في حالة نادرة وغير معتادة، نشهد تهدئة وتبريدا للتوترات وتراجع حدة للأزمات في عدة جبهات في منطقتنا، بتقارب وإنهاء خصومات وحروب إقليمية بشكل متسارع وغير مسبوق بين خصوم الأمس، من الخليج العربي والشرق الأوسط. إذا استثنينا تصعيد الصهاينة والأحداث المؤسفة بين المكون العسكري في السودان!
نعيش أكبر حالة إعادة تموضع منذ خفض وقطع العلاقات بين دول مجلس التعاون وإيران وتراجع حدة الخلافات بين ضفتي الخليج، والخلافات الخليجية البينية ـ بعد المصالحة الخليجية في قمة العلا-السعودية التي أنهت ثلاثة أعوام ونصف من الخلافات الخليجية قبل أكثر من عامين. وكان مشجعاً ومرحباً به «إعادة العلاقات الدبلوماسية بين دولة قطر ومملكة البحرين ـ وفق مبادئ الأمم المتحدة…انطلاقاً من الرغبة المتبادلة في تطوير العلاقات الثنائية والوحدة الخليجية واحتراماً لمبادئ المساواة الوطنية والاستقلالية والسلامة الإقليمية وحُسن الجوار». بانتظار إعادة العلاقات الدبلوماسية وتبادل إعادة افتتاح السفارات بين الدوحة وأبوظبي. وهذه مسألة وقت، نظراً لخطوات التقارب والزيارات المتبادلة التي تمهد لاكتمال المصالحة الخليجية، وتنهي الأزمة الخليجية التي دفعنا جميعنا ثمنها المكلف.
وكان ملفتاً اجتماع وزيري خارجية السعودية وإيران مؤخراً لوضع خطط وجدول زمني لإعادة العلاقات الدبلوماسية وافتتاح البعثات الدبلوماسية (السفارات والقنصليات العامة) في البلدين ـ والقيام بزيارات متبادلة لاستئناف العلاقات الدبلوماسية. كما زار وفد سعودي دبلوماسي إيران ووفد دبلوماسي إيراني السعودية لمعاينة مباني البعثات الدبلوماسية تمهيداً لافتتاحها قبل موسم حج هذا العام.
انعكست أجواء وخطوات التقارب والمصالحة السعودية-الإيرانية على موقف الحوثيين حلفاء إيران في اليمن-في أول امتحان حقيقي لمواقف إيران من التقارب وتطبيع العلاقات الإيرانية-السعودية بالتهدئة في اليمن. وبزيارة وفد سعودي-عماني برئاسة السفير السعودي في اليمن ـ للمرة الأولى في زيارة إلى صنعاء، سيطر الحوثيون عليها منذ انقلابهم على الشرعية عام 2014، وبعد ثمانية أعوام على عاصفة الحزم وإعادة الأمل بقيادة المملكة العربية السعودية للتحالف العربي في مارس 2015 لهزيمة الانقلابيين الحوثيين، وإعادة الحكومة الشرعية في صنعاء.
شهدت العلاقات بين السعودية والحوثيين هدنة غير معلنة منذ نهاية أكتوبر بإشراف الأمم المتحدة. ويطالب الحوثيون بشروط تعجيزية: تمديد الهدنة حتى نهاية ديسمبر 2023 ـ وفتح مطار صنعاء أمام رحلات أوسع ـ واستئناف تصدير النفط من الموانئ اليمنية، وتوحيد العملة، وصرف مرتبات الموظفين المدنيين والعسكريين في مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، ومناطق الحوثيين، تبادل إطلاق سراح الأسرى حسب اتفاق الطرفين في سويسرا ـ الذي بدأوا بتنفيذه، واستكمال الإجراءات السياسية لترتيبات إدارة وشكل الدولة.
انعكست أجواء وخطوات التقارب والمصالحة السعودية ـ الإيرانية على موقف الحوثيين حلفاء إيران في اليمن ـ في أول امتحان حقيقي لمواقف إيران من التقارب وتطبيع العلاقات الإيرانية ـ السعودية بالتهدئة في اليمن
وبرغم غياب إجماع عربي وخليجي ومعارضة أمريكية لتعويم نظام الأسد، وبغياب خارطة طريق تدفع بحل سياسي بمرجعيات دولية والقرار الأممي 2254 وجنيف1 ـ لن ينجح الاندفاع العربي للتطبيع وتأهيل الأسد، وعودة سوريا للجامعة العربية، بعد تعليق عضوية النظام لجرائم حربه ضد شعبه وتبعيته لإيران ومحور المقاومة منذ 2011. لذلك لم ينجح اللقاء التشاوري في جدة بين وزراء خارجية دول المجلس ومصر والعراق والأردن على دعوة الأسد للقمة العربية في السعودية الشهر القادم.
كما نشهد تطورا للتقارب بين مصر وتركيا بعد سنوات من المواجهات والمناكفات أعقبت ثورات الربيع العربي وإسقاط حكم محمد مرسي، واتهامات لتركيا بدعم جماعة الإخوان المسلمين وتوتر العلاقات بين القاهرة وأنقرة بعد استضافة تركيا لجماعات معارضة للحكومة المصرية وإطلاق فضائيات وإعلام مناوئ ومنتقد لنظام عبد الفتاح السيسي.
وشهدنا في الأشهر الماضية تقاربا وزيارات متبادلة بين وزيري خارجية مصر ونظيره التركي إلى العاصمتين ـ كان آخرها قبل أيام، زيارة وزير الخارجية المصري لتركيا للمرة الثانية في شهر ونصف. وجاري العمل لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بعد خلافات حادة حول جماعة الإخوان المسلمين وسياسة تركيا في ليبيا وسوريا.
واستبدال فتور علاقات تركيا مع السعودية والإمارات، بتقارب ملفت وزيارات متبادلة بين الرئيس أردوغان ورئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في العام الماضي.
وتعهد الإمارات باستثمار 10 مليارات دولار في الاقتصاد التركي وإيداع السعودية 5 مليارات دولار في البنك المركزي التركي لتعويم الليرة والاقتصاد. ما يعزز فرص فوز الرئيس أردوغان في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الحاسمة في مايو. يواجه ستة أحزاب معارضة تأمل إنهاء حقبته بعد عشرين عاماً من هيمنته وحزبه العدالة والتنمية على النظام السياسي في تركيا، وتقرر مصير حقبة الأردوغانية. لذلك يطبق أردوغان استراتيجية تصفير مشاكل تركيا مع جيرانها، وحتى جس نبض النظام السوري.
يعاكس ويشكل استثناء أجواء التقارب والمصالحات الإقليمية ـ تجمد قطار التطبيع العربي مع إسرائيل ـ الاتفاق الإبراهيمي منذ نهاية عام 2020! وتتعاظم مخاطر حرب إقليمية على صعيدي التصعيد الإسرائيلي من حكومة أقصى اليمين المتطرف الصهيونية بقيادة نتنياهو في الداخل بقمع الفلسطينيين، وخاصة في المسجد الأقصى في القدس ـ ومن مخاطر «حرب الجبهات» مع لبنان وسوريا وغزة بعد إطلاق رشقات صاروخية تم احتواؤها من الوسطاء الإقليميين والدوليين.
وهناك مخاطر تلويح نتنياهو بعمل عسكري لمنع إيران من امتلاك السلاح النووي بعد تحذير رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات الأمريكية الجنرال ميلي قبل أسابيع أن إيران تحتاج أسابيع لامتلاك القنبلة النووية.
وحذر تقرير لشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية «أمان» من «العاصفة الكاملة» بارتفاع فرص اندلاع حرب شاملة في المنطقة هذا العام. تتمثل باستعداد إيران وحزب الله وحماس للقيام بمغامرات ومخاطرة بشن عمليات هجومية أكثر جرأة، لاستنتاجهم أن إسرائيل ضعفت بسبب الأزمة الداخلية وموجة الاحتجاجات والتصدع في حكومة تحالف اليمين المتطرف وإقالة وزير الدفاع وإعادته وتجميد قانون «الإصلاحات القضائية» وتشكيل ميليشيا أمن الحدود واستفزازات اقتحامات المسجد الأقصى من المستوطنين تحت الحماية الأمنية والعسكرية والتنكيل وقتل الفلسطينيين.
ويبقى التحدي في التزام الأطراف وخاصة إيران ووكلاءها بالتهدئة ليصبح نهجاً واستراتيجية وليس تكتيكيا وقتياً!
د. عبد الله خليفة الشايجي – أستاذ في قسم العلوم السياسية ـ جامعة الكويت – القدس العربي
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة