أوغاريت بوست (مركز الأخبار) – منذ أكثر من 4 أشهر، تعاني مدينة الحسكة ونواحيها من انقطاع كامل لمياه الشرب، وذلك بعد خروج محطة علوك بريف مدينة رأس العين (المعروفة محلياً بسري كانيه) شمال غرب المحافظة؛ عن الخدمة، جراء الهجمات التركية الأخيرة، يأتي ذلك في ظل استمرار معاناة أكثر من مليون ونصف المليون مواطن من انقطاع المياه والاعتماد على مياه الصهاريج التي لا تعتبر معقمة بشكل كامل.
منذ 2019.. والمياه مقطوعة بشكل شبه كامل عن الحسكة
وتخضع مدينة رأس العين وأريافها لسيطرة الجيش التركي وفصائل “الجيش الوطني”، وذلك بعد عملية عسكرية قامت بها تركيا في تلك المنطقة في عام 2019 تحت مسمى “نبع السلام”، ومنذ ذاك الحين وتقوم القوات التركية بقطع المياه من محطة علوك بشكل متكرر عن مدينة الحسكة، بينما يغيب هذا الملف بشكل كامل عن اجتماعات مسار آستانا الذي يضم حلفاء الحكومة السورية، روسيا وإيران، وتركيا.
وعادة ما تكتفي الحكومة السورية بإصدار بيانات “إدانة واستنكار” لما تقوم به القوات التركية بقطع المياه عن مدينة الحسكة، دون أي إجراء آخر كإثارة الملف مثلاً في المحافل الدولية والأممية، وفي مجلس الأمن مثلاً، حيث أن القانون الدولي ومواثيق الأمم المتحدة تحظر على أي جهة قطع المياه عن التجمعات السكانية وتعتبرها “جريمة حرب” كونها شكل من أشكال “الإبادة الجماعية”، وذلك كون المياه مصدر رئيسي للحياة.
“جريمة حرب”.. دمشق “تدين” قطع تركيا للمياه
وبعد مضي 4 أشهر على قطع مياه الشرب عن مدينة الحسكة، أصدرت وزارة الخارجية في الحكومة السورية، الأربعاء، بياناً استنكرت فيه قطع تركيا لمياه الشرب عن المدينة وضواحيها، وجاء في البيان أن “استمرار تركيا بقطع المياه عن مليون مواطن في مدينة الحسكة منذ 4 أشهر جريمة حرب”.
ودعا بيان الخارجية السورية، المجتمع الدولي، للتحرك الفوري لوقف استمرار أنقرة بقطع المياه، وأشارت إلى أن “قطع تركيا والفصائل الموالية لها لمياه الشرب عن الحسكة وريفها ينذر بكارثة إنسانية وبيئية”.
دعوات لتدخل دولي.. والملف غائب عن المحافل الأممية
وطالبت الخارجية السورية، من المجتمع الدولي بإجراء ما يلزم لإعادة تأمين مياه الشرب لأهالي الحسكة، محذرة في الوقت نفسه من الآثار الكارثية التي ستترتب على قطع المياه عن المحافظة.
ولفتت الخارجية السورية في بيانها إلى أن “تركيا لا تتوقف عن استهداف حوامل الطاقة الكهربائية لمحطات المياه التي تغذي المحافظة وتروي المواطنين الأبرياء، ناسفةً بذلك المعايير الدنيا للإنسانية، ومستخدمةً قطع المياه أداة لتحقيق مآربها السياسية”.
تركيا دمرت البنى التحتية في الشمال الشرقي مع محطات المياه
وسبق أن استهدفت الطائرات التركية حوامل الطاقة الكهربائية لمحطات المياه التي تغذي مدينة الحسكة وتصل إلى محطة علوك خلال هجماتها الجوية على مناطق “الإدارة الذاتية” في شهري تشرين الأول/أكتوبر وكانون الأول/ديسمبر، حيث تم تدمير أكثر من 80 بالمئة من البنى التحتية في تلك المناطق، من آبار نفطية ومحطات توليد الطاقة وضخ المياه، إضافة إلى نقاط طبية وأخرى تعمل على تأمين الأوكسجين للمشافي، ومراكز غسل الكلى، ومصانع ومعامل وصوامع الحبوب ونقاط أمنية.
وغالباً ما كانت تتذرع أنقرة بعدم وصول ما يكفي من الطاقة الكهربائية من مصدرها في مدينة الدرباسية شمال غرب محافظة الحسكة، لتشغيل المحطة، وكانت روسيا تتدخل أيضاً لإرسال فرق الصيانة لتشغيل المحطة، إلا أن عمل المحطة كان يستمر لأيام معدودة فقط في كل مرة، وجراء الحمولة الزائدة على الحوامل الكهربائية كانت تحدث أعطال فيها، وذلك بسبب الاستجرار التي كانت تقوم بها فصائل المعارضة في تلك المناطق لبيعها إلى الفلاحين والمزارعين الذين تقع أراضيهم على طريق المحطة، ما كان يؤدي إلى خروج المحطة عن الخدمة.
محطة علوك خارج الخدمة بشكل كامل بعد الهجمات التركية
إلا أنه خلال الهجوم الجوي الأخير لتركيا قبل شهرين، توقفت المحطة بشكل كلي بعد تدمير حوامل الطاقة ومصادر تغذية المحطة وخروجها عن الخدمة بشكل كامل، ليحرم أكثر من مليون ونصف المليون انسان من مياه الشرب.
وسبق أن طالبت الأمم المتحدة، تركيا، بإخراج ملف المياه عن دائر الصراع المستمر في الشمال السوري، وعدم اتخاذ المياه “كسلاح” كجزء من حربها على المناطق الشمالية الشرقية السورية، إضافة إلى زيارات متعددة لوفود أممية ومنها تابعة “لليونيسيف” إلى المحطة للإشراف على عمليات تشغيل المضخات، إلا أن ذلك كان يدوم لأيام وبعدها كان يتم قطع المياه وإيقاف تشغيل العنفات.
“ملف المياه سياسي وليس تقني أو فني”
وفي آخر تصريح لمنظمة “اليونسيف” الأممية، في آب/أغسطس من العام الماضي، قال مسؤول محلي تابع للإدارة الذاتية بأن المنظمة الأممية أخبرتهم أن “مشكلة مياه محطة علوك ليست لأسباب تقنية أو فنية، إنما هي قضية سياسية”، ونوهت المنظمة أن تركيا طالبتها بعدم التدخل، وأن هذا الملف “لا يدخل في إطار صلاحياتها”.
وكانت منظمات دولية، منها هيومن رايس ووتش، طالبت تركيا بالكف عن قطع المياه عن مدينة الحسكة، وذلك للآثار الكارثية المترتبة على هذا الانقطاع من معاناة السكان المحليين الحصول على مياه معقمة ونظيفة صالحة للشرب، إضافة إلى الأمراض التي تسببها المياه غير المعقمة التي يتم بيعها من خلال الصهاريج الخاصة، كون ما يتم تقديمه للمجتمعات المحلية من مياه من قبل الإدارة الذاتية والحكومة السورية عبر ملئ خزانات مياه منتشرة في الشوارع والحدائق لا تكفي احتياجات السكان.
إعداد: رشا إسماعيل