الجولة الثالثة عشرة من مفاوضات أستانة حول الأزمة السورية، حملت رسائل وليس قرارات. ليس أمرا مستغربا والأزمة برمتها لم تعد تعرف القرارات منذ نحو عامين. منذ أن بقيت إدلب هي المنطقة الوحيدة المتنازع عليها بين الأطراف الدولية المعنية بالأزمة وخاصة ما يسمى بالدول “الضامنة”.
رسائل أستانة بدأت من قائمة الدول المشاركة، حيث اتسعت قائمة الحضور العربي في هذه المرة لتشمل إلى جانب الأردن كلّا من العراق ولبنان؛ وهما الدولتان المنفتحتان على النظام السوري وعلى الدول الثلاث “الضامنة”: روسيا وإيران وتركيا.
دعوة الأردن والعراق تقول أولا إن الانفتاح على دمشق ومعاداة أي من الأطراف “الضامنة” لا يفتح الباب أمام أي دولة عربية ترغب في دور بسوريا مستقبلا. العكس يمكن أن يحدث فأي صديق للدول “الضامنة” يمكن أن يكون طرفا فاعلا في الأزمة السورية شاءت دمشق أم أبت.
مَن مَثَّل العراق ولبنان في هذه الجولة شخصيات مقرّبة من حلفاء إيران في الدولتين، وعندما يكتمل حضور دول الجوار السوري فهذا يعني أن عودة اللاجئين باتت أولوية في الأزمة، خاصة مع تصاعد الحملات ضدهم في هذه الدول.
في حضور الأطراف السورية رسائل أيضا، فمن حضر من المعارضة هم حلفاء تركيا. المعارضة السورية، السياسية والعسكرية، التي تحتضنها تركيا، هي فقط من حضر أستانة وجلس على طاولة المفاوضات غير المباشرة مع النظام.
لم تستجب “منصة تركيا” في المعارضة السورية لدعوات مقاطعة المفاوضات بسبب ما يحصل في إدلب، وذهبت إلى أستانة ليس خدمة للقضية السورية كما تدّعي وإنما ببساطة لأنها لا تمتلك رفاهية المقاطعة. حضور “منصة تركيا” أو عدم حضورها تحدده المخابرات التركية، ليس من أجل اتخاذ القرارات وإنما من أجل تنفيذها. فالأطراف السورية، من النظام والمعارضة، فقدت حقها في اتخاذ القرارات في أزمتها منذ سنوات عديدة.
مواضيع الجولة الجديدة من المفاوضات تنطوي في حد ذاتها على رسائل سياسية. أولها الانتهاء من اللجنة الدستورية التي طال انتظارها، وما تقوله أستانة هو أن اللجنة باتت جاهزة لكنها لن تبدأ عملها إلا في الزمان والمكان المناسبين.
كل هذا الزخم للجنة الدستورية جعلها خطوة كبيرة في طريق الحل السياسي للأزمة، بل يمكن القول إنه اختصر الحل بها، وكأن السوريين كانوا يعانون صعوبة في وضع دستور جيد لبلادهم فاستعانوا بكل الكوكب لإنجاز هذه المهمة.
المعارك التي تشتعل في إدلب منذ شهور كانت على رأس أجندة المفاوضات طبعا، فهي لب الخلاف بين الدول “الضامنة”، وما دار في أروقة أستانة هو محاولة تدوير الزوايا وإعادة رسم خرائط المدينة وريفها كي تتسع لهذه الدول مجتمعة.
لن يصادق على أيّ خارطة جديدة تنتجها الجولة الجديدة من المفاوضات قبل قمة مرتقبة بين قادة الدول “الضامنة” في العاصمة التركية أنقرة. العنوان العريض لتلك القمة سيكون المنطقة الآمنة في سوريا وتحت هذا العنوان ستتخذ القرارات.
ومثل كل مرة، لم تخل رسائل أستانة من الكذب، فقد تجدد زعم الضامنين بأنهم يرغبون في إنهاء معاناة المعتقلين. لا ضير في دقائق للحديث بشأن ذلك أو صياغة فقرة حوله في البيان الختامي، فالجميع يعرف أن الإفراج عن معتقل لدى النظام أو المعارضة، يتم في حالات ثلاث فقط؛ عندما يموت، أو يقايض عليه بمعتقل من الخصم، أو يفدى بالمال من قبل دولة غنية، أو من عائلته إن استطاعت جمع الفدية أو الرشوة.
بهاء العوام – صحافي سوري – صحيفة العرب