تركيا أردوغان باستباحتها دماء الكُرد ومحاولة تثبيط مساعيهم في الحرية ووصم وطنهم كردستان بـ”إرهابستان” لا تؤسس لحالة جديدة بقدر ما تمضي قدما في تجذير الحالة المؤسساتية والمجتمعية في البلاد.
تركيا ماضية قدما في غيّها ضد الكُرد
من “أتراك الجبال” إلى “الكردي الجيد”، أي المستترك والمستعرب والمستفرس لغة وقلبا وعقلا وروحا إلى “الكردي السيء”، أي المتمرد والمؤمن والمطالب بحقوقه والمدافع عنها إلى “إرهابستان”. أوصاف وتصنيفات ابتدعتها وتناقلتها تركيا عبر الأجيال، وهي تلخص طبيعة تعاطيها العنصري وطريقته مع أعدائها الكُرد ابتداء من المؤسس مصطفى كمال أتاتورك ومرورا بعصمت إينونو وبولنت أجاويد وانتهاء بالغلوائي القومي والديني والمذهبي رجب طيب أردوغان.
“إرهابستان” على وزن كردستان، آخر بدع السلطان أردوغان في هذا الزمان الموحش ككل الأزمان. وهو كناية عن نعت الطموح الذي يسعى إليه خصومه الوحيدون من اليتامى الكُرد والذي يناهز عددهم 45 مليون “إرهابي” فقط وفق نظرة أردوغان التي تفوق العنصرية ذاتها. فعندما يصدر هذا الوصف من الرئاسة التركية، أي من أشخاص يفترض أنهم يعملون في السلك الدبلوماسي، فهذا يعكس على نحو لا مراء فيه المستوى والحضيض الذي بلغته الدولة التركية من حيث لغة الخطابة شكلا ومضمونا، وما يتمخض عن هذه اللغة من أفعال ومظالم لطالما تذوقها الكُرد مكرهين لا راغبين من أجداد أردوغان وآبائه. بالإضافة إلى تمادي تركيا الرسمية في المضي قدما في غيّها ضد الكُرد سواء داخل تركيا أو خارجها وعدم استعدادها لتفهم خصوصية القضايا الكردية وضرورة الاقتناع بمنح الكُرد حقوقهم أسوة ببقية شعوب العالم، وإلا سيبقى هذا النزيف مستداما إلى ما لا نهاية على عكس ما يتمناه ويتوقعه أردوغان وعصابته.
توجيه الضربات الاستباقية والمؤلمة ضد جميع الكُرد “السيئين” لإرغامهم على رفع راية الاستسلام. وكذلك إرسال رسائل إلى القوى العالمية والإقليمية باستحالة موافقة تركيا على منح الكُرد أيّ حقوق وامتيازات
هذا الفصل المتجدد تلقائيا من العنصرية التركية ضد الكُرد يضاهي لا بل يسبق نظام الفصل العنصري (الأبارتيد) في جنوب أفريقيا والذي دام 46 سنة من 1946 إلى 1994. فجميع المناصب السياسية والسيادية الهامة في تركيا يتولاها الأتراك أو غيرهم من “الجيدين” من القوميات الأخرى شريطة أن يكونوا أتراكا أكثر من الأتراك أنفسهم روحا ولغة وفكرا وعقلا وقلبا. أما بالنسبة إلى المعارضين “السيئين والشياطين” فليس لهم مكان ووجود في الدولة التي ولدت على حساب قهر القوميات غير التركية وشيدت على حساب عذابات الآخرين. هذا عدا الظلم والإقصاء والتنكيل الذي يعاني منه “المخربون” بسبب معارضتهم لسياسات الدولة الرسمية أي سياسات الحزب الحاكم والعرق الواحد والدين الواحد والمذهب الواحد. وهذا ينطبق على الكُرد والعرب والأرمن وبقية الملل وحتى على الأتراك المعارضين أنفسهم.
وتشبيه النزوع الجمعي الكردي إلى الاستقلال وتأسيس دولة كردستان بـ“إرهابستان” هو موجه أولا إلى فيدرالية كردستان العراق قبل أن يكون موجها إلى حزب العمال الكردستاني في تركيا أو إلى حزب الاتحاد الديمقراطي وقوات سوريا الديمقراطية في سوريا. والسبب وراء هذا الاستنتاج هو أن القائمين على هذه الفيدرالية أو على الأقل جزء منهم هم من سعوا بدأب إلى الاستقلال وليس “بى كى كى” في كردستان تركيا أو “بي واي دي” في كردستان سوريا. علما أن تركيا تعلم علم اليقين بأن “بي كى كى” و”بي واي دي” لا يتبنّيان مشروع الدولة الكردية، لا بل لا يمكن اعتبارهما أحزابا قومية بعد التبدلات الجذرية الهائلة التي طرأت على برنامج “بى كى كى” منذ اعتقال زعيمه عبدالله أوجلان سنة 1999.
تركيا أردوغان باستباحتها دماء الكُرد في أي زمان ومكان ومحاولة تثبيط مساعيهم في الحرية ووصم وطنهم كردستان بـ”إرهابستان” لا تؤسس لحالة جديدة بقدر ما تمضي قدما في تجذير الحالة المؤسساتية والمجتمعية التاريخية في تركيا، لكن هذه المرة بنكهة أردوغانية خالصة فحواها توجيه الضربات الاستباقية والمؤلمة ضد جميع الكُرد “السيئين” لإرغامهم على رفع راية الاستسلام. وكذلك إرسال رسائل إلى القوى العالمية والإقليمية ذات النفوذ في الشأن السوري باستحالة موافقة تركيا على منح الكُرد أيّ حقوق وامتيازات خاصة في سوريا المستقبل، هذا إذا كانت تلوح في الأفق ما يمكن تسميتها بسوريا المستقبل، أو إذا لم نشهد بعد كل هذا المخاض العسير نسخة مجترة أخرى من سوريا الأسد.
جوان ديبو – كاتب سوري كردي – العرب اللندنية
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة