الناقمون فقط سيرفعون كؤوس نصرهم على ترامب بمجرد دخول خصمه بايدن إلى البيت الأبيض، أما الحالمون بمصالح ومكاسب في عهد الرئيس الديمقراطي المنتخب فعليهم الانتظار لسنوات عدة دون ضمانات.
لا يبدو أن الكثيرين خارج الولايات المتحدة مهتمون بمعركة الانتخابات الأميركية المستمرة حتى الآن. رغم أن الرئيس المنتخب جو بايدن لم يفز رسميا، ولم يعترف خصمه الرئيس الحالي دونالد ترامب بالهزيمة.
ثمة عدة ولايات متنازع على نتائجها قانونيا، وفرق من المحامين تعرض جرائم تزوير ارتكبها الديمقراطيون، وتشبه تلك التي تحدث في انتخابات الدول المتأخرة، ولكن كل ذلك لا يهم ولا يؤثر طالما أن أباطرة الإعلام المحلي اعترفوا ببايدن الرئيس السادس والأربعين لبلاد العم سام.
يمثل تنصيب وسائل الإعلام الأميركي الكبرى لبايدن قبل إعلان النتائج رسميا، معركة في إطار حربها المستمرة على ترامب منذ وصوله إلى السلطة في العام 2016. ربما هناك أسباب أو لنقل تصفية حسابات شخصية مع ملياردير العقارات ورجل الإعلانات قبل وصوله إلى البيت الأبيض، ولكن ذلك لا يلغي حقيقة وجود اعتبارات سياسية تتعلق بانقسام البلاد بين الديمقراطيين والجمهوريين وبين اليسار واليمين، أو بتعبير أدق وأكثر تحديدا بين اليمين الشعبوي ونظيره اليساري المتصاعد بسرعة.
اتفقنا أم اختلفنا مع ترامب، فهو يمارس حقه الدستوري في الاعتراض على نتائج انتخابات شابتها تجاوزات واضحة. هناك عشرات الآلاف من الموتى صوتوا لبايدن، عشرات الآلاف أيضا صوتوا مرتين لبايدن، تلاعب في أجهزة تسجيل الأصوات، حقائب من البطاقات المزورة أخرجت بعد إغلاق مراكز الاقتراع، استخدام أسماء أشخاص لم يشاركوا في الانتخابات أو تغيّرت أماكن إقامتهم إلى بلد أجنبي أو ولاية أخرى، تهديد لمن يصوت لترامب أو رشاوى من أجل اختيار خصمه المرشح الديمقراطي.
كل هذه التجاوزات وثقها محامو ترامب، وهم ماضون في كشفها وتغيير نتيجة الانتخابات رغم المعارضة الشديدة التي يواجهونها، ليس فقط من الديمقراطيين ووسائل الإعلام، وإنما من ساسة جمهوريين لا يجدون مصلحتهم في بقاء ترامب رئيسا.
الاحتمالات جميعها تبقى قائمة إلى حين مصادقة الكونغرس على فوز أحد المرشحين منتصف يناير المقبل. ولكن بالنسبة إلى أطراف محلية وخارجية لا ضرورة للانتظار، وما يدور في أروقة السياسة الأميركية اليوم هو مجرد مسرحية.
إعلاميا على الأقل، لا تزال تداعيات انتخابات الرئاسة حديث الساعة في الولايات المتحدة، وتجاهل وجودها داخليا أو خارجيا، هو مجرد انتقام من ترامب أو خوف من بايدن. فكما كان هناك من صوّت للمرشح الديمقراطي فقط انتقاما من منافسه الجمهوري، هناك أيضا من يرفض تسليط الضوء على محاولات تزوير الانتخابات لذات الغرض، أو لأنه يخشى نقمة الرئيس المنتخب إن لم ينجح محامو ترامب في مساعيهم، وبدأ عهد جديد في السياسة الأميركية اعتبارا من منتصف يناير المقبل.
هناك أمثلة كثيرة عن الدول والجماعات والأفراد الذين يبحثون فقط عن الانتقام من ترامب، وهم بشكل أو بآخر، أوفر حظا وأكثر منطقية من هؤلاء الذين يراهنون على مشروع بايدن السياسي في الداخل والخارج. ذلك لأن الناقمين فقط سيرفعون كؤوس نصرهم على ترامب بمجرد دخول خصمه إلى البيت الأبيض، أما الحالمون بمصالح ومكاسب في عهد الرئيس الديمقراطي المنتخب، فعليهم الانتظار لسنوات عدة دون ضمانات، لأن السياسة فعل متغير في الأهداف وفي أدوات تحقيقها وتنفيذها.
المتفائلون بحقبة بايدن في الولايات المتحدة هم في غالبيتهم ينتمون إلى اليسار الذي يتطلع إلى حياة أكثر عدالة في التعامل مع المواطنين في السياسة والاقتصاد، ولكن بينهم من يربط العدالة بسطوة المهاجرين على السكان البيض، ذلك لأن الأقليات برأيهم باتت صاحبة حق في قيادة البلاد بعدما قدمته من إنجازات، كما أنها “أكثر قدرة على العدل” لأنها اختبرت الظلم وعاشت اللامساواة. ناهيك طبعا عن إيمان اليسار المطلق بأن الاشتراكية هي المآل الطبيعي للعالم وأميركا طال الزمن أو قصر.
كل الاحتمالات قائمة
في الخارج يتوقع الاتحاد الأوروبي أن يسترد في عهد بايدن صدارة قائمة حلفاء أميركا الاستراتيجيين دون أن يضطر إلى المزيد من الإنفاق على ميزانية الناتو. أما الصين فهي تأمل بمرونة أكبر في التعامل مع القضايا العالقة بين البلدين. وبالنسبة إلى الروس فهم لا يتوقعون تصعيدا خطيرا من الرئيس المنتخب رغم تهديداته لهم. وإن خاب ظن الأطراف الثلاثة، سيجدون المواساة في عودة بايدن إلى اتفاق باريس للمناخ ومنظمة الصحة العالمية، وتمديده لمعاهدة الحد من الأسلحة النووية مع روسيا.
في المنطقة العربية يحلم الرئيس الفلسطيني محمود عباس بعودة الدور الأميركي “الحيادي” في الصراع مع الإسرائيليين بعد وصول بايدن إلى السلطة، لذلك قرر تأجيل المصالحة مع حماس وأعاد التنسيق الأمني مع تل أبيب. أما بقية الفلسطينيين فهم يعرفون أن الغرب لم يكن يوما حياديا إزاء قضيتهم، ولكن ترامب أضر بها أكثر من أسلافه في رئاسة الولايات المتحدة، لذلك كان من الطبيعي أن يفرحوا لخسارته بغض النظر عن خصمه الذي يريد حل الدولتين، لكنه كأسلافه لا يفصح عن حدود كل منهما.
في الشرق الأوسط أيضا، يراهن الخمينيون والإخوان المسلمون على الرئيس المنتخب من أجل استرداد سطوتهم في المنطقة. ولكن يبدو أن الإدارة الديمقراطية المقبلة للبيت الأبيض ليست مقتنعة بكفاية الاتفاق النووي الإيراني لضمان أمن المنطقة. كما أنها لا تبدو متحمسة كثيرا للتعامل مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الأب الروحي لجماعة الإخوان وملهمها في نظرية العثمانية الجديدة التي ستصهر كل دول المنطقة في بوتقة واحدة تحت راية التنظيم المصنف بالإرهاب في دول عربية عدة.
ربما يحق للخمينيين أن يجمعوا بين النقمة من ترامب والتفاؤل ببايدن في ظل العقوبات الاقتصادية المفروضة عليهم الآن. ولكن ألا يجب أن يحزن الإخوان على ترامب لأنه من نصر “مرشدهم” أردوغان وسمح له بالتمدد في دول المنطقة، والتمرد على الأوروبيين والروس، كما أنه لم يضعهم على قوائم الإرهاب؟ ماذا يمكن أن ينتظروا أكثر من ذلك؟ هل يعقل أن يكون كل هذا التبشير ببايدن نابعا من الرغبة بخصومة أميركية مصرية تُغيرُ وجه المنطقة، كما يحلم نائب مرشد الجماعة إبراهيم منير.
عموما، بين المتفائلين ببايدن والناقمين على ترامب حول العالم، يصطف الكثيرون ممن يفضلون التعامل مع السياسات الأميركية وفقا للموقف والحاجة، وهو خيار واقعي عندما لا تكون العلاقة مع الولايات المتحدة ندية أو ترتبط بقدر كبير من المصالح التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار من الطرفين.
وفي المحصلة، لكل دولة أو جماعة في تبني أي من الخيارات الثلاثة أسباب يمكن تفهّمها شرط مراعاة حقيقتين أساسيتين، الأولى هي أنه لا يمكن اختزال ما يحدث في أميركا بالقول إن رئيسا مجنونا يتمسك بالسلطة، والثانية هي أن البيت الأبيض لم يكن يوما كعبة السلام في العالم.
بهاء العوام – صحافي سوري – العرب اللندنية
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة