصرية والعداء” سلاح “رسمي” تركي ضد اللاجئين السوريين
واستخدمت حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان ورقة اللاجئين السوريين وإعادتهم إلى بلادهم في الحملة الانتخابية للانتخابات الرئاسية التي مضت، وذلك في ظل حملة “عنصرية وعدائية” شنت ضد السوريين ودعوات تطالب بترحيلهم من قبل كافة الشرائح في المجتمع التركي والانتماءات السياسية.
ومنذ سنة من الآن صعدت السلطات التركية من عمليات ترحيل اللاجئين السوريين من أراضيها، سواءً من لديهم أوراق ثبوتية أو لا يملكونها، وكانت السلطات التركية تحدثت أنه تم إعادة ما يصل إلى نصف مليون لاجئ سوري إلى ما أسمتها “المنطقة الآمنة” وهي مناطق تسيطر عليها تركيا مع فصائل معارضة موالية لها، في أرياف الحسكة والرقة وحلب، وهي مناطق تفتقر للاستقرار الأمني والعسكري وتشهد حالة فلتان أمني وفوضى واقتتالات بين الفصائل المسلحة المختلفة، إضافة إلى عمليات قصف من قبل قوات الحكومة السورية والروسية.
“عمليات ترحيل في ظل ظروف غير إنسانية ولا قانونية”
وتأتي عمليات الترحيل القسرية هذه، كما يصفها المرحلون، الذين يؤكدون أنها تأتي في ظل ظروف غير إنسانية ولا أخلاقية ولا قانونية، مع تعتيم إعلامي كامل من قبل وسائل إعلامية محلية وتركية وعربية وحتى دولية، باستثناء بعض المواقع والوكالات التي تغطي عمليات الترحيل القسرية.
وفي هذا السياق، كشفت تقارير إعلامية محلية عن ترحيل السلطات التركية خلال الأسبوعين الماضيين ما يزيد عن 6800 لاجئ سوري، وتشير إلى أن عمليات الترحيل تجري بشكل شبه يومي عبر معابر تسيطر عليها تركيا وفصائل المعارضة في “الجيش الوطني” و “هيئة تحرير الشام/جبهة النصرة”، حيث يتم اقتياد المرحلين قسراً للمراكز الأمنية للتحقيق معهم، وهناك من يتم اعتقاله من قبل هذه الأطراف العسكرية ويتم استغلال ذويه لدفع فديات مالية مقابل إطلاق سراحهم.
“في 14 يوماً.. 6800 مرحل قسري إلى الشمال”
وفي التفاصيل، فإنه خلال 14 يوماً، رحلت السلطات التركية 6800 لاجئ سوري، منهم 2580 تم تسليمهم “لتحرير الشام” عبر معبر باب الهوى الحدودي، فيما تسلمت فصائل “الجيش الوطني” من معبري باب السلامة وتل أبيض، 3590 لاجئ سوري، بينهم نساء وأطفال، جرى اقتيادهم لمراكز إيواء للتحقيق معهم، حيث يتم إرغام المرحلين على توقيع أوراق “العودة الطوعية” وأخذ بصمات أيديهم وأعينهم كيلا يعودوا مرة أخرى إلى الأراضي التركية.
فيما كشفت مصادر لشبكة “أوغاريت بوست” الإخبارية، بأن هناك الكثيرين من اللاجئين المرحلين يعودون مرة أخرى للأراضي التركية وذلك عبر مساعدة قيادات وعناصر فصائل “الجيش الوطني” وذلك مقابل الحصول على مبالغ مالية تصل أحياناً إلى أكثر من 1000 دولار أمريكي.
“اعتقالات وطلب فديات مالية وإعادة تهريب المرحلين”
كذلك يتم اعتقال البعض الآخر، ممن هم من المكون الكردي، ويقطن في مناطق ومدن كردية، ويتم التواصل مع ذويهم لطلب فديات مالية كبيرة وبالدولار الأمريكي لإطلاق سراحهم، والتهديد بأنه في حال عدم دفع الفدية سيتم إلصاق تهم “التعامل مع الأحزاب والجهات السياسية الكردية” والزج بهم في السجون، كما أن هذه الحالة تتكرر مع مرحلين آخرين ومن جميع المكونات السورية.
وتشير هذه المصادر إلى أن المرحلين قسراً وخلال نقلهم إلى مراكز الإيواء المؤقتة للتحقيق معهم، يتم سلبهم ممتلكاتهم الخاصة، من نقود وأجهزة اتصال ومجوهرات وغيرها، وسط معاملة سيئة وغير إنسانية ولا أخلاقية يتعرض لها المرحلون في مراكز الإيواء.
“9 آلاف مرحل قسراً خلال تشرين الأول”
وكانت السلطات التركية رحلت خلال الشهر الماضي، تشرين الأول/أكتوبر، قرابة 9 آلاف لاجئ سوري إلى شمالي سوريا، من معابر باب الهوى وباب السلام وتل أبيض.
وفي إحصائية قدمتها إدارة هذه المعابر، فإنه تم ترحيل 2832 شخصاً من معبر باب الهوى، الذي تسيطر عليه “تحرير الشام” خلال الشهر الماضي.
أما عبر معبر باب السلامة، التي تسيطر عليه فصائل المعارضة الموالية لأنقرة، ذكرت مصادر إدارية أنه تم ترحيل 4338 شخصاً.
وعبر معبر تل أبيض الحدودي، الخاضع لسيطرة فصائل المعارضة الموالية لأنقرة أيضاً، قالت مصادر إدارية أنه تم ترحيل ما يقارب الـ1900 شخص، وذلك تحت “مسمى العودة الطوعية”، ومن بين المرحلين نساء وأطفال.
“رايس ووتش: تركيا ترحل السوريين بشكل تعسفي”
وسبق أن أكدت منظمة “هيومن رايس ووتش” في تقرير لها، أن السلطات التركية ترحل بشكل تعسفي المئات من الرجال والفتيان والنساء والأطفال السوريين المقيمين على أراضيها وبشكل قسري، وأكدت أن عمليات الترحيل تجري في ظل ظروف غير إنسانية ولا قانونية، وطالبت السلطات التركية بالكف عن عمليات الترحيل هذه خاصة في ظل ما تعيشه البلاد ومناطق الشمال من تصعيد عسكري وفلتان وفوضى.
إعداد: علي إبراهيم