بوجود تركيا والولايات المتحدة وروسيا وإيران وحزب الله.. ليس صعبا الوصول إلى استنتاج واضح هو أن الأسد لا يسيطر على الداخل السوري إلا بمقدار ما تخدم سيطرته مصالح القوى المتصارعة.
سوريا بعد عقد من العنف.. مستنقع راكد
عدم سماع خبر من سوريا أصبح اليوم خبرا جيدا، على الأقل بالنسبة إلى الحكومة السورية التي باتت تدرك أن بقاء الحال داخل البلاد على ما هو عليه أفضل ما يمكن أن تطمح إليه.
من راهن على عودة دمشق إلى الحضن العربي والجامعة العربية لتحمل معها حلا للأزمة السورية وتضع نهاية لمعاناة السوريين، خسر الرهان.
الانقسام الذي تسبب فيه الغزو الروسي لأوكرانيا والحرب الباردة التي تم إحياؤها من جديد، خاصة الصراع التجاري بين الولايات المتحدة والصين، والزيارة التي قام بها الرئيس السوري بشار الأسد إلى بكين، كلها عوامل تشير إلى أن أي حل للأزمة، إن وجد، لن يكون على المدى القريب، وأن على السوريين أن ينتظروا طويلا لرؤية نهاية لمشاكلهم.
حتى لو خَلُصَتْ نوايا الحكومة السورية في إيجاد الحلول، خاصة وضع حد لتهريب المخدرات إلى دول الجوار وإعادة توطين اللاجئين في ديارهم، هل هي فعلا قادرة على ذلك، بينما لا تتجاوز المساحة التي يسيطر عليها النظام نصف مساحة البلاد؟
◙ سوريا تحولت بعد عقد من الاقتتال إلى مستنقع، لا أحد يريد تحريك مياهه، بما في ذلك الدول التي ساهمت في أن يصل الوضع إلى ما هو عليه، ليصبح عدم التوصل إلى حل أفضل الحلول
حتى في حال سيطرتها على البلاد، من يقنع اللاجئين بالعودة إلى ديارهم في ظل وضع اقتصادي وأمني لا يمكن التنبؤ بعواقبه؟
واضح أن الدول التي دعمت عودة سوريا إلى الجامعة العربية تعلم مسبقا أن القرار داخلها ليس بأيدي الحكومة السورية. رغم ذلك حرصت على عودتها. الشيء الوحيد الذي يمكن أن يفهم من ذلك هو أن الجميع يريد إبقاء الحال على ما هو عليه. بمعنى آخر إغلاق الملف السوري ووضعه جانبا، لتبقى مشكلة اللاجئين السوريين في دول الجوار وعبر العالم معلقة.
الأردن، الذي أقر أن وقف عمليات التهريب عبر الحدود مع سوريا صعب ويشكل تحديا كبيرا، وأن لدى المهربين تكنولوجيا متقدمة جدا؛ فهم يستخدمون الطائرات المسيرة ولديهم نظارات الرؤية الليلية، طالب على لسان وزير خارجيته أيمن الصفدي المجتمعين في منتدى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 2023 بالتحلي بالواقعية بخصوص التوقعات المأمولة من النظام السوري.
إن كانت تركيا ولبنان طرفين مشاركين في الأزمة داخل سوريا، الأولى بدعمها للمعارضة السورية واحتلالها لأجزاء من سوريا، والثاني بمشاركة “حزب الله” في الصراع الدائر داخل سوريا، فإن الأردن وجد نفسه مكرها على تحمل جزء كبير من فاتورة صراع لا ناقة له فيه ولا جمل.
قدر الأردن الذي يستضيف 1.3 مليون لاجئ سوري يعيش 10 في المئة منهم في المخيمات، أن يكون أكبر بلد يستقبل اللاجئين في العالم، مقارنة بعدد السكان.
رغم ذلك، ورغم الوضع الاقتصادي الصعب، يؤكد الأردن أن اللاجئين هم “ضحايا أزمة”، ولا يمكن “جعلهم ضحايا مرة أخرى بحرمانهم من الحق بحياة كريمة”، وهو ما أشار إليه الصفدي الذي قال إن بلاده تريد مواصلة عمل ما تعده واجباً إنسانياً تجاه اللاجئين السوريين، والاستثمار في أمن المنطقة بكاملها.
الواقعية الأردنية في التعامل مع الأزمة السورية تجلت أيضا في حديث العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني حول “حرب” تخوضها بلاده على الحدود مع سوريا لمنع تهريب المخدرات، قائلا إن “بشار (الأسد) لا يريد صراعاً مع الأردن، ولكنني لا أعرف ما إذا كان يسيطر بالكامل على زمام الأمور”.
بوجود تركيا والولايات المتحدة وروسيا وإيران وحزب الله.. ليس صعبا الوصول إلى استنتاج واضح ومؤكد وهو أن الأسد لا يسيطر على الداخل السوري، إلا بمقدار ما تخدم سيطرته مصالح القوى المتصارعة، التي قد نرى انضمام الصين إليها بعد الزيارة التي قام بها مؤخرا الأسد إلى بكين.
◙ من راهن على عودة دمشق إلى الحضن العربي والجامعة العربية لتحمل معها حلا للأزمة السورية وتضع نهاية لمعاناة السوريين، خسر الرهان
لكل طرف من هذه الأطراف مصلحة في التواجد داخل سوريا، وبالتالي مصلحة في استمرار الأزمة واستمرار الوضع على ما هو عليه طالما لن يستطيع أن يحسم الأمر لصالحه.
بوضع مثل هذا، الشيء الوحيد الذي يمكن عمله هو التوقف عن الحفر حتى لا يزداد الأمر تعقيدا. وهو ما فعلته الدول الداعمة لعودة سوريا إلى الجامعة العربية والباحثة عن “تصفير المشاكل” لمواجهة تحديات أكبر يفرضها الوضع الاقتصادي العالمي في ظل أزمة المناخ والغذاء وثورة الذكاء الاصطناعي.
الحديث عن تعقيدات الأزمة السورية وصعوبة التوصل إلى حل، إن لم يكن مستحيلا، يغري بإقحام نظرية المؤامرة، على الأقل من جانب السوريين اللاجئين أو من بقي داخل سوريا يواجه أسوأ أزمة اقتصادية وإنسانية بسبب العقوبات والفساد وانهيار العملة وارتفاع الأسعار، حيث وصلت نسبة الفقر بينهم إلى تسعين في المئة.
نعم، هناك مؤامرة على سوريا والسوريين، ولكنها ليست مؤامرة من صنع البشر، بل مؤامرة من صنع الجغرافيا التي وضعت سوريا في هذه البقعة من العالم.
لقد تحولت سوريا بعد عقد من الاقتتال إلى مستنقع، لا أحد يريد تحريك مياهه، بما في ذلك الدول التي ساهمت في أن يصل الوضع إلى ما هو عليه، ليصبح عدم التوصل إلى حل أفضل الحلول.
علي قاسم – كاتب سوري – العرب اللندنية
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة