العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني كان أول من حذّر من نشوء هلال شيعي في المنطقة مطالبا الدول العربية بالتصدي للتمدّد الإيراني الذي كان حينها ما يزال في بداياته.
دور الأردن لم يحن بعد
منذ عشر سنين والأردن يجد أمنه تحت التهديد المباشر من العمق الاستراتيجي الحقيقي له، ليس الضفة الغربية وفلسطين بالطبع، إنما حوران، حيث الجذور الكبرى للتركيبة السكانية للمملكة الهاشمية التي نشأت بالأصل فوق بادية حوران. اكتفت عمّان بالصبر الطويل، واحتضنت اللاجئين السوريين، ومضت في ركب الدول التي قاطعت نظام الأسد، مثلها مثل غالبية الدول العربية والأسرة الدولية، بسبب العنف الذي بادر به شعبه والذي أدى إلى انهيار سوريا التي كان يعرفها الجميع، وظهور سوريا جديدة تضج بالفوضى والمتطرفين والميليشيات الطائفية والجيوش ذات الجنسيات المتعددة، والتي وصلت نيرانها إلى الأردن حين أحرق تنظيم داعش أحد طياريه حيّا قبل سنوات.
كان العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني أول من حذّر من نشوء هلال شيعي في المنطقة، مطالبا الدول العربية بالتصدي للتمدّد الإيراني الذي كان حينها ما يزال في بداياته. واليوم أصبح الأردن في قلب ذلك الهلال، يحيط به من شرقه العراقي، وشماله السوري، ومن جنوبه في اليمن حيث الحوثي.
مشكلة الأردن وامتيازه في الوقت ذاته، موقعه الاستراتيجي الذي خلق بالتالي دوره المحوري، فجعل منه حجر استقرار للمنطقة، ولذلك فإن أي هزّة يتعرّض لها بوسعها أن تزعزع استقرار الشرق الأوسط برمّته. العرش الهاشمي يدرك هذا، ومثله يفعل العامل الإسرائيلي الذي ينظر بعين القلق أكثر حيال الواقع المستجد في سوريا، لجهة انتشار الميليشيات الإيرانية على حدوده الشرقية الشمالية، حيث الجنوب السوري، علاوة على الجنوب اللبناني حيث حزب الله.
جواب الأردن على السؤال كان بطرح مبادرات حالمة من واشنطن تنص على اشتراط فك ارتباط الأسد لعلاقته مع الإيرانيين كشرط لإعادة العلاقات معه، وعلى رأسها العلاقات الاقتصادية، وهو الوعد الذي قطعه على نفسه الملك عبدالله في لقائه مع شيوخ العشائر الأردنية، حين أعلن أنه سيعيد العلاقات التجارية مع النظام السوري قريبا. ولا يعرف أحدٌ بأيّ ميزان قاس الملك تعهده ذاك حين وجهه لمن يتعرض أبناء عمومتهم من آل الزعبي والمسالمة والمحاميد والحريري وغيرهم في درعا للقتل اليومي على يد النظام السوري ذاته والميليشيات الإيرانية التي تدعمه. لذلك بدا مشروع الأردن الجديد قفزة في الظلام أكثر منه مشروعا جادا لضمان أمن المملكة. إلا إن كان لدى الملك ما يواريه خلف ذلك الطرح، والذي يمكن أن يكون موطئ قدم له نحو حوض اليرموك، ونحو حلّ للكثير من مشاكل العشائر التي باتت تشكّل له صداعا يغيب ويعود بين الوقت والآخر.
إيران تفخّخ سوريا في حقيقة الأمر، ليس فقط في الجنوب، والجنوب هو الوحيد الذي يستعصي عليها بسبب المعادلة الروسية، وهذا ما لا يقرأ في ما بين سطوره الأردن
أما على الضفة الأخرى من نهر الأردن، فيفكّر الإسرائيليون بطريقة مختلفة. فالأوضاع في سوريا قرّبت منهم طرائدهم أكثر مما كانوا يحلمون في الماضي، وباتت الطلعات الجوية للمقاتلات الإسرائيلية تصطاد الذخائر والعتاد والمقاتلين الإيرانيين ومن في حكمهم على الأرض السورية، كنوع من التدريبات والمناورات بشكل شبه يومي. إذاً فالهدف يتحقق ولا قلق من المزيد من التمدّد، فالرد دوما حاضر.
ويتردّد أن هناك اتفاقا كان قائما بين الإسرائيليين والروس المتواجدين في الجنوب السوري كضامن لوقف إطلاق النار، بعد التسوية التي أجريت بإشرافهم والتي خرقها النظام السوري عدة مرات، ينصّ على أن يختار الطيران الإسرائيلي أهدافه، دون أن يجري أي ردّ من الروس أو حتى من منظومة أس – 300 التي قدموها لجيش الأسد، في حال كان هدف القصف ضرب المواقع الإيرانية. غير أن الإسرائيليين لا يبدون مرتاحين كثيرا للدور الذي يلعبه الروس في الفترة الأخيرة، فقد ارتخت قبضتهم في ما يبدو حيال الحد من انتشار الميليشيات الشيعية في الجنوب السوري، ومردّ ذلك إلى رسائل يريد الروس إيصالها إلى الأسد، حتى أنهم منعوه من التقدّم أكثر باتجاه درعا البلد وأسهموا مجددا في ترتيب اتفاق هش لوقف إطلاق النار خلال الأيام الماضية.
آخر ما يشغل بال الإسرائيليين القلق من النفوذ الإيراني في الجنوب السوري، وإن قالوا غير ذلك، في حين أنهم يدركون تماما أن الأردن لن يهتدي إلى الفكرة الصحيحة لا اليوم ولا غدا. ففي الوقت الذي يتمركز الجيش العربي على الحدود السورية الأردنية، على مرمى حجر من القصف السوري والإيراني لدرعا وبلداتها، تبدو الخطوة التي يتمنّع عنها كفيلة بتغيير خارطة المنطقة. ولا شيء يدعو للقلق أيضا من جانب الأردن حسب نصائح المستشارين، ما الذي يمكن أن يتسلّل من خلف تلك الحدود؟ كل ما يمكن أن يصدّره لهم الأسد بضعة أطنان من الكبتاغون، أما الأمن فهو غير معرّض لأي تهديد، حتى وإن قال الملك في آخر إطلالة له في واشنطن إن بلاده تعرّضت لهجوم بمسيّرات إيرانية. بالنسبة إلى الإيرانيين لم يحن بعد دور الأردن، وقد لا تكون هناك حاجة لذلك.
إيران تفخّخ سوريا في حقيقة الأمر، ليس فقط في الجنوب، بل في كل مكان وصلت إليه، في المنطقة الشرقية، وحتى حدود العراق، وفي حلب وفي حمص وفي قلب دمشق، والجنوب هو الوحيد الذي يستعصي عليها بسبب المعادلة الروسية، وهذا ما لا يقرأ في ما بين سطوره الأردن ولا المعنيون بالأمن القومي العربي في المنطقة. فمن يحكم القبض على حوران تصبح الجزيرة العربية وغرب المتوسّط، بالنسبة إليه، على مسافة “رمية عصا” ولن يشكّل الأردن أي عائق عندئذ أمام التكنولوجيا المتقدّمة التي وصلتها الصناعة العسكرية الإيرانية، الجهة الوحيدة التي تحارب في المنطقة حربا شرسة جادّة تدعم وكلاءها وترسّخ وجودهم، لا حربا عبثية تعتمد على من لا تثق بهم.
إبراهيم الجبين – كاتب سوري – العرب اللندنية
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة