لا حل يلوح في الأفق وحكومة الملالي ما زالت مصرة على فرض الحجاب بالقوة وهذا مؤشر يذكر بإرهاصات الثورة الإسلامية عندما انقلب الشعب على الشاه نتيجة الفساد والوضع الاقتصادي المتردي.
ثورة تتجاوز حدود الدين
ثورة الحجاب في إيران تتجاوز حدود الدين لتصل إلى مرحلة متقدمة من الخراب السياسي، بعد أن مرت بعدة مراحل كانت بدايتها عام 1935؛ في ذلك العام، منع رضا شاه بهلوي الإيرانيات من ارتداء الحجاب. وللتذكير، رضا شاه بهلوي جنرال قوزاقي صعد إلى رتبة شاه (قيصر) ليصبح حاكما لإيران، وكان يريد تحديث بلاده مستعينا بجميع الوسائل والطرق، بما في ذلك مظهرها الخارجي. ولهذا السبب تم منع النساء في إيران من ارتداء الحجاب بموجب القانون. وكانت السلطات تنزع الحجاب عن رؤوس النساء في الشارع تماشيا مع سياسة التحديث التي انتهجها الشاه.
جلبت الثورة الإسلامية التي قامت عام 1979 تغييرات زلزالية إلى إيران، طالت النساء أيضا. وتركز الاهتمام على ثياب النساء وغطاء الرأس، وبعد أن كان ارتداؤه ممنوعا وكانت الشرطة مخولة بنزعه عن رؤوس النساء بالقوة، ألزمت السلطات الإسلامية جميع النساء بارتدائه كرمز ديني ومطلب عقائدي في أوائل ثمانينات القرن الماضي. ورغم ذلك كان للمرأة الإيرانية دورها البارز في الساحات الثقافية والسياسية والاجتماعية، وقد شاركت النساء في الثورة الإسلامية عام 1979، التي شكلت منعطفًا كبيرًا في تاريخ إيران، وسقط منهن المئات في ساحات المعارك داخل إيران. واعترف آية الله الخميني، قائد الثورة، بأنهن لعبن دورًا بارزًا في التظاهرات، وأن الثورة الإسلامية مدينة لهن.
◙ الوضع في إيران ليس على ما يرام خارجيا أيضا، فالطائرات المسيرة التي باعتها لروسيا لاستخدامها في دك مواقع أوكرانية زادت الأمور تعقيدا
في المقابل حُرِمت إيرانيات كثيرات من حقهن في متابعة تحصيلهن العلمي أو العودة إلى العمل، بتهمة اعتماد “قواعد لباس غير ملائمة” كما يُزعَم، حتى قبل الثورة الإسلامية، إذ قام مؤيّدو الثورة بتتبّع المعلومات عن أنماط عيش النساء قبل عام 1979. حتى إن بعض النساء عوقِبن بسبب الخلفيات السياسية لأقاربهن الذكور. على سبيل المثال، لم يُسمَح لفتيات إيرانيات كان آباؤهن عناصر في الجيش الإيراني قبل الثورة بارتياد الجامعة أو الحصول على وظيفة في الآونة الأخيرة.
ويتداول إيرانيون مقاطع فيديو لحملات اعتقال تستهدف فيها الشرطة الأخلاقية النساء، وقام بعض مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي بنشر صورة وفيديوهات لقمع النساء غير المحجبات، واعتبروا أن قواعد اللباس الحالية مؤشّرٌ على التخلّف الاجتماعي والسياسي.
يتحسّر الإيرانيون، وهم يتابعون هذه الصور، على فقدان السيطرة على حياتهم الخاصة، بينما من الواضح أن للقضية جذورا تاريخية واجتماعية لها علاقة برؤية قطاعات اجتماعية واسعة لرفض ارتداء الحجاب بالقوة باسم الدين، في وقت بات فيه التطلع إلى الحرية الاجتماعية والشخصية سمة من سمات المجتمعات الباحثة عن التطور والتعددية والاستقرار والتعايش السلمي، وهي كلها عوامل جعلت من حادثة مقتل الفتاة الكردية أميني ثورة شعبية تنشد إسقاط نظام المرشد وسلطته الدينية الحاكمة باسم ولاية الفقيه.
إذا، الأمور في إيران تتجه نحو التصعيد الداخلي بفعل ثورة الحجاب، لا حل يلوح في الأفق وحكومة الملالي ما زالت مصرة على فرض الحجاب بالقوة البوليسية، وهذا مؤشر يذكرنا بإرهاصات الثورة الإسلامية، عندما انقلب الشعب على الشاه نتيجة الفساد والوضع الاقتصادي المتردي في إيران، فالأمور تسير على ما يبدو نحو التغيير السياسي والأيديولوجي معا.
◙ من الواضح أن للقضية جذورا تاريخية واجتماعية لها علاقة برؤية قطاعات اجتماعية واسعة لرفض ارتداء الحجاب بالقوة باسم الدين
لقد سقطت نظرية ولاية الفقيه في نظر كثير من الإيرانيين، وكانت على ما يبدو شرارة الحجاب بداية التغيير. والآن حتى ولو هدأت ثورة الحجاب، سيبقى الشارع يغلي حتى يصل إلى التغيير الجذري الذي يريده الشعب الإيراني.
الوضع في إيران ليس على ما يرام خارجيا أيضا، فالطائرات المسيرة التي باعتها لروسيا لاستخدامها في دك مواقع أوكرانية زادت الأمور تعقيدا على مستوى المقاطعة السياسية والاقتصادية والتشدد في فرض الحصار عليها وكبح جماحها، فهذه الورطة السياسية العسكرية لها مبررها عند قادة الملالي في إيران، ووفقا للمتشددين في الدائرة المقربة من خامنئي، الذين قالوا إن حرب أوكرانيا هي استمرار للنزاعات التي يقودها “محور المقاومة” في العراق وسوريا، لذلك يجب دعم جهود روسيا بواسطة الطائرات المسيّرة والفنيين المتخصصين بها.
بعد هذا الضغط والحبل الذي يشتد التفافا على رقبة زعماء إيران، هل تتجه سياسة الملالي نحو عمقها العربي كما فعل الشاه قبل سقوطه؟
إذا حصل ذلك فإن للعرب شروطهم، وهم محقون في فرضها، ومنها إعادة جزر طنب الكبرى والصغرى وأبوموسى للإمارات العربية المتحدة، فضلا عن الأهواز، والتوقف عن تجييش الشيعة ضد السنة في السعودية والخليج العربي وتفكيك منظمة حزب الله التي تعيث في لبنان فسادا.
فتحي أحمد – كاتب فلسطيني – العرب اللندنية
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة