مثلما أخطأ النظام السوري في حساباته فإن العرب سبقوه إلى الخطأ لذلك فإن عودة سوريا إلى محيطها العربي لا بد أن يُمهد لها بعودتهم إليها ولكنها صارت اليوم عودة محفوفة بمخاطر عديدة.
النظام السوري أخطأ في حساباته والعرب سبقوه إلى الخطأ
كان طرد الدولة السورية من جامعة الدول العربية بسبب خلاف مع النظام الحاكم في ما يتعلق بطريقته في إدارة أزمته الداخلية قرارا سيئا بل ومشينا. وما كان للمؤسسة العربية الجامعة أن تتخذ ذلك القرار لولا الضغوط التي مارستها عليها أطراف عالمية وعربية كانت أشبه بمؤامرة مدفوعة الثمن. ولقد أدرك العرب متأخرين كالعادة أن تخليهم عن سوريا فاقم من سوء الأحوال فيها وجعل منها منطقة فراغ حيوي سارع الإيرانيون إلى ملئه والاستفادة منه في توسيع نفوذهم وإدارة مصالحهم في لبنان. ومثلما خسرت سوريا غطاءها وجدارها العربيين فإن العرب خسروا سوريا جزءا من أمنهم القومي.
لم تكن رداءة أداء النظام في معالجته لأسباب الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها بلاده بدءا من منتصف مارس 2011 لتستدعي موقفا معاديا لها، بحيث تُترك وحدها فيتدهور موقف النظام وصولا إلى استعمال الجيش كآلة لقمع الشعب وهو ما أدى إلى أن يلجأ المعارضون إلى التسلح الذي وجدوا أبوابه مفتوحة من قبل قوى إقليمية، كانت في انتظار لحظة تدخلها في الشأن الداخلي السوري. بعدها لم يعد الصراع الذي تحول إلى حرب شرسة شأنا داخليا سوريا. بهذا المعنى فإن التخلي العربي عن سوريا كان البوابة التي أدت بها إلى جحيمها الذي اعتقد النظام مدفوعا بغبائه وغروره أنه سيتمكن من إدارة وتصريف شؤونه بما يجعله قادرا على فرض شروطه على الشعب. ذلك ما تبين في ما بعد أنه خطأ في الحساب.
◄ سوريا اليوم في حاجة إلى العرب غير أن ما يعزز كرامة السوريين أن العرب في حاجة إليهم أيضا. والأهم في الموضوع أن تؤدي المعالجة العربية إلى منع إيران من الذهاب بسوريا إلى الحرب
ومثلما أخطأ النظام السوري في حساباته فإن العرب سبقوه إلى الخطأ. لذلك فإن عودة سوريا إلى محيطها العربي لا بد أن يُمهد لها بعودتهم إليها. ولكنها صارت اليوم عودة محفوفة بمخاطر عديدة. سوريا اليوم هي ليست سوريا 2011. على سبيل المثال النظام السياسي الذي كان عنوانا لوحدة الأراضي السورية وسيادتها، لم يعد يحكم إلا جزءا من البلاد أما الأجزاء الأخرى فإنها محتلة أميركيا وروسيا وتركيا وهناك أجزاء هي من حصة الميليشيات التي ترفع العلم الإيراني بما يعني أن إيران تحتل جزءا أيضا. ذلك ما سمح لإسرائيل وبالاتفاق مع روسيا أن تضرب أهدافا إيرانية، رغم أنها لم تكن تجرؤ في مرحلة ما قبل 2011 على ذلك.
كل ذلك مؤشر خطير كان دافعا للعرب في اتجاه استعادة سوريا أو العودة إليها لأنها تحولت إلى منصة صواريخ إيرانية. وهو ما يعني أن أي حرب يمكن أن تنشب في لبنان، وهو أمر ليس مستبعدا، يمكن أن يكون لسوريا نصيب منها من خلال مشاركة الميليشيات التابعة للحرس الثوري لإيراني فيها. تلك مناسبة لإيران لكي تثأر لقتلاها من كبار ضباطها الذين سبق وأن استهدفتهم إسرائيل. لن تكون تلك الحرب شأنا سوريا ولكن دمشق ستدفع ثمنها. فهل سبق الزمن العرب في محاولتهم استعادتها أم أنه لا يزال هناك أمل في إنقاذها بطريقة كريمة؟ ولأن المسألة اليوم لا تتعلق بالنظام الحاكم بقدر تعلقها بسوريا دولة عربية هي في حقيقتها نبع الفكر القومي الحديث، فإن مسؤولية العرب التاريخية تحتم عليهم أن يعيدوها إلى مسارها الطبيعي ويبعدوا عنها ويلات حرب، هي ليست طرفا فيها.
إذا شاءت إيران أن تفتعل حربا فإن ثقلا عربيا في سوريا سيؤدي إلى منعها من القيام بذلك من خلال الأراضي السورية. فالنظام بعد كل الزمن المر الذي مر به يعرف أن سلام بلاده لا يمكن الوصول إليه من خلال الممر الإيراني. سلام سوريا في عروبتها، لذلك كلما سارعت الدول العربية إلى إعادة العلاقات إلى سويتها كلما ضعفت هيمنة الإيرانيين على العقل السياسي في دمشق. عبر كل السنوات التي افترض فيها الإيرانيون أنهم تمكنوا من سوريا لم ير السوريون أن هناك بصيص أمل في السلام. فإيران وهي دولة حرب لا يمكنها سوى أن تكون حاملةً لجراثيم الكراهية، وليس مفاجئا أن تكون عروبة سوريا في مقدم أهداف تلك الكراهية.
سوريا اليوم في حاجة إلى العرب غير أن ما يعزز كرامة السوريين أن العرب في حاجة إليهم أيضا. والأهم في الموضوع أن تؤدي المعالجة العربية إلى منع إيران من الذهاب بسوريا إلى الحرب.
فاروق يوسف – كاتب عراقي – العرب اللندنية
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة