تجد إيران في صراع غزة أفضل فرصة لشن حرب بالوكالة تنتقم فيها من إدارة بايدن لعدم وفائها بوعود حملتها الانتخابية.
مع دخول الحرب في غزة شهرها الخامس، فشلت كل محاولات الوساطة حتى الآن في وقفها، وكما كان متوقعا، امتد الصراع إلى أجزاء أخرى من الشرق الأوسط.
وفي هذا السياق، شجعت إيران وكلائها في العراق واليمن وسوريا على إثارة فوضى عارمة وخلق مبررات كافية للولايات المتحدة لشن حرب وقائية ضد “محور الشر”، وبالتالي إطالة أمد الوجود العسكري الأمريكي في العراق وسوريا.
وسط هذه الفوضى، تم تعليق خطط الطوارئ الأمريكية لغزو اليمن، على الأقل في الوقت الحالي. وسواء كان شاغل البيت الأبيض القادم جمهورياً أو ديمقراطياً، فإن مثل هذه الخطط سوف يتم تنفيذها حتماً، إذا كان التاريخ يشير إلى أشياء قادمة.
لقد تم انتخاب الإدارة الأميركية الحالية في منعطف عالمي حساس، الأمر الذي دفع الولايات المتحدة إلى تحويل توجهاتها من المشاركة المكثفة إلى المشاركة الفضفاضة في شؤون الشرق الأوسط، وعلى الأخص في اليمن وأفغانستان وسوريا.
لكن إدارة بايدن حافظت على الثوابت التي ميزت دائما العلاقة مع إسرائيل. ونحن نتحدث هنا عن الرؤية الحزبية طويلة المدى التي تضع مصالح الشركاء في تل أبيب فوق كل اعتبار.
كانت استراتيجية التدخل الفضفاض في اليمن من بين أفظع الأخطاء التي ارتكبتها إدارة بايدن. ومنذ اللحظة الأولى لتوليه الرئاسة، ألغى بايدن تصنيف الولايات المتحدة للحوثيين كمنظمة إرهابية.
وتشير هذه الخطوة إلى أن الأميركيين يبدو أنهم يقبلون الوضع الراهن في اليمن على الرغم من تأثيره السلبي على علاقتهم مع حلفائهم التقليديين في المنطقة. لقد ظل الأمريكيون منفتحين على فكرة أن قنوات الحوار مع الحوثيين قد تكون خيارا معقولا للتفكير فيه كبديل لحشد الحلفاء لحرب ضد وكلاء إيران اليمنيين في تكرار لتجربة أفغانستان.
ويبدو أن الطريقة التي تعامل بها بايدن مع الحوثيين تعكس اعترافاً أميركياً فعلياً بالمنطق الذي تفرضه إيران في اليمن.
وكان من الطبيعي أن تستغل إيران انعزال الولايات المتحدة عن قضايا الشرق الأوسط لتعزيز نفوذ وكلائها وإعدادهم لدور مستقبلي أكبر وأوسع من أي وقت مضى، كما هو الحال الآن في الصراع مع إسرائيل. واليوم نرى الحوثيين يحاولون تأكيد وجودهم كعضو فاعل في “محور المقاومة” ولعب دور أكثر تأثيرا في معارك “طوفان الأقصى” من حزب الله اللبناني.
إيران التي تجد في صراع غزة أفضل فرصة لشن حرب بالوكالة تنتقم فيها من إدارة بايدن لعدم وفائها بالوعود التي قطعتها خلال حملتها الانتخابية بالعودة إلى الاتفاق النووي.
وهي لا ترى أي مشكلة في استمرار الحرب بين حماس وإسرائيل لأطول فترة ممكنة، بغض النظر عن الخسائر البشرية التي يلحقها القتال بالفلسطينيين. وهذا سيسمح لها باستخدام الصراع لإحداث أقصى قدر من الضرر للمصالح الأمريكية في المنطقة، وكسب المزيد من التعاطف الإقليمي لنفسها والمزيد من الشرعية ودعم الرأي العام لوكلائها.
يمكن تفسير الفوضى التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط على أنها دليل على تراجع قدرات الردع الأميركية في المنطقة وفشل السياسة الخارجية الأميركية خلال السنوات الخمس الماضية.
وفي الوقت نفسه، فهو إلى حد ما ارتداد إلى المفهوم القديم المتمثل في “الفوضى الخلاقة” لأنه يوفر أسبابا كافية لإقناع الأميركيين بضرورة التحرك ضد قوى الشر في حرب وقائية يكون فيها العمل العسكري ضروريا لحماية الوطن الأميركي.
ليس من المستبعد أنه إذا عاد دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، سيتم استخدام عمل عسكري أوسع ضد الحوثيين، خاصة من خلال التذرع بمنطق الدفاع عن أمن إسرائيل وحماية حركة الشحن الدولية.
إن المواجهة الحالية بين حماس وإسرائيل تعمل على توسيع نطاق المخاطر التي تواجه المنطقة، وربما أدركت إدارة بايدن أنها تتحمل جزءاً من مسؤولية تهاونها تجاه محور إيران.
ولكن المواجهة الحالية في غزة فتحت أعين الجميع أيضاً على تأثير كرة الثلج الذي يكتسب زخماً بلا هوادة في الشرق الأوسط. وسيكون وقفه من بين الأولويات القصوى للإدارة الأمريكية المقبلة بغض النظر عمن سيفوز في انتخابات تشرين الثاني.
المصدر: صحيفة عرب ويكلي اللندنية
ترجمة: أوغاريت بوست