الهجوم الذي شنته ميليشيات السراج ومرتزقة أردوغان على قاعدة الوطية، كان جزءا من مخطط توتير الأوضاع بشكل لا عودة فيه للهدنة الإنسانية.
أمر تركي قطري وصل إلى الميليشيات والمرتزقة بالدفع نحو الحرب
لا تكف ميليشيات حكومة فائز السراج عن محاولاتها لإشعال الحرب على مختلف محاور القتال سواء في طرابلس أو في طوق مصراتة، وذلك بخرقها المتعمد للهدنة الإنسانية، فما يهمها هو استفزاز الجيش والدفع به إلى رد قوي، يدفع نحو استئناف المعارك والعودة بها إلى ما كانت عليه قبل الـ12 من يناير الماضي. ولعل في الهجوم على قاعدة الوطية الجوية المتاخمة للحدود مع تونس، الدليل على أن الأمم المتحدة والدول الكبرى لا تزال تعيش ذات الوهم الذي تورطت فيه منذ عقود، وهو الوثوق في ميليشيات تحمل السلاح دون أيّ انضباط أو وعي بالقوانين والأسس المرجعية للعسكرية كعمل يخضع لضوابط تجسدها الجيوش النظامية باعتبارها تخضع لقيادات قابلة للمساءلة، بينما تفتقد إليها الميليشيات التي عادة ما تتشكل من أفراد غير مهيئين لفهم القوانين الدولية أو للتعامل مع أخلاقيات الميدان، بقدر ما يندفعون بغرائز البحث عن مكاسب مالية أو سياسية أو اجتماعية أو خدمة مشاريع عقائدية أو حزبية أو طائفية.
الأيام الماضية شهدت نقل المزيد من المرتزقة والسلاح من تركيا إلى طرابلس ومصراتة، في تحدّ معلن للقرارات الدولية. هناك اتفاق بين الميليشيات والراعي التركي وقوى الإسلام السياسي على أمرين مهمّين وهما استهداف تمركزات الجيش، والادعاء بأنه المسؤول عن انهيار الهدنة. فأحداث السنوات الماضية علّمت الميليشيات والإخوان أن العالم لا ينتبه إلى الحقائق الميدانية بقدر ما ينتبه إلى من يصرخ أكثر، ومن يتفوّق على غيره في فبركة الأكاذيب واعتماد التضليل الإعلامي وخاصة عندما يكون مدعوما من المموّل القطري.
تعمدت حكومة الوفاق تكوين مركز للعزل الصحي لمرضى كورونا في قاعدة معيتيقة التي تحولت إلى مستعمرة تركية، والتي يشهد جناحها المدني الاستمرار في نقل المرتزقة عبر رحلات جوية لم تنقطع حتى بعد الإجراءات التي أقرتها حكومة السراج للتوقي من كورونا، بينما بات جناحها العسكري مخصصا للضباط الأتراك، ولإطلاق الطائرات على الأهداف العسكرية والمدنية، وهذا يعني أن على الجيش أن لا يستهدف تلك القاعدة وإلا أصبح متّهما بتعمد قصف مقر لعزل مرضى كورونا.
فَتْحُ مركز العزل الصحي تزامن مع الإعلان عن أوّل حالة كورونا أعلنت عنها وزارة صحة حكومة فائز السراج الثلاثاء، وفي ذلك إشارة إلى أن قاعدة معيتيقة المحتلة من قبل الأتراك، أصبحت محصنة إنسانيا من الاستهداف العسكري، لتنطلق ميليشيات أسامة الجويلي المدعومة بالمرتزقة بعد ساعات في الهجوم على قاعدة الوطية الجوية الخاضعة لسيطرة الجيش الوطني منذ عام 2014، والتي تعتبر أكبر قاعدة من نوعها في البلاد، والوحيدة غير المهيّأة إلا للأعمال العسكرية، عكس بقية القواعد التي تضم أجنحة للنشاط الجوي المدني.
الجويلي الذي ينتمي إلى مدينة وقبائل الزّنتان قاد في الهجوم على قاعدة الوطية مسلحين محليين ومرتزقة سوريين وأفارقة لاستهداف قاعدة أغلب العاملين فيها من أبناء مدينته وقبيلته الموالين للجيش الوطني، وهذا كاف لمعرفة ما يتم التخطيط له في الغرف المظلمة، فالميليشيات تسعى إلى تأجيج حرب بين أبناء المنطقة والأسرة الواحدة.
كذلك، وعلى جميع محاور القتال تقوم الميليشيات المدعومة بمرتزقة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالتحرش بالجيش، حدث هذا في عين زارة وطريق المطار وصلاح الدين والمشروع والهيرة والرملة، وفي شرق مصراتة وجنوبها، بهدف جرّ القوات المسلحة إلى خوض معركة يقول أمراء الحرب إنها محسومة لفائدتهم بفضل الدعم التركي وآلاف المرتزقة الذين تم نقلهم من شمال غرب سوريا إلى شمال غرب ليبيا.
لا تقف الميليشيات عند ذلك، بل ترفع من وتيرة إرهابها بقصف الأحياء المدنية في ترهونة وقصر بن غشير، ويخرج من بين قادتها من يقول إن هدفهم مسح مدينة ترهونة من على الأرض، والسبب واضح وهو أنها الحاضنة الأساس لتمركز الجيش في المنطقة الغربية، وهي منطلق اللواء التاسع المعروف بدوره الحاسم في ساحة المواجهات.
خلال الأيام الماضية، وصل إلى الميليشيات والمرتزقة أمر تركي قطري بالدفع نحو الحرب، وذلك لعدد من الأسباب منها، أولا اعتقاد نظام أردوغان أن الجيش الوطني منهمك في الإشراف على تنفيذ إجراءات حظر الجولان التي فرضها في المناطق الخاضعة لسيطرته. وثانيا انصباب اهتمام العالم بما فيه الدول المؤثّرة في الملف الليبي على أزمة كورونا وبالتالي ليس بوسعه اتخاذ أيّ إجراء مؤثر يخص الوضع في ليبيا. وثالثا لأن بقاء الجيش في مواقعه الحالية يمثل انتصارا له عشية إحياء الذكرى الأولى لإطلاق عملية طوفان الكرامة في الرابع من أبريل القادم. ورابعا لأن حالة الجمود ستدفع إلى استمرار غلق الحقول والموانئ النفطية بما يزيد من الضغط المالي والاقتصادي على حكومة السراج، ومن ورائها على سياسة النهب التي يعتمدها أردوغان.
كما لم يعد خافيا أن عمليات الاستنزاف التي يمارسها الجيش تواصلت خلال الفترة الماضية وأدت إلى مقتل أعداد من المرتزقة، وانهيار معنويات أعداد أخرى، حتى إن ما لا يقل عن ألف مرتزق سوري طلبوا علانية إعادتهم إلى بلادهم، كما بات واضحا أن هناك صراعا خفيا بين ميليشيات محلية باتت ترى أنها مستهدفة من وزير الداخلية فتحي باشاغا، وجماعات المرتزقة التي تمارس نوعا من المكابرة إضافة إلى الحظوة التي تحظى بها ماليا، وأصبح هناك من يؤكد أن تجاوز الخلافات بين الطّرفين هو الدفع بهما معا لميادين القتال في حرب يراد لها أن تندلع في أقرب وقت.
قد تندد الرئيسة المؤقتة للبعثة الأممية، ستيفاني ويليامز، بالعمليات العسكرية وتنادي بوقفها، وتتبنى ادعاءات الميليشيات بأن الجيش الوطني يخرق الهدنة أو يقصف المدنيين، مثلما فعلت الثلاثاء في بيان عن استهداف سجن الرويمي بعين زارة، ولكن المؤكد أن هناك دفعا للحرب الطاحنة، وفق رهان تركي قطري إخواني ميليشياوي على استغلال الظرف المحلي والدولي وتحميل المسؤولية في ذلك إلى القيادة العامة للقوات المسلحة، لكن الرياح لن تجري بما تشتهيه سفن أردوغان، لأن الجيش الليبي كذلك لديه مهمة يريد أن يتمّها، ولن يقف مكتوف الأيدي أمام استمرار العدوان على مواقعه وعلى السكان المدنيين في المناطق الموالية له.
الهجوم الذي شنته ميليشيات السراج ومرتزقة أردوغان على قاعدة الوطية، كان جزءا من مخطط توتير الأوضاع بشكل لا عودة فيه للهدنة الإنسانية، وقيادة ما يسمى ببركان الغضب أعلنت أنها أطلقت عملية تحت مسمّى غضب البركان لضرب الجيش وإخراجه من المواقع المحررة، هذا يعني أن النظامين التركي والقطري قررا إعادة خلط الأوراق، فهل ستندد الأمم المتحدة بذلك أم ستدعو كالعادة إلى التهدئة، إلى أن تعاود الميليشيات كرّتها ويستمر الوضع على ما هو عليه: انضباط من الجيش، انفلات ميليشياوي، تجييش تركي و تمويل قطري، وتخطيط إخواني تدعمه حكومة السراج بعجزها على مواجهة حماتها من الغضب الشعبي.
الحبيب الأسود – كاتب تونسي – صحيفة العرب اللندنية
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة