تدهورت العلاقة الاستراتيجية بين حليفي الناتو، الولايات المتحدة وتركيا، خلال السنوات الأخيرة. لكن الرئيس دونالد ترامب حافظ على علاقة إيجابية مع نظيره التركي الرئيس رجب طيب أردوغان. ومن المتوقع أن يتعامل منافس ترامب في انتخابات نوفمبر، جو بايدن، الذي كان نائب الرئيس السابق، مع سياسة تركيا من زاوية مختلفة تماما.
وقال مدير برنامج الشرق الأوسط في معهد أبحاث السياسة الخارجية، آرون شتاين، لموقع أحوال تركية: “أضفت تركيا طابعا شخصيا على علاقتها مع الولايات المتحدة، وتعتمد على ترامب لكبح العقوبات ومنعها من التطور نحو الانهيار “.
قال ترامب للكاتب بوب وودوارد في مقابلة نشرت مؤخرا: “أتوافق مع أردوغان على الرغم من أنه ليس من المفترض أن أفعل ذلك، لأن الجميع يقولون عنه: يا له من رجل فظيع. لكن بالنسبة لي، الأمر يعمل بشكل جيد. إنه أمر مضحك، العلاقات التي أملكها معه، وكلما كانت أكثر صرامة، كنت أفضل”. بذلك، أفادت علاقة أردوغان مع ترامب أنقرة كلما تحرّكت ضد المصالح الأميركية.
على الرغم من استبعاد تركيا من برنامج الطائرات المقاتلة إف-355 في 2019 بسبب اقتنائها أنظمة صواريخ روسية من طراز إس-400، تجاهل ترامب ضغوطا متكررة من الحزبين في الكونغرس لتنفيذ عقوبات يفرضها القانون الأميركي. وتجاهل توصيات وزارتي الدفاع والخارجية، وأعطى الضوء الأخضر لغزو تركيا لشمال شرق سوريا في أكتوبر. وبعد مكالمة هاتفية مع أردوغان، ورد أن إدارة ترامب تدخلت في قضية خرق العقوبات الإيرانية المستمرة ضد بنك خلق الحكومي التركي.
أثارت دوافع ترامب لتخيير المصالح القومية التركية عن الأميركية تكهنات مستمرة. وقد قال الرئيس الأميركي مرة: “لدي تضارب في المصالح لأن لدي مبنى رئيسي كبير في إسطنبول.” وبحسب ما ورد، أصبح شريكه التجاري في هذا المشروع، محمد علي يالجينداغ، قناة خلفية منتظمة بين الرئيسين.
على مدى السنوات الأربع الماضية، نجح أردوغان في تنفير جل السياسيين في واشنطن باستثناء الرئيس ترامب. وقال الباحث في صندوق مارشال الألماني لموقع أحوال تركية، نيكولاس دانفورث: “إذا خسر، فإن هذا سيشكل مشكلة لتركيا بالتأكيد”.
وقال: “تجعل الطبيعة الفاسدة لتواصل أنقرة مع ترامب، ومدح ترامب الصريح لشخصية أردوغان الاستبدادية، من غير المقبول لبايدن للاستمرار الوضع هكذا بل ستضغط عليه للنأي بنفسه عن أسوإ عناصر سياسة ترامب الخارجية”.
وفي مقابلة نشرتها صحيفة نيويورك تايمز في يناير، وصف بايدن أردوغان بأنه “مستبد”. ولم يصدر حينها أي رد من تركيا. ولكن بعد أشهر، في أغسطس، عاد المسؤولون ووسائل الإعلام التركية لتعليقات بايدن وشنّ حملة شديددة ضدّه، مما يؤكد تفضيل أنقرة لترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة.
واتهم المتحدث باسم الرئيس التركي، إبراهيم قالن، بايدن بالجهل والغطرسة والنفاق، وغرد قائلا: “ولت أيام توجيه الأوامر لتركيا. وإذا كنت لا تزال تعتقد أنك تستطيع ذلك، فستدفع الثمن”.
تشير هجمات إدارة أردوغان على بايدن إلى قلق أنقرة من أن نائب الرئيس السابق سيتخذ موقفا أكثر تشددا ضد مكائد السياسة الخارجية التركية الأخيرة. ففي مقابلته مع نيويورك تايمز، قال بايدن إنه سيشجع المعارضة التركية على هزيمة أردوغان في الانتخابات وأشار إلى أنه سيعمل مع حلفاء الولايات المتحدة لاحتواء اتهاكات أنقرة في المنطقة، بما في ذلك الخلافات حول النفط والغاز المشتعلة في شرق المتوسط.
لكن، وعلى الرغم من تفضيل ترامب، تدل مؤشرات على أن أنقرة تتحوط في رهاناتها، وتكرر استراتيجيتها التي شهدناها في 2016 عندما حاولت كسب نفوذ في كل من حملتي كلينتون وترامب.
يقال إن إكيم ألبتكين، وهو رجل أعمال تركي هولندي له علاقات مع الحكومة التركية، ساعد في إنشاء منظمة التراث التركي، التي تأسست كمنظمة أميركية غير ربحية في 2014. ودفع ألبتكين لأول مستشار للأمن القومي لترامب، مايكل فلين، أكثر من 500 ألف دولارا للضغط نيابة عن أنقرة. وتتمتع المنظمة أيضا بروابط واضحة بحملة بايدن، مع إليفير كليمبيك، الذي عمل مديرا تنفيذيا في منظمة التراث التركي، ويشغل الآن منصب مدير سياسة التقارب الوطني والإشراك العرقي في حملة بايدن.
وكان عضو مجلس إدارة اللجنة الوطنية التوجيهية الأميركية التركية، خليل دانيشماز، الرئيس المؤسس لمنظمة التراث التركية. كما كشفت رسائل البريد الإلكتروني التي اختُرِقت أن دانيشماز اقترح مخططا على صهر أردوغان، بيرات البيرق، لإنشاء قوة ضغط سرية من شأنها الالتفاف على القوانين الأميركية.
لا نعلم ما إذا نُفّذ المخطط، لكن نشاط منظمة التراث التركية السياسي المستمر ينتهك صفتها غير الربحية ويثير تساؤلات حول ما إذا كان ينبغي تسجيلها كوكيل أجنبي للحكومة التركية. استقال دانيشماز من منصبه من منظمة التراث بعد أن أجرى مكتب التحقيقات الفيدرالي مقابلة معه بخصوص عمله لصالح الحكومة التركية.
كما استجوب المكتب عضوا آخر في مجلس إدارة اللجنة الوطنية التوجيهية الأميركية التركية ، مراد غوزيل، بعد أن كشفت رسائل البريد الإلكتروني المُخترقة أنه أبلغ البيرق والمسؤولين الأتراك الآخرين عن أنشطته السياسية وطلب المساعدة في تنسيقها مع أنقرة. ويبقى غوزيل عضوا في اللجنة الوطنية الديمقراطية ومانحا رئيسيا للحزب، وقد ساهم بنحو 300 ألف دولار في اللجان التي دعمت ترشح هيلاري كلينتون لانتخابات 2016.
يواصل غوزيل نشاطه في السياسة الديمقراطية، وتبرع بمبالغ ضخمة لحملة بايدن. والتقى بايدن في الأشهر الأخيرة ثم تحدث مع وسائل الإعلام التركية ليقول إن تصريحات بايدن لصحيفة نيويورك تايمز لن توجه سياسته الخارجية إذا ما تم انتخابه.
تجدر الإشارة إلى روابط حملة بايدن بأفراد يجمعهم تاريخ من العلاقات مع إدارة أردوغان، إذ يمنحونها منفذا نحو إدارة بايدن المحتملة. لكنها لا تعني أن بايدن سيخدم المصالح التركية بالطريقة التي يتبعها ترامب.
يعتقد دانفورث، الباحث من صندوق مارشال الألماني، أن الفساد لن يكون وسيلة لأنقرة للتأثير على إدارة بايدن المحتملة. ومع ذلك، يتساءل عن “جوانب الأزمات الحالية التي سيحاول أردوغان الصاقها بترامب بالطريقة التي أخبرت بها أنقرة الرئيس الأميركي بأن الصفقات مع روسيا بدأت لرفض أوباما بيع صواريخ باتريوت أميركية الصنع”. وتابع: “بالطبع، من غير المرجح أن يصدق بايدن مثل هذه الحجج. لكن، قد يكون لها بعض الصدى”.
على الرغم من أن دانفورث يتوقع مزيدا من الاحتكاك بين رئاسة بايدن وتركيا، إلا أنه أشار إلى أن “الحذر المؤسسي” من خسارة تركيا أو دفعها إلى أحضان روسيا سيساعد في تحديد مدى استعداد بايدن للرد على أردوغان. ولن تكون إدارة بايدن متحمسة مثل إدارة ترامب في تبنيها لدول تعارض تركيا مثل إسرائيل والسعودية.
قال شتاين، من معهد أبحاث السياسة الخارجية، إنه يتوقع أن تجري إدارة بايدن مراجعة لسياسة تركيا، وأن يكون هناك بعض الاعتبار لحلف شمال الأطلسي مع محاولة إقناع أنقرة لتكون حليفا أكثر تعاونا. لكنها سترث مشكلة منظومة الدفاع الروسية ولا ينتظر أن تُحلّ هذه المشكلة بل ستزداد سوءا”.
وقال مايكل روبين، المسؤول السابق في البنتاغون والباحث في معهد أمريكان إنتربرايز المحافظ، إن إدارة بايدن لن تعاني من “فساد الرئيس ترامب العلني”. وقال لموقع أحوال تركية: “لن يحاول أي رجل أعمال رشوة جيك سوليفان (أحد كبار مستشاري بايدن) بالطريقة التي استطاع بها إكيم ألبتكين رشوة مايكل فلين”.
ومع ذلك، يعتقد روبين أن أردوغان قد لا يزال قادرا على ممارسة بعض التأثير على عملية صنع القرار في ادارة بايدن. وقال: “ستكون إدارة بايدن أكثر اعتبارا للكونغرس ما لم يتمكن أردوغان من التفرد ببايدن في غرفة أو على الهاتف لطلب التزامات بالطريقة التي انتهجها مع أوباما وترامب”.
وأوضح أن “بايدن لن تكون لديه القدرة على تسليم شخص مثل غولن أو التدخل في قضية بنك خلق. وعلى عكس ترامب، يبقى ذكيا بما يكفي لادراك ذلك. لكن، قد يمكن إقناع بايدن بنفس السهولة في إطار فردي للتنازل عن العقوبات أو تخفيفها”.
إيان جيه. لينش – أحوال تركيا
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة