رغم أن هذه أول مرة في تاريخ الحكومات يُنصّب وزراء قياديون في ميليشيات مصنفة إرهابية إلا أن الولايات المتحدة ودولا أخرى عبرت عن ثقتها بأنها ستكون فاتحة الأمن والسلام على الشعب العراقي.
ماذا ستقدم للعراق؟
إن القول بأن أهل مكة أدرى بشعابها لا ينطبق هذه الأيام إلا على الدولة العراقية، خصوصا في حالتها الجديدة التي أنجبها الإطار الولائي الإيراني في أعقاب نكسة مقتدى الصدر وانسحاب تياره من البرلمان، ومن العملية السياسية، وتسليمه الوطن وأهله لإخوته في البيت الشيعي ليفعلوا به وبهم ما يريدون، وما يريده الحرس الثوري الإيراني، بلا حسيب ولا رقيب.
ورغم أن المكتوب لا بد أن يقرأ من عنوانه، ورغم أن هذه أول مرة في تاريخ الحكومات في الدول العاقلة والمجنونة على السواء يُنصّب وزراء قياديون في ميليشيات مصنفة إرهابية، إلا أن الولايات المتحدة ودولا أوروبية وعربية رحبت بهذه الحكومة، وعبرت عن ثقتها بأنها ستكون فاتحة الأمن والسلام والطمأنينة على الشعب العراقي، وعلى جيرانه أجمعين.
حتى وهي أكثر العارفين بمن فصّل هذا الحكومة، ومن خاطها، ومن ألهمها فجورها وتقواها، وأكثر العارفين، تحديدا، بمحمد شياع السوداني، من يوم ولدته أمه وحتى يوم أجلسه على كرسي القيادة من يقرّر لجميع المشتغلين بالسياسة في العراق متى يفيقون، ومتى ينامون.
فهل صحيح أن هذه الحكومات لا ترى من حكومة السوداني وجهها الآخر الذي يراه المواطن العراقي ويعرف ما وراءه من عواصف آتيةٍ لا ريب فيها؟
هل سيرى الذين سارعوا إلى الترحيب بحكومة السوداني ما يراه المواطن العراقي الحبيس، ويدركون ما معنى حكومة حزب الدعوة الجديدة، وما تنذر به من كوارث ومعارك آتية لا ريب فيها؟
أما أكثر الفرحين بهذه الحكومة فهو إيران الباسيج والحرس الثوري وليست إيران الانتفاضة.
وذلك لأنها اليوم أحوج ما تكون إلى عراق خال من التظاهرات والانتفاضات والاعتصامات والمعارك الصاروخية التي لا تريد أن تنشغل بها وهي في وضعها الداخلي المأزوم.
محمد صالح صدقيان، محلل الشؤون العراقية، قال لصحيفة “اعتماد” الإيرانية “إن كل الأطياف السياسية في العراق خطت خطوة إيجابية”. و”أعتقد أن أهم شيء رأيناه هو خروج الصدر من الحكومة”، و”من وجهة النظر الإيجابية هي أن هذه الحكومة لديها تماسك نسبي. انتهى الآن الجدل الذي أحدثه التيار الصدري بعد انتخابات الصدر، ووصل إلى حالة من الاستقرار في هذه الحكومة. السنة والأكراد لا يعترضون على هذه الحكومة”.
نعم، إن إيران معذورة حين تنافق ولا تتحدث عن حقيقة هذه الحكومة، حتى وهي التي هزمت مقتدى الصدر، وأمرته بالانسحاب من البرلمان ومن العملية السياسية، برمّتها، وبإهداء مقاعده الثلاثة والسبعين لإخوته في البيت الشيعي، ليرثوا الأرض بما تحتها وما فوقها. ولكن ما عذر الولايات المتحدة والحكومات الأوربية والعربية الأخرى التي تبشر، جهلا أو خبثا، بأن السوداني هو رجل السلام، وأنه قائد مسيرة الاستقلال عن الوصاية الإيرانية، وحامل سيوف العدل والنزاهة ومحاربة الفساد؟
فمن أول دخوله قصر الرئاسة وهو مشمّرٌ عن ساعديه، ومتفرغ لنبش ملفات سلفه مصطفى الكاظمي ليثأر منه ومن كبار موظفيه، وليضرب بيد من نار ومن حديد أولئك اللصوص الصغار المتطفلين الذين سوّلت لهم أنفسهم ممارسة مهنة الاختلاس دون ترخيص من أحد كبار أصحاب هذه التجارة المرخصة من المرجعية وأميركا وإيران.
وهذه هي حدود محمد شياع السوداني المقررة. أما أن يذهب وراء الفسّاد والمختلسين والقتلة والمهربين أبعد من عهد مصطفى الكاظمي فممنوع. فلا مساس، لا اليوم ولا غدا ولا بعد عمر طويل، بسجلات عادل عبدالمهدي أو حيدر العبادي أو نوري المالكي الذي ألبسه ثياب الرئاسة، وهو القادر على نزعها منه حين يشاء.
فلا يعقل أن هؤلاء الأصدقاء والأشقاء الذين رحبوا وتفاءلوا وتعهدوا بالتعاون مع حكومة السوداني لم يعرفوا أن الحشد الشعبي قد أمر جيش حكومة السوداني بالخروج من بغداد، ومن المدن المهمة الأخرى، وترك شؤون الأمن والدفاع والمخابرات لأبي فدك وأبي علي العسكري وقيس الخزعلي والمجاهدين المكلفين بحماية ظهر الولي الفقيه، والاستعداد لحوادث الأيام المقبلة. بعبارة أصح. إن الذي جرى في بغداد هو انقلاب عسكري بصمت ودون ضجيج.
أكثر الفرحين بهذه الحكومة فهو إيران الباسيج والحرس الثوري وليست إيران الانتفاضة
نعم، إن الهدوء عاد إلى العراق، وتمكّن الحشد الشعبي ونوري المالكي من امتلاك الدولة وجيشها ووزارات داخليتها ودفاعها وأموالها ونفطها ومواصلاتها ومخابراتها، وأصبح واضحا أن أيّ احتمال لإقدام المرأة العراقية على تقليد المرأة الإيرانية قد أصبح أقرب إلى عشم إبليس بالجنة.
أما ما بعد هذه الحكومة فأمران. فإن انتصر المنتفضون الإيرانيون، في النهاية، فسوف يشهد العراق غزوا مسلحا أشد بأسا من الغزو الأميركي 2003. فسوف تتدفق كتائب الحرس الثوري الهاربة من شعبها، لتتخذ من العراق قاعدة انطلاق معاكس لمقاتلة النظام الإيراني الجديد، وستقوم في العراق ولاية الفقيه، تماما كما فعل عبدالرحمن الداخل حين هرب من الدولة العباسية وأنشأ دولته في الأندلس.
أما إذا انتصرت إيران الحرس الثوري والباسيج على ثورة الملايين الإيرانية، بمعونة حليفاتها روسيا والصين وكوريا الشمالية وأميركا وإسرائيل، فسوف تحوّل ولاية الفقيه العراق إلى بركة دماء انتقاما من أعدائها الهاتفين بسقوطها، وسيتحول أصغر مسلح تافه في الحشد الشعبي والميليشيات الوقحة الأخرى إلى أسد هصور، وستنتهي، وإلى أمدٍ قادم بعيد، سلطة القانون، وسيتحول العراق إلى إيران أخرى، أو إلى يمن آخر جديد.
ألم يقل رئيس هيئة الحشد الشعبي، فالح الفياض، خلال لقائه بالقائد العام للحرس الثوري الإيراني حسين سلامي، إنه “يجب استخدام تجربة الحرس الثوري الإيراني وفقاً للقوانين والخصائص العراقية”، ليرد عليه سلامي قائلا إن “الحشد الشعبي كان مميزاً، وقوته كقوة جهادية دفاعية تزداد وفقاً للطموحات الكبرى والإيمان الراسخ والانسجام الداخلي والنظم والانضباط”.
ترى، هل سيرى الذين سارعوا إلى الترحيب بحكومة السوداني ما يراه المواطن العراقي الحبيس، ويدركون ما معنى حكومة حزب الدعوة الجديدة، وما تنذر به من كوارث ومعارك آتية لا ريب فيها؟ هذا هو السؤال.
إبراهيم الزبيدي – كاتب عراقي – العرب اللندنية
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة