دمشق °C

⁦00963 939 114 037⁩

الانهيار الاقتصادي.. المئات يقدمون استقالاتهم من مؤسسات الدولة واستياء شعبي بمختلف المناطق لتدني الرواتب والأجور

أوغاريت بوست (مركز الأخبار) – لاشك في أن الأزمة الاقتصادية الحالية في سوريا لا تتعلق بالمطلق في استمرار الصراع والخراب والخسائر الكبيرة التي لحقت بالبنية التحتية في البلاد، والعقوبات الاقتصادية ووباء كورونا والزلزال المدمر الذي ضرب البلاد في شباط الماضي، بل هي أزمة سببتها السياسات المالية التي تعود لعقود مضت، أما ما ذكر هو أسباب ثانوية؛ رغم أنها ساهمت بشكل كبير في ما تعيشه سوريا اليوم.

في شهر واحد.. الدولار يقفز من 8 آلاف إلى 13 ألف

وخلال 11 عاماً من الحرب والصراع المسلح على السلطة، لم يتجاوز سعر صرف الدولار الأمريكي في البلاد حاجز الـ8 آلاف ليرة، إلا أنه وفي شهر واحد (تموز الماضي)، تسارع انهيار العملة المحلية بشكل كبير للغاية، حتى وصل السعر إلى أكثر من 13500، وهذا هو أدنى مستوى تسجله الليرة منذ استقلال البلاد.

هذا الانهيار المتسارع خلال أيام، جعل الأسعار ترتفع بشكل أقل ما نقول عنه أنه جنوني، حتى باتت قيمة السلع تتغير بشكل ساعي، في ظل تدني الأجور والرواتب، ليس في مناطق سيطرة الحكومة السورية، بل ضمن المناطق الأخرى، بينما تعتبر مناطق سيطرة دمشق، هي الأسوأ. تلا ذلك انخفاض القدرة الشرائية للسوريين، وزيادة نسبة الفقر، ولم يعد متوسط راتب الموظف الشهري يتجاوز الـ10 دولارات شهرياً.

معدلات تضخم قياسية.. والحكومة تلقي بالمسؤولية على أسباب عدة

يشار إلى أن معدل التضخم رسمياً في عام 2020، وصل إلى 114.2 بالمئة، وقفز في 2021 إلى 118.8 بالمئة، فيما تقول تقارير غير رسمية أن الأسعار ارتفعت بمقدار 10 أضعاف خلال الفترة الممتدة ما بين 2019 و 2022، بينما في 2023 حتى الشهر السابع، ارتفعت الأسعار نحو 100 بالمئة.

وغالباً ما تضع الحكومة السورية وإعلامها المسؤولية على العقوبات الأجنبية وما تصفها “بالإجراءات القسرية” ووباء كورونا والزلزال المدمر والحرب المستمرة في البلاد، بينما كان حديث رئيس الوزراء حسين عرنوس خلال اجتماع لمجلس الشعب، الذي من المفترض انه ناقش الأزمة الاقتصادية، وأنه سيضع الحلول الإسعافية لوقف الإنهيار، بأن هذا الانهيار كان يجب أن يحصل منذ عقد، إلا أن الحكومات بقيت متماسكة والمؤسسات تدفع رواتبها.

1800  موظف لدى الدولة يقدمون استقالاتهم

ومع عجز الحكومة السورية من وضع استراتيجية، التي سبق وتم الحديث عنها، لمواجهة هذه الأوضاع الاقتصادية الصعبة، قدم المئات من الموظفين والعاملين في مؤسسات الحكومة استقالاتهم خلال الأشهر الماضية، خاصة بعد الانهيار الأخير لليرة أمام العملات الأجنية وتدني الرواتب الشهرية التي لا تكاد تبلغ ال10 دولارات.

وفي ظل تفاقم الأزمة الإنسانية وزيادة نسبة الفقر في البلاد، دون أي تحرك من قبل الحكومة السورية، كشف المرصد السوري لحقوق الإنسان، إن عدد المستقيلين في دمشق وريفها خلال ستة أشهر ارتفع لنحو 1800 عامل وعاملة، بهدف الاستراحة من العمل لأسباب صحية أو الهجرة أو الالتفات إلى أعمال أخرى تؤمن لهم أبسط متطلبات العيش الكريم.

مناطق المعارضة تبدأ التعامل بالدولار.. والإدارة الذاتية تقرر رفع رواتبها “لكن بالسوري

هذه الحالة لا تقتصر على مناطق سيطرة الحكومة السورية، ولو أنها الأكثر سوءاً، بل هي حال كل المناطق بمختلف الجهات المسيطرة، حيث قررت المعارضة السورية البدء بالتعامل بالدولار، حيث أصدرت “وزارة الاقتصاد” التابعة “لحكومة الإنقاذ”، التي تدير مناطق في محافظتي إدلب وريف حلب، قراراً يلزم بالتعامل بالدولار الأميركي بدلاً من الليرة التركية للبيع والشراء في سوق الهال، وأرجعت الوزارة قرارها إلى “عدم استقرار سعر صرف الليرة التركية، وتعرض المزارعين والتجار لخسائر كبيرة بسبب البيع الآجل”.

وبدأ تعامل هذه المناطق بالليرة التركية منذ سنوات، وتحديداً قبيل بداية فرض الإدارة الأمريكية على عهد دونالد ترامب، عقوبات قانون قيصر.

أما بخصوص مناطق الإدارة الذاتية، فإنها لاتزال تتعامل بالليرة السورية في الرواتب والأجور الشهرية، بينما كل ما في تلك المناطق أصبحت يقاس على سعر صرف الدولار، وهو ما أدى لانخفاض الأجور والمرتبات الشهري للنصف تقريباً.

وقرر “المجلس العام” في الإدارة الذاتية خلال اجتماع له قبل يومين، تكليف “هيئة المالية” بدراسة زيادة الرواتب ضمن أمكانياتها، بعدما كانت التوقعات بأن تحدد الأجور والرواتب الشهرية بالدولار ويتم صرفها بما يتوافق مع الليرة السورية، ما زاد من الاستياء الشعبي، خاصة في ظل الارتفاع الكبير في الأسعار نتيجة انخفاض قيمة الليرة.

العملة السورية.. من 450 ليرة في 2019 إلى 13500 ليرة في 2023

الأزمة الاقتصادية المعاشة حالياً في سوريا أدت لموجة هجرة كبيرة، ففي مفارقة بسيطة، يمكن الإشارة إلى أن سعر صرف الدولار في بدايات 2019 كان حوالي 450 ليرة، ووصل في منتصف السنة إلى 650 وانتهى بـ 700 ليرة أو أكثر بقليل، إلا أنه بعد 4 سنوات، بات السعر 13500، حتى مع انخفاض هذا السعر إلى ما دون الـ12000 خلال الساعات الـ24 الماضية، إلا أن أسعار السلع والمواد لن تنخفض بحجة “أن التجار اشتروا المواد عندما كان سعر الصرف بـ 13000 أو أكثر”.

ولا شك في أن تأخر الحلول السياسية ستؤثر بشكل كبير على الاقتصاد السوري خلال الفترة القادمة، وبالتالي هناك احتمال بأن تشهد الليرة مزيداً من الانهيار وارتفاع معدلات التخضم ونسبة الفقر مع انخفاض القوة الشرائية للمواطنين، وما يمكن أن ينتج عن هذه الأزمة الاقتصادية من تزايد نسبة الهجرة والجوع وارتفاع معدلات السرقات والجرائم وحتى حالات الانتحار التي تأتي نتيجة الضغوطات الاقتصادية والمعيشية.

 

إعداد: علي إبراهيم