مرة أخرى، أصبحت المصالحة التركية السورية على جدول الأعمال، وهذه المرة مع تقدم العراق لتقديم الوساطة.
قد يكون ظهور العراق في هذا الدور بمثابة مفاجأة للبعض، نظراً لتاريخه المعقد من الاضطرابات والصراع الداخلي والتدخل الأجنبي. ولكن على الرغم من هذه التحديات، يسعى العراق بنشاط إلى اعتماد نهج دقيق في التعامل مع الصراعات الإقليمية، بالاعتماد على خبرته وموقعه لتمكين الحوار بين الأطراف المتصارعة.
وقد أثبتت نفسها بالفعل في المصالحة السعودية الإيرانية، التي توسطت فيها الصين في نهاية المطاف ولكن بعد جهود الوساطة التي بذلتها بغداد، التي استضافت سلسلة من المحادثات بين القوتين الإقليميتين. بالإضافة إلى ذلك، أكد مسؤول إيراني مؤخرًا أن المحادثات بين إيران ومصر تجري في بغداد.
أعرب رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، عن التزام حكومته بالتوسط في المصالحة بين أنقرة ودمشق، مذكراً بدور بلاده في اتفاق التطبيع بين طهران والرياض. وقال السوداني “نحن نحاول إنشاء مثل هذا الأساس للمصالحة والحوار بين سوريا وتركيا. إن شاء الله سنرى بعض الخطوات في هذا الصدد قريباً”.
وكان الهدف الرئيسي للمحادثات بين المسؤولين الأتراك والسوريين والروس رفيعي المستوى في عام 2022 هو القضاء على الإدارة الذاتية التي يقودها الأكراد في شمال سوريا. وفشلت المحادثات بعد أن ضغطت دمشق من أجل انسحاب القوات التركية من سوريا، وهو ما لا يمثل خياراً لأنقرة ما لم يتم القضاء على “التهديد” الكردي. ولم تتغير ظروفها.
ومع ذلك، بالنسبة لكل من إيران وروسيا، فإن المصالحة التركية السورية ليست أولوية الآن. على سبيل المثال، عزت روسيا الانهيار الأخير لخطوات التطبيع إلى الحرب في غزة. ومنذ ذلك الحين، لم تتغير الأوضاع في غزة؛ بل تدهور الوضع مع تزايد الضحايا والدمار. وفي ضوء فشل المحاولات الروسية والإيرانية لإجراء محادثات تركية سورية، تدخل العراق.
يتمتع العراق بميزة على دول المنطقة الأخرى عندما يتعلق الأمر بالمصالحة التركية السورية. علاقاتها التاريخية مع كل من تركيا وسوريا تمنحها مكانة فريدة كوسيط. فهي جارة لكليهما، وليست معزولة عن الآثار المدمرة للأزمة السورية.
قد يكون لعرض السوداني للوساطة ثلاثة دوافع: أولاً، رداً على مبادرات أنقرة الأخيرة بعد زيارة أردوغان إلى العراق. ثانياً، رغبة السوداني في توضيح مكانة بغداد الإقليمية وسياسة خارجية جديدة تسعى إلى بناء علاقات إقليمية وجسر الفجوات بين الأطراف المتصارعة. ثالثاً، كجزء من استراتيجية أوسع لمعالجة التحديات الأمنية على طول حدودها، والمتعلقة بمكافحة الإرهاب وإدارة اللاجئين، وتعزيز بيئة مواتية للتعاون الاقتصادي.
وعلى الرغم من كفاءة العراق المثبتة في التوسط في النزاعات الإقليمية، فإن تحقيق نتائج مهمة في المصالحة التركية السورية وإيجاد أرضية مشتركة بين أنقرة ودمشق سيكون أمرًا صعبًا. هناك مصالح متباينة بين تركيا وسوريا، ومشاركة جهات فاعلة إقليمية ودولية أخرى. وقد تواجه محاولة الوساطة العراقية أيضًا تشككًا من الولايات المتحدة وروسيا وإيران ودول الخليج، التي لها مصالحها وأجنداتها الخاصة في المنطقة.
النتيجة لا تزال غير مؤكدة. وإذا طُلب من قوة عالمية أن تلعب الدور الذي لعبته الصين في الاتفاق السعودي الإيراني، فإن روسيا ستكون الخيار الوحيد. إن محاولة الوساطة العراقية واعدة، لكن الطريق إلى المصالحة لا يزال محفوفا بالتعقيدات، وقد تكون المهمة خارج قدرة بغداد على حلها بشكل مستقل.
المصدر: صحيفة عرب نيوز السعودية
ترجمة: أوغاريت بوست